قررت محكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار حسن فريد، إخلاء سبيل المصورة الصحافية إسراء الطويل، على ذمة القضية رقم 485 لسنة 2014 أمن دولة عليا، نظرًا لظروفها الصحية.
سلطت قصة إسراء الطويل، منذ يوم اختفائها، الضوء على حالات الاختفاء القسري التي انتشرت في مصر في الآونة الأخيرة.
وصرح المستشار حسن فريد أن قرار الإفراج عن الطويل جاء مصحوبًا باتخاذ التدابير الأمنية المتبعة، موضحًا أن "القرار يمنع خروج إسراء من المنزل إلا بأمر من الجهات الأمنية". وشدد فريد على أنه "لن يُسمح بخروجها من المنزل إلا لتلقي العلاج فقط، وذلك تحت حراسة مشددة".
وكانت نيابة أمن الدولة العليا وجهت إلى الطويل عدة تهم بينها "بث أخبار كاذبة تستهدف تكدير السلم العام، والانضمام إلى جماعة إرهابية مؤسسة على خلاف أحكام الدستور والقانون الغرض منها الدعوة إلى تعطيل القوانين، ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين، والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي".
اللي راح تشيليز ولا رجعش
تبدأ قصة إسراء الطويل حين خرجت هي وصديقيها صهيب سعد وعمر محمد في الأول من يونيو/ حزيران الماضي، لركوب الخيل والتنزه، وبعدها ذهبوا جميعًا لتناول العشاء في مطعم "تشيليز" في الزمالك، ثم اختفى ثلاثتهم لمدة 15 يومًا.
ظهر عمر وصهيب في سجن استقبال طرة، بعد نصف شهر من الاختفاء القسري، ولم تعرف التهم الموجهة إليهم في ذلك الحين. وفي 11 يوليو/ تموز الماضي، بثت وزارة الدفاع المصرية فيديو تحت عنوان "القبض على أخطر الخلايا الإرهابية"، ظهر فيه صهيب وعمر وشباب آخرون يعترفون بقيامهم باستهداف محولات الكهرباء وقتل رجال الشرطة والجيش والاعتداء على عدد من القضاة والمرافق الحيوية، وأن الخلية، التي ينتمون إليها، يموِّلها أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين. وأحيل عمر وصهيب إلى المحاكمة العسكرية في القضية رقم 174 غرب عسكري, المعروفة إعلاميًا بـ"مجموعة العمليات المتقدمة".
وظهرت إسراء الطويل يوم 16 يونيو/ حزيران الماضي، في سجن القناطر. وكشف محاميها، محمد الباقر، أنه تم عرضها على النيابة في اليوم السابق لتاريخ ظهورها، دون إخطار أو حضور أي من أهلها أو المحامين. ووجهت لها النيابة تهم بث أخبار كاذبة تستهدف تكدير السلم العام، والانضمام إلى جماعة إرهابية.
وكشفت إسراء، في رسالة لها من سجن القناطر، نشرت يوم 14 يوليو/ تموز الماضي، تفاصيل ما حدث معها هي وصديقيها منذ يوم اختفائهم. ومما جاء في الرسالة "أنهم أثناء خروجهم من المطعم، بعد تناولهم العشاء، استوقفهم ثلاثة رجال وطلبوا بطاقاتهم وهواتفهم الشخصية، وأعلمها أحدهم أنه ضابط، ثم قاموا بتغمية أعينهم، وبعدها انفصلت إسراء عن عمر وصهيب، حيث اقتيدت هي إلى أحد مقرات الأمن الوطني (أمن الدولة)، بينما اقتيد صهيب وعمر إلى مكان آخر".
وحكت إسراء، في رسالتها، عما عانته، خلال فترة اختفائها القسري، حيث تم تغمية عينيها لمدة 15 يومًا، وتهديدها وإرهابها، كما روت إسراء عن خوفها على أهلها ورغبتها في طمأنتهم. وكشفت أنه تم التحقيق معها في نيابة أمن الدولة العليا لمدة 18 ساعة متواصلة.
الكاميرا دي فيها قنبلة
نشرت وكالة أنباء الشرق الأوسط، ما قالت أنه نتائج تحقيقات النيابة مع إسراء الطويل، ومما جاء في هذه التحقيقات أن "المتهمة إسراء محفوظ محمد الطويل اعترفت بموافقتها على الاشتراك في تنفيذ (عملية اغتيال) لأحد كبار مسؤولي الدولة، في أعقاب فض الاعتصام المسلح لجماعة الإخوان بمنطقة رابعة العدوية بالاشتراك مع آخرين من أعضاء جماعة الإخوان الذين وضعوا في البداية مخططًا للتنفيذ من خلال عملية انتحارية".
وجاء في التحقيقات أيضًا أن "إسراء اعترفت بأن مخطط اغتيال شخصية نافذة تتولى مسؤولية قيادية في الدولة، جاء للثأر لمصرع صديقة إخوانية لها تدعى أسماء البلتاجي، وأن دورها في عملية الاغتيال يتمثل في تفجير عبوة متفجرة يعدها لها أحد أصدقائها من عناصر جماعة الإخوان ويتم وضعها بداخل هيكل آلة التصوير".
ورد فريق الدفاع عن إسراء الطويل، على ما نشرته الصحف المصرية، نقلًا عن وكالة أنباء الشرق الأوسط، بخصوص اعترافات إسراء الطويل: "أن هناك حملة تشويه مستمرة تتعرض لها إسراء الطويل ومحاولات من أجهزة الدولة للتشويش على حالتها الصحية وكسر حالة التعاطف الشعبي معها".
وأكد فريق الدفاع أن التهم الموجهة إلى إسراء والتي واجهتها بها النيابة على مدار أكثر من 10 جلسات تحقيق، كانت: "الانتماء إلى جماعة أُسست على خلاف القانون، وقيامها -بصفتها مصرية- بإمداد جهات أجنبية بمواد مصورة تُظهِر عنف الدخلية. بينما خَلَت الاتهامات الموجهة لإسراء من أية اتهامات بالتجمهر، أو المشاركة في تظاهرات، أو التدبير لاغتيالات، أو حتى التجسس".
لماذا الاهتمام بإسراء الطويل؟
سلطت قصة إسراء الطويل، منذ يوم اختفائها، الضوء على حالات الاختفاء القسري التي انتشرت في مصر في الآونة الأخيرة. واكتسبت قضية إسراء حالة من التعاطف العفوي العام على مواقع التواصل الاجتماعي فدشنت صفحات "إسراء الطويل فين"، و"اللي راح تشيليز ولا رجعش"، و"الحرية لإسراء الطويل"، وغرد نشطاء مواقع التواصل للمطالبة بالكشف عن مصير إسراء، ثم الإفراج عنها بعدما قدمت للمحاكمة.
تركت صور إسراء وهي تبكي وتستند إلى عكاز، خلال محاكمتها، أثرًا في نفوس متابعي قضيتها، وأدت إلى اكتساب قضيتها بعدًا إنسانيًا أكبر
انتقل هذا التعاطف من مواقع التواصل الاجتماعي إلى المنابر الحقوقية والإعلامية- حتى المعروف منها بتأييد النظام-، فسخر الإعلامي جابر القرموطي من إلصاق تهمة الإخوان بكل من يتعاطف مع إسراء الطويل، وتحدث الإعلامي محمود سعد عن قضية إسراء الطويل واختفاءها القسري، ودافع الإعلامي عمرو أديب عن إسراء الطويل في برنامجه، وتابعت الصحف المصرية تفاصيل القضية عن كثب، ونشرت رسائل إسراء، كما أفرد كتاب صحافيون مثل عماد الدين حسين، وحمدي رزق، وعمار علي حسن، وأحمد خالد توفيق وغيرهم، مساحة في مقالاتهم للحديث عن قضية إسراء وللمطالبة بالإفراج عنها.
وأخذت قضية إسراء الطويل بعدًا دوليًا بعدما تناولت وسائل إعلام عالمية مثل إذاعة ABC الأسترالية، و BBC world news، القضية في إطار حديثهما عن الاختفاء القسري في مصر.
تركت صور إسراء وهي تبكي وتستند إلى عكاز، خلال محاكمتها، أثرًا في نفوس متابعي قضيتها، حيث أدت دموعها، التي حرصت وسائل الإعلام على نشرها، إلى جانب حالتها الصحية السيئة، إلى اكتساب قضيتها بعدًا إنسانيًا أكبر. وكانت إسراء أصيبت في 25 كانون الثاني/ يناير 2014 بطلق ناري في مظاهرة بميدان مصطفى محمود، وأصبحت قعيدة لمدة تجاوزت العام، وحين اختفت قسريًا كانت لا تزال تعاني من آثار الحادث ولا تستطيع المشي بشكل جيد.
رسائل إسراء، التي كتبتها خلال حبسها في سجن القناطر، لا تكشف عن تفاصيل اختفائها القسري وتعذيبها في أقبية أمن الدولة فقط، ولا عن معاناتها في السجن بسبب مرضها وعدم تقديم العلاج اللازم لها فقط، ولكن تكشف عن بُعد آخر من شخصية إسراء؛ تكشف عن إسراء الطويل الفتاة الطيبة حد السذاجة، التي لا تعرف من هو الشخص الذي ذكرت الجرائد أنه المتهم الأول في قضيتها (القيادي الإخواني، جمال حشمت)، ولا تهتم بالسياسة ولا ألاعيبها، وتطلب من أختها أن تحضر لها، في الزيارة "إندومي، وبونبوني، ولبان، وجيلي كولا"، وكل اهتماماتها تنصب حول أسرتها وأصدقائها وقطتها.
هذه الصورة الذهنية التي خلقتها الرسائل عن إسراء، إلى جانب مقاطع الفيديو الخاصة بها والتي تنشرها أسرتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ساهما في تعزيز رواية إسراء الطويل عن اختطافها هي وأصدقائها وإخفائهم قسرًا وتعذيبهم، وتأمين ظهير شعبي مساند لقضيتها ما شكل ضغطًا على السلطة الحاكمة في مصر، التي أخلت سبيلها في النهاية.
كما أن إخلاء سبيل إسراء الطويل- حتى وإن كانت قيد الإقامة الجبرية في منزلها- لا يمكن فصله عما حدث يوم الجمعة الماضي، حين قامت السلطات المصرية بالإفراج عما يقرب من 80 مختفيًا قسريًا من سجن العزولي الحربي، كما قامت بفتح الزيارة في سجن العقرب، بعد أن أغلقتها على مدى شهور، فيما يبدو أنها سياسة جديدة -لم تتضح معالمها بعد- تنتهجها السلطات المصرية.
اقرأ/ي أيضًا: