الترا صوت - فريق التحرير
أعلنت الحكومة المصرية يوم الخامس من نيسان/إبريل الجاري أنها ستلغي قانون أعمال الجمعيات الأهلية الذي وصفته عدة جهات محلية ودولية بالقمعي والذي كان ساريًا منذ 2017، قائلة إنها ستقدم إلى البرلمان مشروع قانون جديد ينظم ممارسة العمل المدني. بينما يطرح ناشطون ومراقبون تساؤلات عديدة حول معنى التوقيت، وإن كان القرار قد جاء نتاج عن الانتقادات العديدة التي واجهت القانون الأول؟ أم أنها محاولة لتهدئة الأجواء في الداخل المصري قبيل الاستفتاء على التعديلات الدستورية المثيرة للجدل في شهر نيسان/إبريل الجاري.
يتضمن مشروع قانون الجمعيات الأهلية الجديد في مصر هامشًا فضفاضًا ودلالات غير محددة وواسعة يمكن استغلالها لقمع أي معارضة
الجدير بالذكر أن الحكومة لم تكشف بعد عن مشروع القانون. ويجب على البرلمان مناقشته والموافقة عليه ثم التوقيع عليه ليصبح قانونيًا، بحسب ما جاء في بيان أصدرته هيومان رايتس ووتش عن الموضوع، طالبت فيه الحكومة المصرية بإتاحة مواد القانون الجديد الذي تزعم تعديله للعلن.
اقرأ/ي أيضًا: استراتيجيات الأمن المصري لمحاصرة الجمعيات الحقوقية
قانون الجميعات الأهلية: "يحتاج إلى نظرة منك"
في تشرين الثاني/نوفبر من العام الماضي، وقفت إحدى الفتيات أثناء فعاليات متندى الشباب لتقول للسيسي إن القانون "يحتاج إلى نظرة منك"، وحينئذ وافقها السيسي، وتحدث عما وصفه بأهمية دور الجمعيات الأهلية، وأنه دور تحتاجه البلاد في ظل عدد كبير من السكان.
وكان البرلمان المصري، قد أقر القانون الحالي في شهر كانون الثاني/يناير 2017، وفي خلال ساعات وافق مجلس النواب عليه وتم إرساله للسيسي ليصبح ساريًا، في بلد يضم 40 ألف جمعية خيرية.
وكعادة هذا النوع من القوانين الموكل إليها أن تجعل الجمعيات المدنية عضوًا آخر داخل أجهزة الدولة، وتدار من خلالها وبمعرفتها، فقد وصفت المؤسسات الموالية للحكومة القرار بالجريء. ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن قانون الجمعيات الأهلية الذي كان قائمًا في مصر في السابق والمعروف باسم قانون رقم 84 لسنة 2002، كان متعسفًا أيضًا، وكان يتيح تدخلًا كبيرًا لأجهزة الدولة في أنشطة الجمعيات، بدءًا من اعتراضه على أسمائها، وحتى على الأسماء المشرفة على إدارتها مرورًا بميزانيتها، وخلافه.
القانون الحالي: إجحاف وتعسف بلا سقف!
في القانون الذي قررت الحكومة المصرية مراجعته، تتعمد فيه نصوص المتن، استخدام عبارات واسعة الدلالالة. مثال على ذلك، أن أحد مواده تنص على "أنّه حظر على الجمعية ممارسة أنشطة يترتب عليها الإخلال بالوحدة الوطنية أو الأمن القومي أو النظام العام أو الآداب العامة"، دون أن تعرف ماهية الأمن القومي أو الآداب العامة، كما أنه يجعل ممارسة أي نشاط توسعي كفتح مقرات المحافظات، بقيد يعود إلى موافقة كتابية من الوزير المختص رأسًا، فيبقى نظاميًا حكوميًا مترهلًا وبيرواقراطيًا، قد يصعب فيه التحدث مع أحد رؤساء قسم حكومي في دائرة حكومية عادية، وهو ما يجعل منه شرطًا تعجيزيًا بالضرورة، هذا بخلاف موادٍ أخرى أكثر جدلية تجعل من عزل مجلس إداري وتنصيب جديد، مهمة تُرجع لمحاكم بعينها تحتص بهذا الشأن، كما تجعل إبرام أي اتفاق مع أي جهة أجنبية، وإن كان مرضيًا عنها أمنيًا، أمرًا يجب استئذان الجهاز الحكومي المختص بشأنه، وليس شأنًاًّ داخليًا لها.
ضد الفلسفة العدائية للجمعيات الأهلية
جل ما تم إنشاؤه من الجمعيات المدنية بمصر، حتى الآن على الأقل، يندرج تحت محاولات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، خاصة تلك التي تحمل طابعًا خيريًا وخدماتيًا، وعلى الرغم من ذلك، لم تجد أجندة الدولة بطبيعة الحال واقفة إلى جوارها باعتبار أن لها دورًا تكميليًا لن تستطيع في ظل ترهلها الحالي إكماله.
اقرأ/ي أيضًا: المجتمع المدني المصري.. تركة للريح
في هذا السياق واجه هذا القانون اعتراضات عديدة وقت طرحه، حيث أصدرت حينئذ 22 منظمة أهلية و6 أحزاب بيانًا رافضًا للقانون، مما يرجح أن إلغاء القانون الآن محاولة من السلطات لإضفاء بعض الديكور الديمقراطي على ما فُرض من قيود على العمل الأهلي في مصر، خاصة بعد ما صرح به السفيرة مشيرة خطاب في إحدى المقابلات التليفزيونية من اعتقادها أنها لم تحصل على عدد كاف من الأصوات لمنصب اليونسكو الذي كانت تنافس عليه، بسبب سجل مصر المتردي في حقوق الإنسان وقانون الجمعيات الأهلية، بينما وصفه المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة عقب تصديق الرئيس عليه "بالقمعي الذي يدمر حقوق الإنسان في مصر، وقال عنه المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي بالأمم المتحدة إنه" يدمر المجتمع المدني ليس فقط على المدى القصير وإنما لأجيال قادمة، ويعصف بأسس المشاركة المدنية المجتمعية السلمية". هذا فضلًا عن ما أكده رئيس الاتحاد الإقليمي للجمعيات الأهلية بالقاهرة من أن القانون سيؤدي" لخراب العمل الأهلي والمجتمع المدني".
إن توقيت تعديل قانون الجمعيات الأهلية في مصر ما قبل التعديلات الدستورية، يطرح العديد من علامات الاستفهام، ويخلق الكثير من الشك حول مصداقية الحكومة المصرية
وعلى الرغم من الحديث المطول بين الجمعيات المدنية المعنية بهذه التعديلات القانونية، والأخذ والرد بينها، والاعتراضات والبيانات التي سيقت للسلطات فيما يتعلق بهذا القانون تحديدًا فإن توقيت إلغائه يطرح الكثير من علامات الاستفهام، ويخلق الكثير من الشك حول مصداقية الحكومة المصرية في تعجيل هذه القوانين "سيئة السمعة" التي تضيف إلى الواقع المصري المزيد من البؤس الذي لا يحتاجه.
اقرأ/ي أيضًا: