هذه المادة مترجمة، وقد نشر النص الأصلي في النيويورك تايمز بعنوان "سلطة إيلون ماسك التي لا تضاهى في السماء".
في 17 آذار/ مارس تحدث كل من الجنرال مارك إيه مايلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأمريكي، والجنرال فاليري زالوجني، قائد القوات المسلحة الأوكرانية، في مكالمة هاتفية لمناقشة الغزو الروسي لأوكرانيا. وفي مكالمتهما على الخط الآمن، تحدث القائدان عن أنظمة الدفاع الجوي، وتقييمات الأوضاع على أرض المعركة، وتشاركا معلومات استخبارية عن خسائر الجيش الروسي. لكنهما تحدثا كذلك عن إيلون ماسك.
الجنرال زالوجني طرح موضوع ستارلنك، وهي تقنية الإنترنت المعتمدة على الأقمار الاصطناعية والتي أنتجتها شركة تصنيع الصواريخ المملوكة لماسك، سبيس إكس، وفقًا لثلاثة أشخاص مطلعين على المحادثة.
قال الجنرال زالوجني إن قرارات أوكرانيا المتعلقة بالوقائع على أرض المعركة تعتمد على الاستخدام المستمر لستارلنك في الاتصالات، وإن بلاده تريد ضمان الوصول إلى هذه التقنية وتريد أن تناقش كيفية تغطية تكاليف الحصول عليها.
وتساءل زالوجني أيضًا عما إذا كانت الولايات المتحدة لديها أي تقييم لماسك الذي يمتلك مصالح تجارية هائلة وتداخلات غامضة في السياسة، وهو السؤال الذي لم يجب عليه المسؤولون الأمريكيون.
ماسك الذي يرأس كلًا من سبيس إكس وتيسلا وتويتر أصبح اللاعب الأهم في مجال الفضاء، فقد ضاعف سلطته تدريجيًا في مجال الإنترنت المعتمد على الأقمار الاصطناعية، والذي يعد مهمًا من الناحية الإستراتيجية.
ماسك الذي يرأس كلًا من سبيس إكس وتيسلا وتويتر أصبح اللاعب الأهم في مجال الفضاء، فقد ضاعف سلطته تدريجيًا في مجال الإنترنت المعتمد على الأقمار الاصطناعية، والذي يعد مهمًا من الناحية الإستراتيجية.
لكن ضعف التشريعات والرقابة التي يمكن أن تضبط سلطته، بالإضافة إلى أسلوبه العشوائي والفرداني، كل ذلك زاد من المخاوف لدى القادة العسكريين والسياسيين حول العالم، خاصة وأنه وفي عدة مناسبات بات يلوح باستخدام سلطته بطرق غير متوقعة.
منذ عام 2019 بدأ ماسك بإرسال مركبات سبيس إكس إلى الفضاء بشكل أسبوعي تقريبًا لإرسال عشرات الأقمار الاصطناعية التي يبلغ حجم الواحد منها حجم كنبة، إلى مدار حول الأرض. وهذه الأقمار الاصطناعية مرتبطة مع محطات أرضية من أجل أن تكون قادرة أخيرًا على رفد كل بقعة من بقاع الأرض بإنترنت عالي السرعة.
واليوم ينتشر أكثر من 4500 قمر اصطناعي تابع لستارلنك في الفضاء، لتشكل أكثر من 50% من كافة الأقمار الاصطناعية النشطة، وقد بدأت أقمار ماسك الاصطناعية بالفعل بتغيير وجه السماء حتى قبل تحقيق ماسك لهدفه بامتلاك 42,000 قمر اصطناعي في المدار خلال السنوات المقبلة.
غير أن قوة هذه التكنولوجيا التي ساهمت في زيادة قيمة سبيس إكس إلى ما يقارب 140 مليار دولار، لا زالت تتكشف. فستارلنك غالبًا ما تكون الطريقة الوحيدة للحصول على الإنترنت في مناطق الحروب والمناطق النائية وتلك التي تضربها كوارث طبيعية. وهي تستخدم من قبل أوكرانيا من أجل تنسيق ضرباتها التي تنفذ بالمسيرات والتجمعات الاستخباراتية. وقد حاول ناشطون في إيران وتركيا استخدام هذه الخدمة وسيلة احتياطية في نشاطهم ضد السلطات، كما أن وزارة الدفاع الأمريكية تعد واحدة من أكبر العملاء لدى ستارلنك، في حين لا زالت جيوش أخرى من بينها الجيش الياباني تجرب التقنية.
لكن سيطرة ماسك الكاملة تقريبًا على الإنترنت المعتمد على الأقمار الاصطناعية أثارت مخاوف عديدة، إذ إن ماسك ذو الـ 52 عامًا والذي يُستفز سريعًا تبدو توجهاته وتحالفاته غامضة، وفي الوقت الذي يُمدح بصفته مبتكرًا عبقريًا، فإنه وحده يمكن أن يقرر في لحظة ما منع عميل أو دولة ما من الحصول على خدمات إنترنت ستارلنك، كما أن له القدرة على استغلال معلومات حساسة تجمعها أقماره الاصطناعية. وقد ازدادت مثل هذه المخاوف لأنه لا توجد أي شركة أو حكومة تمكنت من مجاراة أو حتى الاقتراب مما أنشأه ماسك.
أما في أوكرانيا فقد تحققت مخاوف البعض، إذ منع ماسك الدخول إلى ستارلنك عدة مرات خلال الحرب، وفقًا لأشخاص مطلعين. ففي إحدى المرات منع طلبًا من الجيش الأوكراني لتشغيل ستارلنك بالقرب من شبه جزيرة القرم التي يسيطر عليها الروس، الأمر الذي أثر على استراتيجية المعركة. وفي العام الماضي طرح "خطة سلام" لإنهاء الحرب كانت تتماشى مع المصالح الروسية.
في ذلك الوقت، كان ماسك يتباهى علنًا بقدرات ستارلنك، ففي إحدى تغريداته في نيسان/ إبريل كتب: "من بين تسلا وستارلنك وتويتر، ربما تتوفر لدي بيانات اقتصادية عالمية آنية أكثر من أي شخص آخر."
ولم يرد ماسك على طلبات للتعليق على ذلك، كما لم تعلق سبيس إكس أيضًا.
من ناحيتهم، توجه مسؤولون أوكرانيون إلى مزودين آخرين للإنترنت الذي يعمل بالأقمار الاصطناعية خشية من الاعتماد الزائد على تقنيات ماسك، وذلك رغم معرفتهم بأنه ما من مزود آخر يمكن أن ينافس مدى قدرة ستارلنك على الوصول.
يقول وزير الشؤون الرقمية الأوكراني، ميخايلو فيدروف، في إحدى المقابلات "إن ستارلنك الآن هي بحق الدم الذي يغذي بنيتنا التحتية كلها الخاصة بالاتصالات."
يشار إلى أن تسع دول أخرى على الأقل، بعضها تقع في أوروبا والبعض الآخر في الشرق الأوسط، طرحت موضوع ستارلنك للنقاش مع مسؤولين أمريكيين خلال الشهور الـ 18 الماضية، وقد شكك البعض بمدى تحكم ماسك بهذه التكنولوجيا، كما ذكر مسؤولون استخباراتيون أمريكيون. لكن دولًا قليلة فقط هي التي ستفصح عن مخاوفها بالعلن، خشية من أن يتم إقصاؤهم من قبل ماسك، كما يذكر مسؤولون من المخابرات وآخرون مختصون بالأمن السبراني.
أما المسؤولون الأمريكيون فلم يتحدثوا عن ستارلنك في العلن إلا قليلًا، وذلك أنهم يوازنون بين أولوياتهم الداخلية والجيوسياسية المرتبطة بماسك الذي انتقد الرئيس الأمريكي جو بايدن لكنه في الوقت ذاته يمتلك تكنولوجيا لا يمكن تجاهلها.
فالحكومة الفدرالية تعد واحدة من أكبر عملاء سبيس إكس، وهي تستخدم مركباتها الفضائية في مهمات ناسا وفي إطلاق أقمار اصطناعية عسكرية مخصصة للمراقبة. وقد حاول مسؤولون كبار في البنتاغون التوسط في قضايا تتعلق بستارلنك، وبالذات الوضع في أوكرانيا، وذلك وفقًا لمصدر مطلع.
كما أكدت وزارة الدفاع الأمريكية الأنباء عن عقودها مع ستارلنك، لكنها امتنعت عن ذكر المزيد من التفاصيل معللة ذلك بـ "الطبيعة الحساسة لهذه الأنظمة".
وهناك حكومات أخرى تشعر بالقلق، فتايوان التي لديها بنية إنترنت تحتية قد تكون ضعيفة أمام أي غزو صيني، مترددة حيال استخدام ستارلك بسبب ارتباط أعمال ماسك بالصين، كما ذكر مسؤولون تايوانيون وأمريكيون.
وفي الوقت نفسه، نجد أن لدى الصين أيضًا مخاوفها الخاصة، فماسك قال العام الماضي إن بيجين حاولت الحصول على ضمانات بأنه لن يشغل ستارلنك داخل البلاد، حيث تسيطر الدولة على الإنترنت وتراقبه. وفي عام 2020 اتفقت الصين مع جهة دولية على إطلاق 13,000 قمر اصطناعي خاص بالإنترنت مخصص لها.
أما الاتحاد الأوروبي فقد دفعته هواجسه المتعلقة بستارلنك وماسك لتخصيص 2.4 مليار يورو (2.6 مليار دولار) العام الماضي لإنشاء مجموعة من الأقمار الاصطناعية المخصصة للاستخدام المدني والعسكري.
يقول ديميتري ألبيروفيتش، الخبير في الأمن السبراني والذي شارك في تأسيس مجموعة سيلفيرادو بوليسي أكسيليريتور البحثية ونصح حكومات عديدة باستخدام الإنترنت المعتمد على الأقمار الاصطناعية، "إن هذه ليست شركة واحدة فقط، بل هو أيضًا شخص واحد، وأنت أسير تمامًا لأهوائه ورغباته."
الطريق إلى الفضاء
السير مارتن سويتنغ، وهو مهندس بريطاني أسس شركة سراي ساتلايت تيكنولوجي المتخصصة بتصميم الأقمار الاصطناعية وتصنيعها، شجعه أحد زملاء المهنة عام 2001 على مقابلة "فتى يريد أن يضع بيوتًا زجاجية على المريخ"، وقد اتضح أن هذا الفتى هو ماسك.
وبالفعل، تقابل سويتنغ وماسك بعد ذلك بفترة وجيزة وتناولا وجبة الإفطار في مؤتمر عن الفضاء في كولورادو، حيث انتقد رائد الأعمال المتخصص بالتكنولوجيا، ناسا وتحدث عن بناء أسطول فضائي خاص.
سويتنغ، الذي تلقت شركته لاحقًا عرضًا للاستثمار من ماسك ووضعته على رأس مجلس الإدارة قبل أن تباع الشركة لإيرباص عام 2009، يصف ماسك فيقول: "لقد كان بالغ التركيز."
ويضيف أن ماسك كان مهتمًا أيضًا بأحد حقول البحث الحديثة والتي بناء عليها توضع أقمار اصطناعية صغيرة في الفضاء على بعد مئات الأميال فوق سطح البحر في منطقة تعرف باسم "المدار الأرضي المنخفض".
كان عملهما معًا أحد أول الأمثلة على تركيز ماسك على التكنولوجيا التي كان لها أن تساعد على وضع الأسس الأولى لستارلنك. فالأقمار الاصطناعية التي كانت تنتج في الستينيات كانت كبيرة في العادة وغالبًا ما كانت بحجم حافلة مدرسية كما كانت تتموضع في أماكن عالية في الفضاء فيما يعرف باسم "المدار الأرضي التزامني"، وهو ما كان يحد من قدراتها في التواصل. أما الأقمار الاصطناعية الأصغر حجمًا فيمكن أن توضع في مدارات أقل ارتفاعًا، وهو ما يتيح لها المجال للاتصال بالمحطات الأرضية ومن ثم تطلق خدمات الإنترنت لمناطق نائية.
والكثير من الأقمار الاصطناعية الصغيرة تعد بالغة الأهمية هنا، إذ إنه في الوقت الذي يتحرك فيه قمر اصطناعي فوق محطة ستارلنك الأرضية، فإنه يرسل إشارة الإنترنت لقمر اصطناعي آخر خلفه للحفاظ على تدفق إشارة واحدة وغير متقطعة من الإنترنت للمستخدمين على الأرض.
أطلق ماسك أولى أقماره الاصطناعية لمشروع ستارلنك عام 2019، وفي حينها كان ينظر إلى الإنترنت المعتمد على الأقمار الاصطناعية على أنه الشغل الشاغل للحمقى. ففي التسعينيات ومطلع الألفية الثانية حاولت شركات أخرى إطلاق أقمار اصطناعية مخصصة للاتصال إلى المدار الأرضي المنخفض لكنها لم تحقق نجاحًا كبيرًا بسبب ارتفاع التكاليف والتعقيدات التقنية لإرسالها إلى الفضاء.
لكن ماسك كانت لديه ميزة إضافية، إذ إن مركبات سبيس إكس الفضائية كانت تعود إلى الأرض بعد رحلتها إلى الفضاء وكان يمكن إعادة استخدامها، وهو ما سلمه بحق زمام قيادة ما كان بمثابة قطار سريع يوصل الأقمار الاصطناعية إلى الفضاء، بل إنه في بعض الأحيان كان يرسل العشرات منها.
أما الآن، فتقلع في كل أسبوع تقريبًا مركبة فضائية تابعة لسبيس إكس حاملة معها أقمار ستارلنك الاصطناعية من أحد المواقع في كاليفورنيا أو فلوريدا، وكل قمر اصطناعي مصمم للعمل لحوالي ثلاثة أعوام ونصف العام. وهنالك الكثير من الأقمار الاصطناعية في المدار لدرجة تجعل البعض يخلطون بينها وبين الشهب، إذ يسجل علماء الفضاء كيف أن هذه الأدوات تداخلت مع تلسكوبات مخصصة للبحوث وحذروا من خطر اصطدامها.
يقول باترك سابتزر، وهو عالم فضاء في جامعة ميتشغان متخصص بالحطام المداري، "إن السماء في الليل تعد واحدة من أجل المشاهد التي تعرضها الطبيعة، لكن البشر باتوا يغيرونها تغييرات دائمة."
تقدم ستارلنك سرعات تنزيل للإنترنت عادة ما تصل إلى 100 ميغابايت في الثانية بالمقارنة مع خدمات إنترنت أخرى أرضية. كما تكلف خدمات سبيس إكس العميل الواحد حوالي 600 دولار لكل محطة تستقبل الاتصال من الفضاء، بالإضافة إلى رسوم الخدمة الشهرية التي تبلغ قيمتها حوالي 75 دولارًا، كما تزداد التكاليف بالنسبة للشركات والحكومات، ويشير خبراء إلى أن الشركة تعرف مكان كل محطة لستارلنك وحركتها وارتفاعها.
الخدمة التي انطلقت للمرة الأولى عام 2021 في عدة دول، تتوفر اليوم في أكثر من 50 دولة ومنطقة من بينها الولايات المتحدة واليابان ومعظم أوروبا وأجزاء من أمريكا اللاتينية. أما في إفريقيا، حيث تتخلف خدمات الإنترنت عنها بالمقارنة مع باقي العالم، فتتوفر ستارلنك في كل من نيجيريا وموزنبيق ورواندا، كما ستتبعها أكثر من عشرة دول إفريقية أخرى مع نهاية عام 2024، وفقًا لموقع ستارلنك.
قال ماسك خلال مقابلة له مع بودكاست جو ريغان عام 2020 إن "كل مكان على سطح الأرض ستتوفر فيه نطاقات ترددية عالية وإنترنت ذو زمن وصول سريع."
الجيوش وشركات الاتصالات والخطوط الجوية والبحرية توجهت جميعها لستارلنك، التي قالت من ناحيتها إن لديها أكثر من 1.5 مليون مشترك. أما المنافسون فقد واجهوا أوقاتًا صعبة رغم تزايد المنافسة، فشركة ون ويب البريطانية مثلًا عانت كثيرًا من مشاكل مالية لدرجة دفعت الحكومة البريطانية إلى كفالتها، لتباع بعد ذلك لمجموعة من المستثمرين. وأمازون التي أسسها جيف بيزوس الذي يمتلك شركة الصواريخ بلو أوريجن، تخطط لإنشاء شركة تنافس ستارلنك وقد أطلقت عليها اسم بروجكت كويبر، لكنها لم ترسل أي قمر اصطناعي إلى الفضاء بعد.
التسلسل الزمني على أرض المعركة
لم يمر أي حدث يدلل على مدى قوة ستارلنك وتأثير ماسك أكثر من الحرب في أوكرانيا. إذ تستخدم الآن أكثر من 42,000 محطة ستارلنك في أوكرانيا من قبل الجيش والمستشفيات والشركات والمنظمات الإغاثية. وأثناء القصف الروسي المكثف العام الماضي والذي نتجت عنه انقطاعات واسعة، توجهت الوكالات الحكومية الأوكرانية إلى ستارلنك لضمان الحفاظ على الاتصال بشبكة الإنترنت.
يقول أحد مساعدي القادة الأوكرانيين والذي يطلق عليه اسم زاب، أو توث، ويتحدث بشرط الحفاظ على سرية هويته لأسباب أمنية إنه "من دون ستارلنك لن نتمكن من الطيران ولن نتمكن من إجراء الاتصالات."
دخلت ستارلنك إلى أوكرانيا في شباط/ فبراير 2022، عندما غزت روسيا البلاد ووقع هجوم سبراني، اتهمت روسيا لاحقًا بالمسؤولية عنه، وتسبب في تدمير نظام الأقمار الاصطناعية التي تديره شركة الاتصالات عالية السرعة "فياسات" والتي كان يستخدمها الجيش الأوكراني. ومع قطع الإنترنت عن الجيش وقادته، نشر وزير الشؤون الرقمية مناشدة إلى ماسك للمساعدة.
وفي غضون ساعات تواصل ماسك مع فيدروف ليخبره أنه تم تشغيل ستارلنك في أوكرانيا، وبعد أيام قليلة وصلت محطات ستارلنك.
التكنولوجيا التي تتواجد في الغابات والحقول والقرى وحتى في أعلى الآليات العسكرية، وفرت للجيش الأوكراني ميزة إضافية على القوات الروسية، فقد مكنت فرق المدفعية والقادة والطيارين من مشاهدة لقطات للمسيرات وهي تعمل بنفس الوقت الذي يتبادلون فيه أطراف الحديث، كما قُلِّص وقت الرد بما يتضمنه من إيجاد للهدف وضربه، إلى حوالي دقيقة واحدة بعد أن كان يقدر بـ 20 دقيقة، وفقًا لبعض الجنود.
يقول فيدروف إن "العدد الكبير من الأرواح التي أنقذتها ستارلنك يمكن أن يقدر بالآلاف، وهذا أحد أسباب نجاحنا الأساسية."
لكن المخاوف ما بين المسؤولين الأوكرانيين والأوروبيين حيال تحكم ماسك بالتكنولوجيا ازدادت حتى بلغت ذروتها الخريف الماضي، وذلك عندما صرح مرارًا عن الحرب، وهو ما أثار الشكوك حول مدى التزامه بتوفير خدمات ستارلنك في أوكرانيا.
وفي أيلول/ سبتمبر خلال مناسبة خاصة مرتبطة بالشؤون العالمية والتجارية في أسبن في كولورادو، والتي كانت قد حضرتها رئيسة مجلس النواب حينها، نانسي بيلوسي، بالإضافة إلى آخرين، اقترح ماسك خطة سلام لأوكرانيا تضمنت ضم روسيا لأراضٍ أوكرانية، وقد أثار المقترح غضب الحضور.
في تلك الفترة تقريبًا رشحت تساؤلات عن الطرف الذي سيدفع تكاليف خدمات ستارلنك في أوكرانيا، إذ غطت ستارلنك في البداية بعض التكاليف كما قدمت الولايات المتحدة وحلفاء آخرون بعض الدعم.
وفي ذلك الشهر أبلغت سبيس إكس وزارة الدفاع الأمريكية أنها لن تتمكن من الاستمرار في الاتفاق وطلبت من البنتاغون تحمل تكلفة الخدمات، إذ قدرت الشركة هذه التكاليف بحوالي 400 مليون دولار طوال 12 شهرًا، وفقًا لرسالة من سبيس إكس نشرت عنها سي إن إن وتحققت النيويورك تايمز منها.
عندها طلبت إدارة بايدن من أحد كبار المسؤولين في البنتاغون، وهو كولين إتش كال، التوسط، ليتحدث مع ماسك في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، إذ عبر الأخير عن خوفه من أن تستخدم أوكرانيا ستارلنك لا من أجل الدفاع عن نفسها فقط، بل من أجل شن عمليات عدائية لاستعادة أراضٍ سيطرت روسيا عليها، الأمر الذي قد تترتب عليه خسائر كبيرة في الجيش الروسي، وذلك وفقًا لمسؤول سابق في الإدارة الأمريكية. لكن كال أخبر ماسك أن أشخاصًا أكثر سيعانون في أوكرانيا إن أغلقت خدمات ستارلنك.
لكن ماسك مع ذلك منع الوصول إلى بعض محطات ستارلنك في أوكرانيا، وفي العام الماضي توقفت عن العمل 1300 محطة ستارلنك في البلاد كان أحد الموردين البريطانيين قد اشتراها، وذلك بعد أن لم تتمكن الحكومة الأوكرانية من دفع الرسوم الشهرية لكل محطة والبالغة 2500 دولار، وفقًا لمصدرين مطلعين.
كما تأثرت القدرة على الوصول إلى خدمات ستارلنك بسير المعارك، إذ سيطرت روسيا على المزيد من الأراضي وأصبحت أوكرانيا تقاتل من أجل استردادها. ومع تغير خطوط المعارك، بدأ ماسك باستخدام عملية تدعى التسييج الجغرافي، وذلك بهدف تحديد الأماكن التي تتوفر فيها خدمات ستارلنك على جبهات القتال، إذ تستخدم سبيس إكس معلومات حول المواقع جمعتها من خلال الخدمات التي تقدمها بهدف فرض التسييج الجغرافي.
كل ذلك تسبب بمشاكل، فعندما حاولت القوات الأوكرانية استعادة بعض المدن مثل خيرسون من سيطرة الروس في الخريف الماضي، كانت بحاجة شبكة الإنترنت، فتواصل فيدروف وأعضاء في القوات المسلحة الأوكرانية مع ماسك وموظفين في سبيس إكس وطلبوا استعادة الخدمات في المناطق التي كان الجيش الأوكراني يتقدم فيها، وقد قال فيدروف إن رد سبيس إكس "كان سريعًا."
لماسك خطوط حمراء أخرى أيضًا، فقد رفض العام الماضي طلبًا أوكرانيًا لتوفير خدمات ستارلنك بالقرب من شبه جزيرة القرم التي يسيطر عليها الروس، وكان الغرض منها هو استخدامها لإرسال مسيرات بحرية مفخخة إلى سفن روسية راسية في البحر الأسود، وفقًا لمصدرين مطلعين. بعد ذلك قال ماسك إن ستارلنك لا يمكن استخدامها في ضربات المسيرات طويلة الأمد.
ثم حاول مسؤولون أمريكيون الضغط على ماسك، ففي حزيران/ يونيو وافق وزير الدفاع لويد أوستن على صفقة للبنتاغون لشراء 400 إلى 500 من محطات ستارلنك وخدماتها، وكان من شأن الصفقة أن تمنح البنتاغون القدرة على التحكم في الأماكن التي تعمل فيها إشارة الإنترنت الخاصة بستارلنك داخل أوكرانيا والمخصصة لأجهزة جديدة تستخدم في تنفيذ "إمكانيات أساسية ومهمات محددة"، وفقًا لمصدرين مطلعين. وقد بدا أن هذا كان بهدف تزويد أوكرانيا بمحطات وخدمات مخصصة لتنفيذ مهمات حساسة من دون الخشية من انقطاع الإنترنت.
وعلى خلاف المتعاقدين العسكريين التقليديين الذين عادة ما تنجز صفقات الأسلحة بينهم وبين دول أجنبية عبر الحكومة الفدرالية، فإن ستارلنك منتج تجاري، وهو ما يتيح الفرصة لماسك للتصرف أحيانًا بطرق لا تتماشى مع المصالح الأمريكية، كما كان الأمر عندما قالت سبيس إكس إنها لن تتمكن من مواصلة تمويل ستارلنك في أوكرانيا، كما يقول غريغوري سي ألين، المسؤول السابق في وزارة الدفاع والذي كان يعمل في بلو أوريجن وهو يعمل الآن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
يقول ألين "إنه بالتأكيد قد مر وقت طويل منذ أن رأينا شركة وشخصًا كهذا، يعارض السياسات الخارجية للولايات المتحدة صراحة خلال حرب ما."
تصرفات ماسك تسببت بإحداث انقسام بين المسؤولين الأوكرانيين، إذ كتب ميخائيلو بودولياك، أحد مستشاري الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي، على موقع تويتر في شباط/ فبراير الماضي، إن على سبيس إكس أن تختار طرفًا واحدًا.
لكن فيدروف قال إن التشكيك بمدى التزام ماسك غير منصف، فعندما كانت أوكرانيا تحت قصف كثيف وكانت تعاني من انقطاعات واسعة بالكهرباء في تشرين الثاني/ نوفبمر، ساعد ماسك في تسريع إيصال حوالي 10.000 محطة ستارلنك، وفقًا لفيدروف.
ويضيف قائلًا: "لقد أظهر كل من سبيس إكس وإيلون ماسك من خلال أفعالهما إلى أي الطرفين ينتميان."
على خلاف المتعاقدين العسكريين التقليديين الذين عادة ما تنجز صفقات الأسلحة بينهم وبين دول أجنبية عبر الحكومة الفدرالية، فإن ستارلنك منتج تجاري، وهو ما يتيح الفرصة لماسك للتصرف أحيانًا بطرق لا تتماشى مع المصالح الأمريكية.
من تايوان إلى أوروبا
في شباط/ فبراير، دمرت سفن شحن صينية كابلي إنترنت بحريين يصلان بين الجزيرة الرئيسية لتايوان وجزر ماتسو البعيدة، وقد تسبب الحادث في انقطاع الإنترنت في ماتسو، الأمر الذي زاد المخاوف من هشاشة البنية التحتية التايوانية للاتصالات.
تايوان التي أعلنتها الصين خاضعة لسيطرتها، تبدو مكانًا مثاليًا لطرح فكرة الاستفادة من ستارلنك. لكن تايوان كانت مترددة حيال ذلك، وقد انتشرت مخاوفها في أماكن أخرى، إذ باتت الحكومات توازن بين الاستفادة من قوة الإنترنت المعتمد على الأقمار الاصطناعية والمخاطر المترتبة على العمل مع ماسك.
المسؤولون التايوانيون تحدثوا مع سبيس إكس عن ستارلنك، وذلك وفقًا لجيسون شو، النائب التايواني السابق والذي كان يقدم الاستشارات للحكومة حول البنية التحتية الرقمية وهو الآن يعمل باحثًا رئيسيًا في كلية كينيدي في جامعة هارفارد في تايبيه. لكن المحادثات أخذت بالتباطؤ بسبب "مخاوف هائلة" تتعلق بماسك، الذي ترتبط مصالحه المالية بالصين، وفقًا لشو. إذ إنه مع تصنيع حوالي 50% من سيارات تسلا الجديدة في شنغهاي، لم تعد تايوان تثق بماسك ليزودها بخدمات ستارلنك خشية من ممارسة بيجين لضغوطات يمكن أن تتسبب بقطع هذه الخدمات.
يقول شو: "نحن قلقون من أننا إن طلبنا الخدمات من ستارلنك فسنقع في الفخ، إذ إن لإيلون مصالح تجارية هائلة في الصين."
وعندما زار وفد من الكونغرس تايوان في نيسان/ إبريل، سأل النائب الجمهوري عن تكساس ورئيس لجنة الشؤون الخارجية، ميتشل ماك كول، الرئيسة التايوانية تساي إنغ ون خلال مأدبة عشاء عن احتمالية استخدام ستارلنك، وفقًا لأعضاء في اللجنة كانوا مشاركين في الرحلة، لكن تساي لم تبدِ أي التزام. ثم استنتج مساعدون في الكونغرس بعد ذلك بفترة وجيزة أن ستارلنك لم تمثل خيارًا مجديًا لتايوان بسبب علاقات ماسك مع الصين، وفقًا لأعضاء اللجنة.
وزيرة الشؤون الرقمية التايوانية، أودري تانغ، قالت إن بلادها عقدت اتفاقية مع ون ويب في حزيران/ يونيو لكنها لم تحدد مع أي مزودي خدمات الأقمار الاصطناعية ستعمل، "فنحن نود تجربة أكبر قدر من مجموعات الأقمار الاصطناعية"، على حد قولها.
تأثير ماسك كان أيضًا موضوع النقاش في مكان آخر، ففي الاتحاد الأوروبي ساهمت المخاوف حول سيطرة ستارلنك في التأثير على 27 دولة قررت العام الماضي مجتمعة رصد 2.4 مليار يورو لصالح مجموعة أقمار اصطناعية "مستقلة" سيجري إطلاقها عام 2027.
المفوض الأوروبي المعني بالإشراف على المشروع، تيري بريتون، قال إن "الفضاء غدا مجالًا تكثر المنافسة فيه ويجب على الاتحاد الأوروبي أن يحمي مصالحه فيه. ولا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يعتمد في ذلك على الآخرين."
من أجل تلبية ما تطلبه الحكومات، قدمت سبيس إكس العام الماضي خدمة مرتبطة بستارلنك وأطلقت عليها اسم "ستارشيلد"، إذ كانت توفر حماية أكبر لدى التعامل مع المواد السرية ومعالجة البيانات الحساسة.
كما واجهت ستارلنك انتقادات من حكومات أخرى، فعندما اندلعت الاحتجاجات المعارضة للحكومة في إيران العام الماضي، سارع ماسك إلى تقديم خدمات ستارلنك في البلاد لمساعدة النشطاء على دخول شبكة الإنترنت، وهو ما دفع الحكومة الإيرانية إلى اتهام سبيس إكس بانتهاك سيادتها.
كما قدمت الصين هذا العام شكوى للجنة تابعة للأمم المتحدة بأن سبيس إكس كانت تنشر عددًا كبيرًا من الأقمار الاصطناعية في المدار لدرجة أنها كانت تمنع الآخرين من الوصول إلى الفضاء. وفي شباط/ فبراير، رفضت تركيا عرضًا قدمه ماسك بتوفير ستارلنك في البلاد بعد الزلزال المدمر، وهو ما رأته مجموعات مدنية معارضة على أنه محاولة لمنع انتشار الأخبار التي تنشرها المعارضة على شبكة الإنترنت.
يقول شريف القاضي، محلل السياسات المهتم بالشؤون التركية في منظمة آكسس ناو للحقوق الرقمية، إن "الحكومة كانت تخشى من أن ستارلنك ليس تحت سيطرتها، وأنه قد يشكل تهديدًا."
لعل هيمنة ماسك على الفضاء لن تجارى قريبًا، ففي أيار/ مايو استعدت أمازون لإطلاق أول قمرين اصطناعيين إلى المدار لكن عملية الإطلاق تأجلت بسبب مشاكل رصدت أثناء التجارب على الصاروخ. ومنذ ذلك الحين، أطلق ماسك ما لا يقل عن 595 قمر ستارلنك اصطناعي إضافي إلى الفضاء.