بعد أسابيع من إخراج جيش الاحتلال الإسرائيلي المنظومة الصحية قسريًا عن العمل، تحيط تخوفات كبيرة بمستقبل النساء الفلسطينيات الحوامل وأجنتهن في محافظة شمال قطاع غزة، والتي تتعرض لإبادة وتطهير عرقي منذ ما يقارب الشهر، بحسب تقرير أعدته وكالة "الأناضول" التركية.
وخلّفت حملة الإبادة الجماعية التي بدأها جيش الاحتلال في شمال القطاع منذ الخامس من تشرين الأول/أكتوبر 2024 نحو ألف شهيد ومئات الجرحى والمعتقلين، بالإضافة إلى تدمير أحياء سكنية كاملة، وتهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين جنوبًا، فضلًا عن إخراج المنظومتين الصحية والإغاثية عن الخدمة بالكامل، وتعطيل آبار المياه والمرافق الحيوية.
تعب وآلام وشعور بالخطر
الشابة ياسمين المصري، النازحة في مشروع بيت لاهيا، واحدة من النساء اللواتي يشعرن بقلق على صحة أجنتهن، في ظل غياب المتابعة الصحية الدورية خاصة، وذلك بالتزامن مع حالة التجويع والتعطيش التي فرضها حصار جيش الاحتلال المتواصل، الأمر الذي يضاعف من المخاطر المحتملة.
تحيط تخوفات كبيرة بمستقبل النساء الفلسطينيات الحوامل وأجنتهن في محافظة شمال قطاع غزة التي تتعرض لإبادة وتطهير عرقي منذ 29 يومًا
وقبل العملية العسكرية الإسرائيلية التي بدأت في محافظة الشمال، كانت المصري تتابع حالتها الصحية ووضع الجنين من خلال زيارات دورية للأطباء في مستشفى "العودة"، وكذلك مركز صحي قريب من مكان سكنها، وتتكثف هذه الزيارات بالتزامن مع وضع الحمل غير المستقر، والذي يمر بشهره السادس، وفق ما أبلغها به الأطباء، الذين أكدوا منذ الشهر الأول أهمية المتابعة الدائمة لضمان نمو الجنين بشكل صحيح دون مضاعفات على صحة أحد منهما، وفق حديثها للوكالة التركية.
وتضيف الشابة الفلسطينية أن غياب المتابعة طوال هذه المدة سبب لها "تعبًا وآلامًا كثيرة، وسط شعور بالخطر الحقيقي على حياتي وحياة الجنين"، وأضافت: "لا أعرف إلى أين أذهب لتلقي الاستشارة الطبية والعلاج في ظل الوضع الأمني الخطير"، وتشير المصري إلى أن "التحرك بمنطقة نزوحي خطيرة جدًا في ظل استهداف الطائرات الإسرائيلية المسيّرة بالنيران والقذائف أي جسم يتحرك في الشارع"، معربة عن مخاوفها من "استمرار العملية العسكرية لأكثر من هذا الحد، مما سيضاعف من حجم الخطر عليّ وعلى مئات الحوامل اللواتي ما زلن محاصرات في الشمال".
رحلة "حمل" قاسية
تجربة مماثلة تعيشها الفلسطينية أماني فدعوس من بلدة بيت لاهيا، حيث تقول لـ"الأناضول" إنهم حاولوا منذ بداية العملية العسكرية الخروج من "المنزل والنزوح إلى مدينة غزة للنجاة بأرواحنا وروح الجنين، لكن الطرق كانت مغلقة".
وأضافت السيدة الفلسطينية أن زوجها أيضًا رفض خروجهم عبر "نقطة التفتيش الإسرائيلية خوفًا عليّ وعلى حملي من اعتداء الجنود الإسرائيليين لأن حالتي خاصة، والأطباء حذروني كثيرًا من المشي مسافات طويلة أو التعرض لأي شيء مؤذٍ". وعلى هذا الأساس قررت العائلة المكوث في "محافظة الشمال مع آلاف الأهالي"، لكن فدعوس تصف هذه التجربة بـ"القاسية جدًا بسبب حملي لاحتياجي للعناية والرعاية، خاصة مع اقتراب موعد الولادة الذي تم تحديده في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الجاري"، وفق قولها.
📊 الاحتلال الإسرائيلي استهدف 39 مركزًا لإيواء الفلسطينيين في #غزة خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر وحده، بحسب المرصد الأورومتوسطي. pic.twitter.com/mWBaIyDRdV
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) November 1, 2024
وتعرب فدعوس عن تخوفاتها من مجيء موعد ولادتها وسط استمرار العملية العسكرية وعدم تمكنها من الولادة في المستشفى بشكل طبيعي، وتقول للوكالة التركية إن مولودها الذي ينتظرونه له "مكانة خاصة لدى العائلة كونه يأتي بعد 10 سنوات من الانقطاع". وعن تجربة الحمل خلال الإبادة، تصف فدعوس هذه التجربة بالقول: "كل شيء مختلف ولا تتوفر أي مقومات صحية أو رعاية أولية، إنها رحلة قاسية ممتلئة بالعقبات والوصول إلى الولادة السليمة أمرًا ليس هينًا أبدًا للواتي يعشن في الشمال".
مضاعفات التجويع والتعطيش
تتسبب حالتا التجويع والتعطيش اللتين فرضهما حصار جيش الاحتلال على محافظة الشمال بالتزامن مع بدء العملية العسكرية، بمضاعفات صحية على الحوامل خاصة اللواتي يعانين مخاطر صحية بداية حملهن، وانقطعن عن الرعاية الصحية وتلقي العلاجات.
تقول المصري عن ذلك: "منذ بدء الحصار لا نتلقى أي طعام صحي أو شراب، كثيرًا ما أقضى وقتي جائعة لا أجد ما يسد رمقي، وأحيانًا أشعر بقرب فقدان الوعي بسبب ذلك الأمر"، مشيرة إلى أنهم يعتاشون حاليًا "على ما تبقى لدينا من معلبات وبقوليات وهي أطعمة تحتوي على مواد حافظة بكثرة، ما يلقي بظلاله السلبية على صحتي وذلك لأضرارها الكثيرة".
وتشاركها التجربة فدعوس قائلة إنها اعتادت في شهور حملها الفائتة "على تناول الأطعمة الطازجة من خضار وفواكه ولحوم وألبان، لكن التجربة هذه المرة مختلفة كثيرًا وقاسية بسبب نقص الغذاء والمياه". ومنذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية، أشارت فدعوس إلى أنها تأكل "الخبز فقط في معظم الأيام دون توفر أي نوع آخر من الغذاء"، لافتة إلى "نفاد ما توفر لديهم من مخزون في أيام الحصار الأولى كما أننا لم نتسلم أي مساعدات منذ ذلك الحين".
4 آلاف سيدة حامل
وحذر صندوق الأمم المتحدة للسكان، الخميس الماضي، من تصاعد أزمة الصحة الإنجابية في شمال قطاع غزة. وقال في بيان: "الهجمات على المستشفيات بما فيها مستشفى كمال عدوان (الجهة الرئيسية لتقديم خدمات الولادة الطارئة) أدت إلى إغلاق آخر وحدات الرعاية المركزة لحديثي الولادة في الشمال".
منظمة "هيومن رايتس ووتش" قالت إنها وثّقت 3 هجمات استهدف فيها الجيش الإسرائيلي كوادر طبية ومرافق صحية في #لبنان.
اقرأ أكثر: https://t.co/CbtYixg9vf pic.twitter.com/MLpcmTm2zI— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) October 31, 2024
وأوضح الصندوق الأممي أن "ذلك زاد من صعوبة الوصول إلى خدمات رعاية الأمومة لنحو 4 آلاف سيدة حامل في المنطقة"، مذكرًا أن هناك "تقارير متزايدة بشأن وفاة النساء أثناء الولادة أو بعد وقت قصير من ولادتهن، فيما تلد أخريات بمفردهن بدون رعاية طبية"، وقبل العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة على محافظة الشمال، كان مستشفى "العودة" أكبر المرافق الصحية التي تستقبل وتتابع حالات "النساء الحوامل" والولادة، فيما كانت تُحول الحالات الصعبة إلى مستشفى "كمال عدوان".
وعمد جيش الاحتلال منذ بداية العملية العسكرية على إخراج المستشفيين عن الخدمة إلى جانب مستشفى "الإندونيسي"، بالاستهداف المتكرر والاقتحام ومنع وصول الأدوية والمستلزمات الطبية واستهداف المرافق، ما جعل تقديم الخدمة للنساء والحوامل أمرا شبه مستحيل، فضلًا عن عمله على تحييد عمل طواقم الإسعاف والدفاع المدني، مما صعب وصول الحالات للمشافي في تلك المنطقة.
وكانت مقررة الأمم المتحدة المعنية بالحق في التمتع بأعلى مستويات الصحة البدنية والعقلية، تلالنغ موفوكنغ، قد قالت في وقت سابق إن: "الإبادة الطبية، وهو مصطلح جديد نستخدمه الآن لوصف التدمير المذهل لأنظمة الرعاية الصحية والهجمات على العاملين في قطاع الرعاية الصحية" في قطاع غزة بشكل خاص، والأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية والقدس.