من له الحق في تقرير أحقية النساء في الإجهاض الآمن؟ وكيف يمكن للقانون أن يعطي هذا الحق بيد الطبيب وحده؟ ولماذا تتشدد القوانين المتعلقة بالإجهاض في مصر بشكل لا مثيل له على مستوى معظم دول العالم؟ وهل هناك اتفاقات عالمية لتقنين الإجهاض صادقت عليها مصر وتنكرت لها؟ وكيف يتم معاملة المرأة التي تبحث عن الإجهاض الآمن في مصر؟.. أسئلة متنوعة وحارقة لعديد المصريات نحاول توضيحها في هذا التقرير.
تعاني النساء في مصر بشكل عام من قانون مجحف يمنعهن من الإجهاض الآمن في حالات عدة وغياب خدمات ما بعد الإجهاض
عالميًا، ووفقًا لأحد التقارير التي نشرتها منظمة الصحة العالمية، فإن هناك نوعين من الإجهاض في العالم هما الإجهاض الآمن وهو الإجهاض الذي لا يسبب مضاعفات للمرأة المجهضة، والإجهاض غير الآمن الذي قد يسبب لها الضرر وأحيانًا يسبب الوفاة، وذات التقرير يؤكد أن هناك حوالي 22 مليون حالة إجهاض غير آمنة في العالم ومعظمها في البلدان النامية، وهناك 5 ملايين امرأة في العالم تدخل المشفى كل عام للعلاج من آثار إجهاض غير آمن.
وتعاني النساء في البلدان النامية بشكل عام من قوانين تقليدية مجحفة تمنعهن من الإجهاض الآمن، ولا يحظين بخدمات ما بعد الإجهاض، كما ترتفع كثيرًا تكاليف الإجهاض الآمن في هذه البلدان، هذا بالإضافة إلى وصم المجتمع للمجهضات بالعار، وسوء التعامل معهن. ومن بين القارات الأسوأ عالميًا في مجال الإجهاض، تحجز القارة الإفريقية ثلث حالات الإجهاض غير الآمن عالميًا، وتموت فيها النسوة بنسبة تصل إلى أكثر من النصف.
القانون المصري والإجهاض.. سيف مسلط على رقاب النساء
يعد القانون المصري من أكثر القوانين تشددًا في العالم في تقييد الإجهاض، فهو يجرم الإجهاض المتعمد، ولا يسمح به تحت أي ذريعة، بل ويعاقب النساء اللاتي تلجأن إلى الإجهاض حتى وإن كان الحمل ناتجًا عن الاغتصاب أو كان الجنين مشوهًا.
ويعتبر القانون المصري الإجهاض من جرائم الاعتداء على الحق في الحياة، حيث نصت المادتان 260 و261 على أن الإجهاض جناية يُعاقب عليها القانون المصري بالحبس، كما هو موضح في الباب الثالث من قانون العقوبات، كما تصل عقوبة الطبيب المساعد في الإجهاض إلى السجن المؤبد.
الأستاذة داليا عبد الحميد، من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، تحدثت إلى "الترا صوت" عن الجهود التي يبذلها الحقوقيون منذ سنوات طويلة لتعديل قانون الإجهاض في مصر، حتى تحصل المرأة في مصر على حقها في الإجهاض بشكل آمن وقانوني دون أن تتعرض إلى الرفض من الأطباء ودون أن تلجأ إلى طرق ضارة قد تودي بحياتها. وتوضح: أنه "حتى الرعاية الطبية لما بعد الإجهاض في مصر غير موجودة وتستخدم وسائل بدائية قد تضر بالمرأة في المستقبل، فهناك أجهزة شفط آمنة يمكن أن تستوردها وزارة الصحة، لكنها تواجه مقاومة كبيرة من الأطباء بدافع أخلاقي، حسب تعبيرهم".
وأكدت داليا عبد الحميد أن أكثر الفئات التي تحتاج الإجهاض الآمن في مصر "هن الأشد فقرًا، واللاجئات، والأصغر سنًا، واللاتي تعشن في الشوارع، واللاتي تعرضن للاغتصاب، أو المعاقات ذهنيًا".
المبادرة عرضت أيضًا على موقعها حالات لسيدات وفتيات شابات احتجن إلى الإجهاض، إحداهن كان عمرها 15 عامًا حين اغتصبت في الشارع، ونصحتها رفيقاتها بشرب "بيبسي مغلي" وبالفعل أصيبت الفتاة بنزيف حاد وتلقت علاجًا بعدها، ولكن كان من الممكن أن تفقد حياتها.
"ألترا صوت" تواصل مع "نورا" (اسم مستعار) فتاة في العشرين من عمرها، اضطرت للقيام بعملية إجهاض خطرة. تقول: "كان أمامي خياران، إما أن أربي طفلاً من رجل استغلني جنسيًا، أو أن أقوم بإجهاض غير آمن في منزل إحدى صديقاتي. فاخترت الخيار الثاني، حياتي تدمرت من محاولة اغتصاب والآن أنا في العشرين ولكني أشعر أنني عجوز".
قوانين جديدة لتقنين الإجهاض في مصر؟
يوم الخميس الماضي، تقدم وكيل الصحة في البرلمان المصري أيمن أبو العلا بأول مشروع لتقنين الإجهاض في مصر بموافقة 60 عضوًا بالبرلمان، وقد وضع التعديل القانوني قرار الإجهاض بيد الطبيب في حالتين، الأولى أن يكون الاستمرار في الحمل يمثل خطرًا على الحامل أو أن يكون الجنين مصابًا بتشوهات شديدة قد تؤثر على حياته، بشرط أن "يتم الإجهاض بمعرفة طبيب متخصص في أمراض النساء والولادة وموافقة الطبيب المعالج للحالة المرضية المبررة للإجهاض" و أن "يحرر محضرًا بتقرير السبب المبرر للإجهاض بمعرفة الأطباء المعنيين على أن يوقع الطبيب على إجراء عملية الإجهاض ويحتفظ كل طرف من الأطراف المعنية بنسخة منه، ولا يشترط موافقة الزوج فى الحالات الطارئة التى تتطلب تدخلًا جراحيًا فورياً".
وبسؤال داليا عبد الحميد، من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، عن رؤيتها للتعديل القانوني المقترح قالت لـ"الترا صوت": "إننا في أسوأ وضع من الممكن تخيله وأي تعديل هو خطوة لا بأس بها، على أن الأمر في النهاية يبقى بيد الطبيب، أي أن الطبيب وفي حال رفضه تظل المرأة في حيرة من أمرها، ناهيك عن تجاهل الحالات المتعلقة بالاغتصاب وغيرها، في التعديل الجديد، والتي تواجه رفضًا مجتمعيًا وتجاهلاً قانونيًا، وهي أكثر الفئات التي تتعرض لضغوطات تحتم الإجهاض".
وإزاء التعديل القانوني الجديد، رأى أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن "عدم عرض القانون على هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف هو تغول على هيئات الإفتاء، وأن تصدي من وصفهم بـ"غير المؤهلين" للأمور الشرعية محكوم عليه بالفشل".
الجدير بالذكر أن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في بيانها الصحفي الذي أصدرته في اليوم العالمي للإجهاض الآمن، قد طالبت السلطات في مصر بالتوقيع على "بروتوكول حقوق المرأة في إفريقيا الملحق بالميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (المعروف ببروتوكول مابوتوٍ)، وهو الذي ينص في مواده على ضمان حق النساء في الوصول إلى الإجهاض الدوائي الآمن في الحالات التي يُشكِّل فيها استمرار الحمل خطرًا على صحتها أو حياتها أو في الحالات التي ينتج فيها الحمل عن اغتصاب أو اغتصاب محارم".
في النهاية، يُترك الأمر مصريًا في يد الجميع، الأزهر، المشرعون، نواب البرلمان والأطباء، يقولون فيه كلمتهم دون أن يُعطى للمرأة، صاحبة الشأن بدرجة أولى، صوت، رغم أنها تتحمل العبء الجسدي والنفسي والاجتماعي كاملاً.