تمكنت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" بإسناد جوي، ودعم لوجستي على الأرض مقدم من قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن من فرض حصار كامل على مدينة الرقة شرق سوريا أهم معاقل تنظيم الدولة الإسلامية -داعش، بعد أكثر من 50 يوم على إعلانها بدء عملية استعادة المدينة من قبضة التنظيم المتشدد الذي اتخذها معقلًا أساسيًا لمقاتليه في سوريا منذ منتصف 2014.
ورغم التحذيرات التي أطلقتها منظمات حقوقية دولية تدعو للحفاظ على المدنيين الذين لا يزالون عالقين داخل أحياء المدينة المحاصرة، ويعانون من شح في المواد الغذائية، وغياب تام للأدوية، فإن مقاتلات التحالف تستمر في شن عشرات الغارات الجوية على الأحياء التي يتحصن فيها مقاتلي التنظيم.
لا تأبه قسد لحياة المدنيين في حسابات معركة توسيع نفوذها، فتكثف قصفها المدفعي المصحوب بقصف التحالف الجوي، وجُل الضحايا من المدنيين
استعادة مدينة الرقة على حساب المدنيين
وخلال الأيام الأربع الماضية قضى أكثر من 75 مدنيًا بقصف للتحالف الدولي قال إنه استهدف مواقعًا لمقاتلي التنظيم داخل أحياء المدينة، فيما جرح ما لا يقل على 100 مدني وفق ما نقلت عديد وسائل الإعلام المحلية، وباتت مدينة الرقة محاصرة من كامل أطرافها حيثُ لم يعد أمام مقاتلي التنظيم إلا القتال أو الاستسلام، ما يهدد حياة قرابة 60 ألف مدني لم يستطيعوا النزوح لخارج المدينة.
اقرأ/ي أيضًا: وبدأت معركة الرقة.. سيناريو تهجير قسري آخر بين قسد وداعش
ووفق صحيفة "الغارديان" البريطانية فإن المعركة من المتوقع أن تستمر لفترة تصل مدتها ثلاثة أشهر، وقال أحد المقاتلين في قسد للصحيفة إن مقاتلات التحالف تنفذ يوميًا ما يقارب 50 غارة جوية على كامل أحياء المدينة. وفي مقابل التقدم الذي تحرزه قسد في الرقة المدينة، تمكن النظام السوري مدعومًا بميليشيات إيران وسلاح الجو الروسي من التقدم في ريفي المدينة الشرقي والغربي حيثُ تخضع معظم البلدات لسيطرة داعش.
تتخذ قسد من حجة الحرب على داعش مسوغًا لحربها الديمغرافية في الشرق السوري
وإذا صح ما ذكره عنصر قسد للصحيفة الإنكليزية عن عدد الغارات الجوية مستثنين ما يرافقها من قصف مدفعي، فإن الـ60 ألف مدني مهددين بالتعرض لما يقارب 4500 غارة جوية لما تبقى من عمليات عسكرية قبل استعادة المدينة، وقال الأمين العام المساعد للأمين العالم للشؤون الإنسانية أورسولا مولر قبل أيام إن أكثر من مائتي ألف مدني فروا من مدينة الرقة منذ الواحد نيسان/ إبريل الفائت من ضمنهم 30 ألف خلال الشهر الفائت.
"الاعتداء الأصفر".. تركيز الانتهاكات ضد المدنيين في الرقة
وأصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان خلال الشهر الجاري تقريرًا حمل عنوان "الاعتداء الأصفر" في إشارة للون الراية التي تتخذها قسد شعارًا لها، وثقف خلاله أعداد الضحايا الذيقضوا على يد القوات المتحاربة في مدينة الرقة منذ إعلان قسد في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر انطلاق عملية "غضب الفرات" لاستعادة المدينة من قبضة التنظيم المتشدد، وبدأت قسد رسميًا اقتحام الرقة من ثلاثة محاور في السادس من حزيران/ يونيو الفائت.
ويشير التقرير الذي اطلع عليه فريق "ألترا صوت" لسقوط 1400 مدني في مدينة الرقة منذ انطلاق عملية "غضب الفرات"، من بينهم 895 مدنيًا قضوا على يد التحالف الدولي أو قسد، وسجل التقرير الاعتداء من قبل الطرفين الحليفين على 79 مركز حيوي في المدينة، وأظهرت صور تداولها نشطاء لأحياء داخل المدينة تسويتها على الأرض نتيجة الغارات الجوية التي تعرضت لها المدينة.
وكانت عديد المقاطع المصورة سجلت شهادات لناجين من مدينة الرقة تحدثوا فيها عما تعرضوا لها من انتهاكات من قبل عناصر قسد بعد هروبهم من داخل المدينة، ومنع الفصيل الذي تقوده "وحدات حماية الشعب" الكردية، الذراع العسكري لحزب "العمال الكردستاني" في سوريا مئات المدنيين من العودة إلى قرى الريف التي سيطروا عليها بهدف دمجها ضمن ما يعرف بـ"الإدارة الذاتية"، وذلك في إطار سياسة تهجير السكان الأصليين للقرى من منازلهم بعد أن يتمكنوا من الدخول إليها.
المجلس التأسيسي لفيدرالية سوريا يعلن تقسيمات مناطق الإدارية
وأمس الجمعة تناقلت وسائل إعلام محلية متعددة خبر انعقاد الاجتماع الثالث لـ"المجلس التأسيسي للنظام الفيدرالي في شمال سوريا" في مدينة رميلان بريف الحسكة، واتفقت معظم التصريحات لمسؤولين حضروا الاجتماع أنه تمت المصادقة تقسيم المناطق التي تخضع لسيطرة الإدارة الذاتية لثلاثة تقسيمات هي: إقليم الجزيرة الذي يضم مدينتي الحسكة والقامشلي، وإقليم الفرات بضمه لمدينة تل أبيض بريف الرقة مع مدينة عين العرب بريف حلب، وأخيرًا إقليم عفرين الذي يضم مدينة عفرين مع عدد من قرى وبلدات ريف حلب الشمالي.
اقرأ/ي أيضًا: "قسد" وحجة معركة الرقة.. من حضن أوباما إلى التحالف المعلن مع نظام الأسد
إلا أن اللافت في التقسيمات عدم ورود أسماء عدد من المدن التي تسيطر عليها قسد مثل مدينة "منبج" بريف حلب الشرقي التي سلمت أجزاء منها في وقت سابق لقوات الأسد ردًا على تهديدات اقتحامها من فصائل الجيش السوري الحر المشاركة في عملية "درع الفرات" المدعومة من تركيا.
تقوم قسد في كل منطقة تسيطر عليها بترتيبات ومفاوضات سرية مع نظام الأسد لتسليمه بعضها
وفي اتفاق يعيد للأذهان عمليات تسليم بعض البلدات التي كانت تسيطر عليها قسد لقوات الأسد، وقع قياديين من الطرفين خلال اجتماع سري عقد قبل أيام في بلدة "العكيرشي" بريف الرقة الشرقي اتفاقًا ينص على تسليم قسد مناطق في الريف الشرقي والجنوبي من الرقة للنظام السوري، في تطور يكشف حجم التعاون بين الطرفين اللذان ليس مستبعدًا أن يشكلا تحالفًا إلى جانب روسيا لشن عملية مشتركة ضد فصائل المعارضة في ريف حلب.
وكانت وكالة "الأناضول" التركية أفادت بإرسال الولايات المتحدة الأمريكية 180 شاحنة تحوي عتادًا عسكريًا وذخيرة لمدينة الحسكة التي تسيطر عليها قسد، وأوضحت الوكالة أن الشحنة وصلت على دفعتين، حيثُ دخلت مائة سيارة في 22 تموز/ يوليو الجاري، وتبعها دخول 80 سيارة مشابهة أول أمس الخميس.
اقرأ/ي أيضًا: