احتضنت مدينة صفاقص التونسية، عاصمة الثقافة العربية 2016، الأسبوع الثقافي الجزائري، الذي ضمّ وجوهًا مختلفة من حساسيات فنية مختلفة، لكن الفقرة التي برزت وفرضت نفسها في مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام التقليدي، تلك التي قرأ فيها وزير الثقافة الجزائري عز الدين ميهوبي شعرًا، بصفته شاعرًا، مرفوقًا بعزف لوزير الثقافة التونسي محمد زين العابدين بصفته موسيقيًا.
معظم التعليقات، على مستوى النخب المثقفة والشباب العاديين، توجهت إلى استحسان المبادرة النادرة، فلم نتعوّد في الوطن العربي على أن يُمارس وزراءُ الثقافة الفنَّ، على الأقل خلال فترة استوزارهم، إذ يتفرغون لإدارة شؤون القطاع الثقافي، والسهر على تطبيق البرامج والنظرة الرسمية.
يكفي أن نذكر أن التلفزة التونسية بادرت عام 2008، إلى إطلاق مشروع مسلسل عن عبد الرحمن بن خلدون، لكنه بقي معلقًا
غير أن هذا الاستحسان يجب ألا يحملنا على نسيان جملة من الأسئلة التي يجب أن تطرح في هذا الباب، منها: هل التبادل الثقافي بين البلدين الجارين والمتحابّين تاريخيًا في المستوى المطلوب؟ وهل سيبني الوزيران المثقفان على هذه القراءة الشعرية والعزف الموسيقي المشترك، لتدارك النقائص والاختلالات في هذا الباب؟
إن الكتاب التونسي لا يدخل إلى الفضاء الجزائري، ما عدا في معرض الجزائر الدولي للكتاب، في جناح يتيم تشرف عليه وزارة الثقافة، والعكس صحيح تمامًا، فالقرّاء في البلدين لا يستطيعون الوصول إلى كتب أقلام البلد الآخر، إلا في هذا الإطار.
اقرأ/ي أيضًا: أيام قرطاج الموسيقية.. الموسيقى تجوب تونس
في مجال المسرح والسينما، يكفي أن نذكر أن التلفزة التونسية بادرت عام 2008، إلى إطلاق مشروع مسلسل عن عبد الرحمن بن خلدون، لكنه بقي معلقًا، بسبب تكاليفه المالية، ولم ينجح "أصحاب النوايا الحسنة" في تحقيق شراكة مع الطرف الجزائري، رغم أن الجزائريين لا يكفون عن الفخر بأن الرجل كتب شطرًا من مقدمته الشهيرة في مغارة بني سلامة في الجنوب الجزائري.
بل إن عدد المثقفين التونسيين الذين يشاركون في التظاهرات الثقافية الجزائرية يعدون على عدد أصابع اليدين، والعكس صحيح تمامًا، رغم أن الحدود مفتوحة بين البلدين، ولا وجود للتأشيرة، والزمن المستغرق بالطائرة بين العاصمتين لا يتعدّى الساعة إلا بدقائق.
منسوب التعاون الثقافي والفني والتربوي بين الشعبين، حين كانا خاضعين للهيمنة الفرنسية في القرن العشرين، كان أعلى بكثير
هنا، علينا أن نعود قليلًا إلى الوراء، لنذكّر بأن منسوب التعاون الثقافي والفني والتربوي بين الشعبين، حين كانا خاضعين للهيمنة الفرنسية في القرن العشرين، كان أعلى بكثير مما هو عليه الآن في ظلّ الاستقلال الوطني، فقد كان جامع الزيتونة والمدرسة الصادقية في تونس العاصمة، يستقبلان من الجزائريين، ما شكّل نخبة كبيرة كانت وراء نشر الوعي الثقافي في الجزائر.
إن الوزيرين المثقفين الذين قرأ أحدهما شعره وعزف الآخر موسيقاه، في منصة واحدة، مطالبان بأن يبنيا على هذه اللفتة، لاستعادة ألق الماضي في باب التبادل الثقافي بين البلدين، ويفتحا سوقا ثقافية مشتركة في منطقة سيدي يوسف التي اختلط فيها دما الشعبين خلال ثورة التحرير، وإلا كانت لفتتهما مجرد استغلال للنفوذ احتكار المنصة، في ظل وجود عشرات المواهب الجديرة بالظهور.
اقرأ/ي أيضًا: