17-أكتوبر-2024
أنشطة التجسس

(AP) أنشطة التجسس الصينية من الضخامة بحيث لا يمكن احتواؤها غربيًا

ترى صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أنّ حجم التجسّس الصيني على دول الغرب وتنوع أنشطته المتصاعدة يفوق قدرة الحكومات الغربية على احتوائه، إذ تعتمد الصين في أنشطتها التجسسية على وكالات الأمن والشركات الخاصة، والمدنيين أيضًا، لجمع المعلومات على نطاق واسع وغير مسبوق حتى مقارنةً مع الحقبة السوفييتية أثناء الحرب الباردة.

يضاف إلى ذلك ـ وفقًا لوول ستريت جورنال ـ أن للدول الغربية مخاوف متزايدة من أن يؤدي التباطؤ الاقتصادي في الصين إلى تصعيدٍ أكبر في عمليات التجسس، ممّا قد يزيد بدوره من احتمالات المواجهة بين الصين والدول الغربية.

قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" إنه نادرًا ما يمرّ أسبوعٌ دون أن "يصدر تحذيرٌ من إحدى وكالات الاستخبارات الغربية بشأن التهديد الذي تمثله الصين عبر أنشطة التجسس في سعيها لتقويض الدول المنافسة وتعزيز اقتصادها".

ممّا زاد من "جنون الارتياب الصيني" مزاعم العميل السابق في الاستخبارات الأميركية إدوارد سنودن بأن الولايات المتحدة اخترقت البنية التحتية الصينية على نطاقٍ واسع

ففي الشهر الماضي، قال مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي: "إنّ شركةً صينية مرتبطة بالحكومة اخترقت 260 ألف جهاز متصل بالإنترنت، بما في ذلك الكاميرات وأجهزة التوجيه في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ورومانيا ودول أخرى".

وقال تحقيق في الكونغرس إن رافعات الشحن الصينية المستخدمة في الموانئ الأميركية تحتوي على تكنولوجيا مدمجة يمكن أن تتحكم فيها بكين سرًّا. كما زعمت الحكومة الأميركية مؤخرًا أن أحد كبار المساعدين السابقين لحاكم نيويورك كاثي هوشول قام بأنشطة تجسس لفائدة الصين.

إطلاق حملة تعقب أميركية لمتابعة أنشطة التجسس الصينية

دفعت المعطيات الأخيرةُ المسؤولين في واشنطن الأسبوع الماضي إلى إطلاق حملةٍ لتعقب تبعات الاختراق الصيني الأخير، الذي استهدف الأنظمة التي تستخدمها الحكومة الفيدرالية في طلبات التنصت على الشبكات المصرح بها من قبل المحكمة.

وفي هذا الصدد تنقل وول ستريت جورنال عن كالدر والتون، خبير الأمن القومي في كلية كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد، قوله "إنه بالنظر إلى التشابك العميق في الاقتصاد العالمي، فإن قدرة الأفراد والشركات على توخي الحذر في المعاملات مع الصين تعد مهمةً شاقة للغاية".

في المقابل تنفي الصين بشكل مستمر مزاعم التجسس على الدول الغربية، وتؤكد في الآن ذاته أنها هدف دائم لعمليات القرصنة الأجنبية وجمع المعلومات الاستخباراتية.

وقد شدد الزعيم الصيني شي جين بينغ منذ توليه السلطة في 2012 على أهمية الأمن القومي، داعيًا المسؤولين والمواطنين العاديين على حد سواء إلى "درء التهديدات التي تواجه مصالح الصين"، وكانت النتيجة، حسب وول ستريت جورنال، "جهودًا واسعة النطاق لجمع المعلومات يفوق حجمها جهود التجسس السوفياتية خلال الحرب الباردة".

برامج ضخمة للتّجسس:

تؤكّد الاستخبارات الأميركية أنّ عدد القراصنة المدعومين من الصين يفوق عدد موظفي مكتب التحقيقات الفيدرالي في مجال الإنترنت بنسبة 50 إلى 1 على الأقل. وفي هذا الصدد يقول مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي إن "برنامج الصين للقرصنة الإلكترونية أكبر من برامج الدول الكبرى الأخرى مجتمعةً".

ووفقًا لتقديرات إحدى الوكالات الأوروبية فإنّ عمليات جمع المعلومات الاستخباراتية والعمليات الأمنية الصينية تضم ما يصل إلى 600 ألف شخص.

يذكر أنه في أيار/مايو الماضي، قال مسؤولو المخابرات الكندية "إنّ الصين حاولت على الأرجح التدخل في انتخابات فيدرالية، وشمل ذلك نقل الطلاب الصينيين بالحافلات للتصويت لمرشحها المفضل".

وخلال نفس الفترة، حكمت السلطات الأسترالية على رجل أعمال على صلة بالحزب الشيوعي الصيني لمحاولته التودد إلى وزير في الحكومة بالتبرع بمبلغ 25 ألف دولار لمستشفى محلي.

وشهِد شهر نيسان/إبريل الماضي إلقاء القبض على 7 جواسيس صينيين خلال عمليات منفصلة في ألمانيا وبريطانيا لحصولهم على جهاز ليزر خاص وشحنه إلى الصين دون تصريح، والتجسس على البرلمان الأوروبي واستهداف المعارضين.

تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين من محفزات التجسس الصيني

دَعَم التبادل التجاري مع الصين النمو الاقتصادي في الغرب لعقودٍ من الزمن، لذلك لا يمكن لمعظم الدول الغربية أن تتحمّل تبعات فرض عقوباتٍ على الصين وطرد دبلوماسييها للحد من أنشطة التجسس، وهو ما يعبّر عنه كين ماكالوم، المدير العام لجهاز الاستخبارات الداخلية البريطانية، بقوله إنّ "الصين مختلفة" في إشارة إلى أنه لا يمكن انتهاج سياسة العقوبات على روسيا مع الصين.

وبحسب توقعات الخبراء الذين تحدثت إليهم وول ستريت جورنال، فإنّ التجسس الصيني على الغرب قد يتصاعد مع تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين، حيث يؤكد مسؤولون غربيون أن أجهزة الاستخبارات الصينية ستتعرض لضغوط حكومية متزايدة من أجل سرقة الابتكارات اللّازمة لتعزيز الاقتصاد وإسكات المنتقدين في الداخل والخارج.

وفي هذا الصدد، يقول نايغل إنكستر، المدير السابق للعمليات في وكالة الاستخبارات الخارجية البريطانية إن "الأمر كله يتلخص في الحفاظ على أمن النظام".

يشار إلى أنه في أيلول/سبتمبر المنصر، ادّعت السلطات الأميركية أنّ خمسةً من خريجي جامعة ميشيغان الصينيين عُثر عليهم في منتصف الليل وهم يلتقطون صورًا على مقربة من مركبات عسكرية في تدريبات للحرس الوطني الأميركي شملت أفرادا من الجيش التايواني، وادعوا أنهم كانوا يراقبون النجوم.

وبالتزامن مع ذلك أعلنت الحكومة البريطانية أنّ قراصنةً مرتبطين بالصين تمكنوا من الوصول إلى سجلات تسجيل الناخبين في البلاد، التي تشمل حوالي 40 مليون عنوان منزل.

تضم عمليات جمع المعلومات الاستخباراتية والعمليات الأمنية الصينية ما يصل إلى 600 ألف شخص

وتُحقّق الأجهزة الأمنية في واشنطن حاليًا فيما إذا كانت مجموعة تجسس مرتبطة بالصين قد تسللت إلى مزودي خدمات النطاق العريض الرئيسيين في الولايات المتحدة، مما قد يؤدي للوصول إلى أجهزة التنصت على المكالمات الهاتفية الخاصة بوكالات إنفاذ القانون الأميركية. علمًا بأنّه سبق لمكتب التحقيقات الفيدرالي أن قال في وقت سابق من هذا العام "إنّ الصين سيطرت على مئاتٍ من أجهزة التوجيه واستخدمتها لاختراق شبكات المياه والطاقة الأميركية، مما أثار المخاوف من هجوم صيني على البنية التحتية الأميركية إذا أعاقت واشنطن أي محاولة صينية للسيطرة على تايوان" وفقًا لتحليل وول ستريت جورنال.

وخارج النطاق الغربي، يؤكّد عدد من المحللين والمسؤولين أنّ الصين "قامت بنشر برمجيات خبيثة على شبكات الطاقة الهندية في خضم نزاع حدودي عام 2021، واستهدفت شبكات الاتصالات في غوام التي تضم قاعدةً جوية أميركية كبيرة"، ما يعني أنّ المصالح الغربية خارج أوروبا والولايات المتحدة هي أيضًا في مرمى التجسس الصيني.

قواعد صينية مختلفة

إنّ مما يضفي على التجسس الصيني طابعًا خاصًّا هو أن الصين ـ حسب المسؤولين في الاستخبارات الغربية ـ  لا تلعب وفق قواعد التجسس القديمة، إذ لا يبدو أنها تهتم إذا تم القبض على جواسيسها، ولا تبذل مجهودًا لمبادلتهم عندما يتم القبض عليهم.

كما أنّ من بين العوامل التي تُعيق تعقّب الاستخبارات الغربية لعمليات التجسس الصينية، أنّ عمليات الصين الاستخبارية لا مركزية، وتمتدّ عبر عدد لا يحصى من الوكالات وشركات القطاع الخاص، فهي "تعمل بشكلٍ مستقلّ إلى حد كبير، وفق أساليب عشوائية، لكنها تلتزم بالأهداف الشاملة للحكومة الصينية".

بناءً على ذلك تزعم وول ستريت جورنال أنّ "المجهود الاستخباراتي الصيني تحوّل إلى هوسٍ في السنوات الأخيرة خاصةً في ظل التنافس بين بكين وواشنطن سياسيًا واقتصاديًا وتكنولوجيا"، ومما زاد من "جنون الارتياب الصيني" مزاعم العميل السابق في الاستخبارات الأميركية إدوارد سنودن بأن الولايات المتحدة اخترقت البنية التحتية الصينية على نطاقٍ واسع، بما في ذلك شبكات الهاتف المحمول. وهذا لوحده كفيل بإشعال فتيل حرب تجسّس غير مسبوقة.