(1)
المكان: الولايات المتحدة الأمريكية.
الزمان: 21 آذار/مارس.
أب وابنة وحفيدة يعيشان معًا في حي متواضع، أحد أحياء الغيتو -غالبًا- الخاصة بأصحاب البشرة السمراء في الولايات المتحدة. يعاني الأب من مرض يصعُب على ابنته توفير المال اللازم لجلب دوائه، نظرًا لضيق أحوالهم المالية.
الحادي والعشرون من آذار/مارس؛ الليلة التي تترقبها البلاد بأكملها من كل عام، إنها ليلة "التطهير". فحسب السياسات التي وضعها الحزب الحاكم في أمريكا الجديدة، تقوم قوات الأمن بعملية تطهير كاملة يوم 21 آذار/مارس من كل عام، عن طريق قتل كل من تُسول له نفسه التواجد في الشوارع في هذه الليلة، ومن حقها اقتحام البيوت كذلك وقتل من بها طالما كانوا فقراء أو دون طبقة معينة من الأثرياء.
في أمريكا، 21 من آذار/مارس؛ الليلة التي تترقبها البلاد بأكملها من كل عام
اقرأ/ي أيضًا: قراءة في مشاهد مصرية صميمة
لذلك يقرر الأب إعفاء ابنته من الحمل الذي تحمله على عاتقها، ويبيع حياته مقابل مبلغ من المال لأحد العائلات الثرية التي ستشارك في التطهير بقتل أحد الفقراء. في الأثناء التي يُقتل فيها الأب، يصبح منزل ابنته وحفيدته مُهددًا من قِبل قوات التطهير التي تقتحم المنزل، وتجرهما خارج المنزل ليواجها رشاشات سيارات التطهير ومن ثَّم الموت.
(2)
"على المريض رقم 221 التوجه إلى غرفة العمليات".
تردد ذلك الصوت في الميكروفون الداخلي لنقل داخل أحد معاهد القلب أو المستشفيات أو معاهد السرطان أو غيرهم، ليهم أحد المرضى المنتظرين دورهم بسؤال الممرض المسؤول عن إدخال المرضى غرفة العمليات:
- "الله يرضى عليك يا ابني، أنا رقم كام؟".
- أنت رقم 900 يا حاج، دورك بعد سنة إن شاء الله!
(بعد سنة)
"على المريض رقم 900 التوجه إلى غرفة العمليات"
........
"على المريض رقم 900 التوجه إلى غرفة العمليات"
.......
"على المريض رقم............".
(3)
يصنع القدر إحدى معجزاته الهوليوودية من حيث لا تعلم المرأتان، لتأتِي النجدة على هيئة رجل يجوب الشوارع في سيارته في هذه الأثناء، مدججًا بالسلاح ومتحديًا عملية التطهير. يدخل الرجل في اشتباك مع قوات التطهير ويستطيع تخليص المرأتين، ليعود بهما إلى سيارته ليجد فتى وفتاة كانت سيارتهما قد تعطلت قبل بدء التطهير بوقت قصير، ويطاردهما مجموعة من الملثمين السود ويجهلان ماذا يريدون منهما.
السؤال: من سيشارك في قتل هذه المجموعة من المشردين الذين لا قيمة لهم؟!
وبعد المرور بالعديد من المآزق والمواجهات مع قوات التطهير، يستطيع مجموعة من الملثمين إمساك هذه المجموعة المكونة من المرأتين والفتى والفتاة والرجل الذي أنقذهم، ليقوموا ببيعهم مقابل مبلغ من المال إلى مجموعة من الأثرياء الذين يقيمون حفلًا للمشاركة في التطهير، وتبدأ المزايدة عليهم، من سيشارك في قتل هذه المجموعة من المشردين الحثالة الذين لا قيمة لهم على الإطلاق؟!
اقرأ/ي أيضًا: هل القومية العربية مشروع رومانسي؟
(4)
أنا إحدى فتيات حلب التي سيتم اغتصابها بعد لحظات.. لم يعد هناك سلاح ولا رجال تحول بيننا وبين وحوش ما يسمى جيش الوطن! لا أريد منكم أي شيء.. حتى الدعاء لا أريده.. فمازلت قادرة على الكلام وأظن أن دعائي سيكون أصدق مما ستقولون!
كل ما أريده منكم ألا تأخذوا مكان الله، وتفتوا في مصيري بعد موتي. أنا سأنتحر.. ولا أكترث إن قلتم إنني في النار! سأنتحر لأنني لم أصمد كل تلك السنوات في بيت أبي الذي مات وفي قلبه حرقة على من ترك.. سأنتحر ليس لشيء، بل كي لا يتلذذ بجسدي بضعة عناصر كانوا ومنذ أيام يخافون نطق اسم حلب.. سأنتحر لأن القيامة قامت في حلب، ولا أعتقد أن هناك جحيمًا أقسى من هذا.
سأنتحر وكلي علم أنكم ستتوحدون على فتوى دخولي النار.. الشيء الوحيد الذي سيوحدكم هو انتحار فتاة ليست بأمك ولا بأختك ولا بزوجتك.. فتاة لا تهمك..
سأختم قولي بأن فتواكم لدىَّ أصبحت كهذه الحياة لا قيمة لها على الإطلاق؛ فاحفظوها لأنفسكم ولأهليكم.
سأنتحر.. وعندما تقرؤون هذا، اعلموا أني مت طاهرة رُغمًا عن الجميع.
* التوقيع:
(5)
داخل غرفة مظلمة يدخل سبعة أثرياء كل منهم يحمل سلاحه الذي اختاره لإتمام عملية القتل المشروعة هذه، التي كفلتها له الحكومة، وسط حشد من الجماهير الثرية المتحمسة. لتبدأ المواجهة الأولى بين مجموعة الأثرياء المدججين بالسلاح وبين مجموعة الحثالة العزل الذين لا قيمة لهم على الإطلاق.
التطهير لدينا أسلوب حياة، ولكن التطهير لديهم لا يخرج عن فيلم هوليوودي
وعند بدء المواجهة يستطيع الرجل الذي أنقذ المرأتين قتل أربعة من فريق الأثرياء، فيلوذ الباقون بالفرار، لتأتِي إمدادات على هيئة جيش من قوات الأمن الخاصة بالأثرياء. إذن فريق العزل ميت لا محالة، ولكن يتدخل القدر مرة أخرى لإنقاذهم ليبعث إليهم مجموعة من مناهضي التطهير. مجموعة من السود المدججين بالسلاح الذين يقضون على هذا الجيش المصغر من القوات الخاصة، فيلوذ الرجل والمرأتان بالفرار بعد أن فقدوا الفتى أثناء المواجهات، وآثرت الفتاة البقاء بجانب حبيبها حتى الموت.
اقرأ/ي أيضًا: البصاصون.. سدنة هياكل الاستبداد
(6)
خمسون جنيهًا، خمسون جنيهًا هي كل ما أمتلك في هذه اللحظة، وعليَّ جلب الطعام لي ولزوجتي وابني الرضيع الذي يحتاج إلى علبة اللبن الصناعي. تلك العلبة التي يحتاجها الرُضع الذين يعانون من مشاكل في الرضاعة الطبيعية، ثمن هذه العلبة الواحد أربعون جنيهًا.
يصرخ الرضيع في وجهي طالبًا الغذاء، وتصرخ معدتي طالبة الطعام أيضًا، وأعلم أن زوجتي مثلي، لكنها لا تطلب شيئًا سوى اللبن للرضيع، فأنصاع لصراخ الرضيع وأمه وأذهب في رحلة للبحث عن اللبن الذي لا أجده في أماكن بيعه، فأُضطر أن أشتريه من السوق السوداء ليصبح ثمنه خمسين جنيهًا، فأشتريه وأقنع معدتي أن في الصوم تطهير للبدن والروح، ولا أعلم هل هذا بالفعل تطهير كما أدعي أم شفا الانهيار!
(...)
ستة مشاهد الأول والثالث والخامس منهم هي قصة الفيلم الأمريكي "The Purge"، الذي انتهى ببزوغ شمس يوم الثاني والعشرين من آذار/مارس وانتهاء ليلة التطهير، ليعم السلام مرة أخرى أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية في انتظار يوم تطهير آخر العام المُقبل.
أما المشاهد الثلاثة الأخرى، هي مشاهد من عالمنا نحن، تحدث كل دقيقة وثانية، تطهير قائم على قدم وساق دون رعاية من أحد ودون مواقيت محددة له. فالتطهير لدينا أسلوب حياة، ولكن التطهير لديهم لا يخرج عن فيلم هوليوودي.
اقرأ/ي أيضًا: