تعمل الدعاية الصهيونية بشكل دؤوب منذ أكثر من 100 عام، وما زالت مستمرة في عملها مستغلة كافة التطورات في حقول الإعلام والاتصال والعلاقات العامة والتسويق الرقمي، والعمل على تغذيتها بمضمون ومحتوى إعلامي يرتكز بالأساس على الفكرة الصهيونية.
تعمل إسرائيل بإتقان على الاستفادة من كل ما ينتج تكنولوجيًا ورقمًيا وتسخيره لتعزيز تفوقها وحضورها للتأثير في صناعة الرأي العام أو إعادة هندسته بما ينعكس إيجابًا على دعايتها السياسية
حتى اليوم تستمر الحكومة الإسرائيلية في الترويج دوليًا لرواية الصهيونية الإعلامية شكلًا ومضمونًا، وذلك من خلال توظيف كم هائل من المنصات الإعلامية الدولية. ففي عام 2003 أنشأت منظمة صهيونية ما يعرف بـ "مشروع إسرائيل"، بالإضافة إلى ما يعرف بـ The Israel Project Global Language Dictionary، الذي يعد دليلًا لخدمة الدعاية الإسرائيلية وتجميل صورة إسرائيل وتحسينها عالميًا. كما تعمل الجهود الإسرائيلية الرسمية على استغلال منصات التواصل الاجتماعي بلغات عدة وعلى منابر مختلفة، واستخدام ما يعرف بالقنوات التلفزيونية الرقمية وتوظيفها لخدمة ذات الغرض وهدفه، لتتخطى مفهوم العولمة، وما ارتبط به من تطور عالمي جراء ظهور الإنترنت، وما صاحبه من حرية على سياق الاستخدام. الأمر الذي أظهر مفهومًا جديدًا في مجال الدعاية الذي بات يعرف بالإنتاج الذاتي للدعاية. إضافة إلى التوظيف الدعائي لشبكات التواصل الاجتماعي، وممارسة سلوكيات لم تكن موجودة سابقًا، لا سيما تلك المتعلقة بالتلاعب بالخوارزميات والتصيد والقرصنة وغيرها.
اقرأ/ي أيضًا: السفارات الافتراضية وتطبيع إسرائيل "عربيًا"
وفيما يتعلق بتوظيف إسرائيل للإعلام الاجتماعي خدمة لدعايتها، فقد استغلته لتحقيق ما بات يعرف بالدعاية السيبرانية، خاصة عبر موقع فايسبوك، ضمن المفهوم العلمي المستجد في حقل الاتصال والعلاقات العامة المعروف بـ"التنقيب الدعائي". ويجب الإدراك أن هذا المفهوم يتمحور حول التنقيب عن البيانات في صورة مجازية للمفهوم بحد ذاته، إذ إنه مأخوذ بالأصل من التنقيب عن ثروات الأرض من معادن وبترول وغيرها. وفي حقيقة الأمر فإن المقصود لا يعني بالضرورة الوصول إلى البيانات بحد ذاتها، وإنما يتجاوز ذلك إلى المعلومات والآراء والتي ترتبط بالدعاية وقيمتها، التي من الممكن توظيفها كرسالة لتحقيق التأثير في الجمهور المتلقي.
يدرك صناع الدعاية الإسرائيلية تمامًا أن عملية البحث عن المعلومات والبيانات تتطلب استخدام تقنيات جديدة وذكية مرتبطة بتحليل البيانات بما يتضمن استخراج المهم والقيّم وتفادي تلك التي لا تحمل قيمة مهمة، وهو ما يتطلب بالضرورة تحديد القضايا التي يراد تجميع بياناتها، ثم تحديد منبتها وجمهورها، وفحصها وفلترتها، واختبارها بغرض الوصول إلى البيانات المنشودة. وهذا الأمر بدأ يتطور مؤخرًا ويرتبط مفهوميًا وتقنيًا بما يعرف بالذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات واستخراج المهم والمطلوب منها وتفادي البيانات غير المهمة.
وتستدعي ظاهرة التنقيب الدعائي الجهود السيبرانية الموجهة نحو اختراق الشبكات والحواسيب وقواعد البيانات والحسابات البريدية للحصول على معلومات سرية، قد يمتلك بعضها قيمة دعائية، يمكن استغلالها في حملات موجهة ذات أبعاد سياسية. وفي السياق ذاته برزت ممارسات تتعلق بما يعرف باللون الدعائي الذي لا يتمحور حول مفهوم التوجيه الجماعي، بل يركز على التوجيه "المنفرد". وفي هذا الإطار تجاوزت الدعاية مرحلة الرأي العام "الجماعي" ووظفت جهودها للتعاطي مع الأفراد بطريقة "الحزم المنعزلة".
تعد تقنيات "الحزم المنعزلة" وما تستند إليه من جهود قرصنة وتوجيه للمحتوى من أبرز ما تعتمد عليه الدعاية السيبرانية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة
وتعتبر المنصة الأمريكية "نتفليكس" منبرًا مهمًا لتعزيز الدعاية الإسرائيلية عالميًا وتغيير الانطباعات السيئة عنها في أذهان الجمهور المتلقي، وتعزيز "الإيجابية" منها وتعميقها، من خلال عرض جملة أعمال إعلامية بما فيها المسلسلات التلفزيونية والأفلام.
منذ إطلاق "نتفليكس" قبل عدة سنوات، عرضت مجموعة من الإنتاجات الإعلامية الإسرائيلية بقوالب فنية مختلفة، تمحورت أغلبها حول جوهر الصراع الوجودي الإسرائيلي في المنطقة العربية. ومنها مسلسل "عندما يحلّق الأبطال"، وفيلم "منتجع البحر الأحمر"، ومسلسل "الجاسوس"، وفيلم "الجاسوس الذي سقط على الأرض" و فيلم"الملاك".
فيما سجل مسلسل "فوضى" ذروة هذه البروباغندا، بعرضه المتحيز لقضايا أساسية مرتبطة بجوهر الصراع في فلسطين، ومحاولة تبرير جرائم إسرائيل وانتزاع شرعية ما لها، من خلال خلق مادة إعلامية قد تكون مقنعة في حال تعرض المشاهد لها، بما يشمل المشاهد العربي. وتهدف إلى استدراج المتلقي إلى ذروة الذائقة الحسية لتصبح في مراحل ما مطلبًا جماهيريًا!.
تستمر الدعاية الإسرائيلية في تكرار نفسها مضمونًا، لا سيما من خلال إظهار أن إسرائيل رأس الديمقراطية والحريات في المنطقة العربية، وأنها نموذج عالمي ريادي اقتصاديًا وفكريًا وثقافيًا، وأنها المكان المتحضر الممكن لتلاقي الحضارات، وتبادل المعرفة ومراكمة الإنجازات. أما شكليًا فهي تعمل بإتقان على الاستفادة وتسخير كل ما ينتج تكنولوجيًا ورقمًيا لتعزيز تفوقها وحضورها للتأثير في صناعة الرأي العام أو إعادة هندسته بما ينعكس إيجابًا على دعايتها السياسية والإعلامية على كافة الأصعدة وكافة المنابر. وهذا ما يتضح عبر رصد تصاعد اعتماد استراتيجيات التنقيب والحزم المنعزلة.
اقرأ/ي أيضًا:
فيسبوك.. انتهاك الخصوصية والتلاعب بالسلوك السياسي