قبل عامين جرى في اسكتلندا استفتاء شعبي رفض فيه الناخبون انفصال اسكتلندا عن بريطانيا بنسبة 55.42% من الأصوات حينها، ووجدت نيكولا سيترجون، وهي رئيسة وزراء اسكتلندا اليوم، أن الأمر يدعو إلى خيبة أمل لعدم حصول بلادها على استقلالها هي وحزبها "الحزب الوطني الاسكتلندي" اللذان كانا من أكبر الدافعين للانفصال.
الانتخابات الديمقراطية في أوروبا تمارس ذات الدور الذي مارسته الانتخابات اللاديمقراطية في الشرق الأوسط
اليوم تجدد سيترجون حلمها في الانفصال عن بريطانيا بعد أن قرر البريطانيون الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، في استفتاء شعبي حبس أنفاس الكثيرين خلفه. مبرر رئيسة وزراء اسكتلندا خلف ذلك أن بلادها ضد الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، فصحيح أن 52% من المشاركين في الاستفتاء صوتوا بنعم في بريطانيا، إلا أن الصورة حسب رئيسة الوزراء كانت مختلفة حيث أيد 62 بالمائة من الاسكتلنديين البقاء في الاتحاد الأوروبي، بينما أيد 38 بالمائة الخروج منه.
اقرأ/ي أيضًا: بلال المؤمن بنفسه
إذن، الانتخابات الديمقراطية في أوروبا تمارس ذات الدور الذي مارسته الانتخابات اللاديمقراطية في الشرق الأوسط، فحالة التفكك التي عاشتها البلاد العربية، رغم أن شعوبها كانت تحلم بالوحدة فيما بينها، نجد عكسها تمامًا في أوروبا، فرغم القوة التي شكلتها الدول الأوربية بـ"الاتحاد" إلا أن نوايا الانفصال كانت مبيتة، ليس بين الحكومات كما هو الحال في بلادنا العربية، وإنما بين الشعوب الأوروبية التي تعلو أصوات انفصالها عن بعضها البعض مع الصعود الصاروخي منذ أقل من عام لليمين المتطرف ذي النزعات العنصرية والانفصالية.
وعلى مبدأ "يقتل القتيل ثم يمشي في جنازته"، يقوم الأمريكيون، وعلى رأسهم جون كيري، بزيارات لعواصم أوروبية ستتركز جهودها "على ضرورة ألا تحذو دول أوروبية أخرى حذو بريطانيا، لما يمكن أن يؤدي إليه هذا من إضعاف الاتحاد". هذه الحملة الأمريكية التي ظاهرها القلق على مستقبل القارة العجوز تذكرنا بالقلق الأمريكي البانكيموني على سوريا والعراق وليبيا، التي دمرها الأمريكان باستخدام سياسة ظاهرها الإصرار على أن تحصل شعوب المنطقة على حريتها من دكتاتورييها، ولكن باطنها تفكيك هذه الدول باستخدام الدكتاتور الذي تدعمه ذاته.
طبعا الأمريكيون هم أكثر المستفيدين من هذا التفكك، لأنه سيقود إلى تقوية "حلف شمال الأطلسي" الذي تقوده أمريكا في أوروبا على حساب "إضعاف الاتحاد الأوربي" وتفكيكه.
اقرأ/ي أيضًا: بريطانيا العظمى بين الخيال والحقيقة
يقود الأمريكيون مشروع تفكيك آسيا وأوروبا على مهل منذ غزوهم للعراق
بعد الحرب العالمية الثانية خرجت الولايات المتحدة قطبًا عالميًا، وبعد تفكيك الاتحاد السوفيتي تفردت في سلطة قرارها، ولم يبق أمامها سوى مهمة تفكيك الاتحاد الأوروبي بالإيغال في تفكيك الشرق، ليصير العالم في عهد حضارتها مجرد دويلات تتصارع وشعوب تعادي بعضها البعض، مستخدمة دكتاتورية الإعلام التي تقود الرأي العام كقطيع إلى "صناديق الاقتراع"، أو "الدكتاتور" السياسي والديني الذي يسيد ويميد على شعوب الشرق الملعون.
يقود الأمريكيون مشروع تفكيك آسيا وأوروبا على مهل منذ غزوهم للعراق، وصولًا لما عرف بـ"ثورات الربيع العربي" سواء تلك التي حملت طابع العنف والدم أو التي تستخدم صناديق الديمقراطية.
يبقى أمام الولايات المتحدة خطوتها القادمة باختراق قلب آسيا لتفكيكه، فالولايات المتحدة ظلت حتى مطلع القرن الحادي والعشرين تتجول ضمن الخرائط التي صنعها سلفها "الاستعمار الأوروبي"، وعلى رأسه الاستعمار البريطاني، اليوم أمريكا تصنع خريطتها وقوامها دويلات متصارعة تتفكك بين براثنها الهويات الوطنية، لتنمية النزعات العنصرية والطائفية، وتغلف هذه السياسة الفوضية الخلاقة بالنسبة لها والتدميرية لغيرها بـ"ربيع" زائف.
اقرأ/ي أيضًا: