تشارك النجمة السودانية السارة وفرقة النوباتونز ضمن فاعليات مهرجان "بيروت آند بيوند الموسيقي الدولي"، في الفترة بين 3 – 6 كانون الأول/ديسمبر المقبل. والمهرجان الآن في عامه الثالث، حيث يروّج لأفضل ما في الموسيقى المستقلة في المنطقة العربية والموسيقى العالمية.
يُعدّ بيروت أند بيوند معرضًا للإنتاج الموسيقي المستقل من العالم العربي
يُعدّ بيروت أند بيوند، إلى جانب كونه مهرجانًا موسيقيًا، معرضًا للإنتاج الموسيقي المستقل من العالم العربي، فيوفر للجمهور والمشاركين فرصة رؤية وسماع كل ما هو جديد ومبتكر من مختلف أنحاء العالم. كما يحوي برنامج المهرجان على سلسة مناقشات وورش تطرح مواضيع وثيقة الصلة بتطور المشهد الموسيقي المستقل في المنطقة وتواجده المتزايد على الساحة العالمية.
بعد ثماني سنوات قضتها السارة في الخرطوم قررت أسرتها الانتقال إلى مدينة تعز اليمنيّة هربًا من النظام الحاكم في السودان. وبقدوم عام 1994 وجدت حالها وسط المجتمع الأمريكي لتبدأ رحلة جديدة مع الموسيقى الإثنية. لقد حاولت السارة أن تخلق موسيقى جديدة قائمة على الموروث الشعبي والجغرافي للمجتمع السوداني وبالرغم من اختلاف اللغات والحدود الجغرافية إلا أنها صممت منذ البداية أن تكون السودان هي جوهر مشروعها الفني.
على أنغام الموسيقي النوبي حمزة علاء الدين وأحمد منيب وعبد القادر سالم تكوّنت ثقافتها السماعية ما بين إيقاعات النوبة وطمي السودان الخصيب. تحاول السارة أن تضع الموسيقى الأفريقية في إطارات أكثر تنوعًا وتطورًا، فهذا الإرث الأفريقي المتوّلد من رحم الأساطير والحضارات المتعاقبة هو الإناء الأكثر استيعابًا للفنون البشرية. وبالرغم من بساطة الإيقاعات الإفريقية التي تميل إلى بكارة الجمل الموسيقية والنقرات المتتابعة، إلا أن السارة تحاول في كل مرة إيجاد فضائها الخاص. عندما وصفتها صحيفة الجارديان البريطانية (23 أيلول/سبتمبر 2013) بالنجمة الجديدة لموسيقى البوب النوبية، رأت السارة في هذا الوصف شيئًا من المبالغة الدرامية. بعد عام من تلك المقابلة أطلقت السارة بالتعاون مع فرقة النوباتونز The Nubatones الألبوم الأول الذي حمل عنوان طمي (Slit).
وإذا قررنا أن نبدأ من العنوان باعتباره عتبة تفكيكية لمحتوى الألبوم، فإن الطمي هو كل ما يتبقى في ذاكرتنا الجمعيّة من لحظات وابتسامات ودموع عابرة لأرض تبقى ولا تموت نطلق عليها الوطن. تنويعاتٌ على النوستالجيا والحكايات التي ارتبطت بالنوبيين منذ بناء السد العالي بأسوان للتحكم في فيضان النيل عام 1970. إنها رحلة الشتات والترحال ما بين قرى غمرتها المياه وأخرى بقت طي النسيان. هل هي رحلة البحث عن مكان لم يعد موجودًا من خلال ثيمات موسيقية تدمج الحركة الموسيقية للخرطوم في السبعينيات مع الإرث العربي والشمال أفريقي؟
إنها الموسيقى التي ظلّ في السودان وشرق إفريقيا الاستماع إليها خلال مرحلتي الستينيات والسبعينيات. وقد تطور صوت هذه الفرقة إلى ما يصفونه هم بـ"البوب الرترو الشرق – الأفريقي". وُلدت هذه الفرقة من خلال عدّة محادثات حول أغاني العودة النوبية وأنماط الهجرة الحديثة والتبادل الثقافي بين السودان ومصر. وتوسعت المحادثات، بفضل الحب المشترك لثراء المقام الخماسي وخبرة الهجرة المشتركة، لتضم مجموعة مختارة من الأغاني النوبية من السبعينيات إلى يومنا هذا، مع مواد أصلية وموسيقى تقليدية من وسط السودان.
وُلدت فرقة النوباتونز من خلال عدّة محادثات حول أغاني العودة النوبية وأنماط الهجرة والتبادل الثقافي بين السودان ومصر
يبدو أن التنقلات المختلفة للسارة قد أعطت للمكان مفهومًا آخر لديها، فالحياة في بروكلين بنيويورك تجعلك على اتصال بأشخاص لديهم أوطان متعددة كما تقول. وتأكيدًا على مفهوم العودة والدار تقول السارة في بداية الفيديو كليب الخاص بأغنيتها "حبيبي تعال – 20 تشرين الأول/أكتوبر 2014: "هذا الفيديو إهداء للأهل والحبايب في مصر. شكرًا للاستقبال الكريم والإحساس بالعودة للدار".
ليست التنقلات هي كل ما يتعلق بموسيقى السارة التي يتضح من أجوائها تلك النزعة الصوفيّة نحو مسألة الهجرة ومفهوم أن تكون مهاجرًا في مجتمع متعدّد الثقافات والأعراق، فهناك تلك الأغنيات البسيطة التي اعتادت البنات أن تغنيها في السودان. تلك الأغنيات بسيطة الكلمات رقيقة اللحن والتي تمثل شريحة واسعة من بنات الطبقات الفقيرة والمتوسطة في المجتمع السوداني كأغنية (جبال النوبة/ حبيبي سافر مني) مع المطربة ناهد. ولا نستغرب تلك المحاولة المستمرة للتجديد في الجذور الفنية إذا علمنا أن السارة حصلت على الماجستير في الدراسات الموسيقية الشعبية بالإضافة إلى أبحاثها عن موسيقى الزار في المجتمع السوداني.
شاركت السارة في عدّة مشاريع موسيقية أبرزها "مشروع النيل"، الذي حاول تقديم موسيقى بديلة لمجموعة دول يجمعها نهر وحيد بالإضافة إلى عدّة مهرجانات أبرزها مهرجان مقديشيو الأول للموسيقى. إن موسيقى السارة والنوباتونز تعبّر بشكلٍ أو بآخر عن تركيبة المجتمع السوداني بصورةٍ خاصة ودول الشمال الإفريقي بشكل عام. ربما هي محاولة أخرى للثورة على النمط التقليدي للسياق الفني والإبداعي على غرار تجربة الطيب صالح في الأدب العربي صاحب الرواية الخالدة "موسم الهجرة إلى الشمال".