ألترا صوت - فريق التحرير
تقول القصة المعروفة في المحكيات الشعبية المصرية، أن رجلًا صعيديًا في إحدى قُرى الصعيد كان مطلوبًا للإنجليز إبان الاستعمار البريطاني، لأنه قتل عسكريًا. كان الرجل المطلوب يُشبه كل رجال القرية، باستثناء ميزة واحدة، وهي أنه يملك وشمًا على جانب رأسه لعصفور أخضر. وبدلًا من أن يحاول الحاكم الإنجليزي معرفة اسم الرجل وهويته، فقد انشغل فقط في البحث عن الرجل الموشوم، فقام رجال القرية بدق وشم العصفور على جوانب رؤوسهم تضامنًا مع ابن قريتهم. ولعل هذا تحديدًا ما تخاف منه السلطة المصرية أو تحذر من تكرار حدوثه.
رغم حملات القمع الشديدة والممارسات اللاإنسانية مع معارضيه، وخنقه للمجال العام، لا زال النظام المصري يتعامل بخوف وحذر شديدين مع أي لفتة تضامن أو مناصرة لأي احتجاج
رغم حملات القمع الشديدة والممارسات اللاإنسانية للنظام المصري مع معارضيه، واعتقاله آلآف الناشطين في السجون، وخنقه للمجال العام بكل صوره وأشكاله ورفع سقف الرقابة على كل صوت، لا يزال النظام المصري يتعامل بخوف وحذر شديدين مع أي لفتة تضامن مع أي حدث احتجاجي لا في الوطن العربي وحسب، ولكن في العالم كله، وهو ما يحدث بالفعل هذه الأيام مع المتضامنين مع متظاهري السترات الصفراء في فرنسا، إلى الحد الذي جعل السلطات المحلية تمنع بيع السترات الصفراء في محلات الأمن الصناعي وسط المدينة، خوفًا من انتقال عدوى السترات التي أصبحت رمزًا احتجاجيًا، إلى مصر، خاصة مع اقتراب ذكرى ثورة يناير التي لا زالت رغم غيابها الكامل تشكل مصدر رعب وفزع للسلطات في مصر.
السترات الصفراء في مصر.. ممنوع بيعها وللعرض فقط
بهدوء ودون ضجة أدخلت السلطات المصرية قيودًا على بيع السترات الصفراء، كما تحدث تجار معدات الأمن الصناعي، وهي المحال التجارية التي تبيع هذا النوع من الزي. حيث وضحوا أن الشرطة شددت على عدم بيع السترات الصفراء دون إذن منها حتى للشركات، ذاكرين أن الشرطة حذرتهم من أنها ستعاقب غيرالمتعاونين معها. ستة متاجر للبيع بالمفرق في منطقة بوسط القاهرة، حيث تتركز متاجر السلامة الصناعية، كما يبين تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، لم تعد تبيع سترات صفراء. وفي حين لم يقدموا أصحاب اثنين من هذه المتاجر أي تفسير لوقف البيع، فإن الأربعة الباقين قالوا إنها تعليمات من الشرطة.
اقرأ/ي أيضًا: لماذا كل هذا الحقد الإعلامي على "السترات الصفراء" عربيًا؟
يوضح أحد التجار الذي رفض قول اسمه حفاظًا على أمنه الشخصي: "يبدو أنهم لا يريدون أن يفعل أي شخص ما يفعلونه في فرنسا". وقال آخر "إن الشرطة جاءت إلى هنا قبل بضعة أيام وطلبت منا التوقف عن بيعها. وعندما سألنا لماذا قالوا إنهم يتصرفون بناء على تعليمات".
من الجدير بالذكر أن مسؤولين أمنيين أكدوا أن القيود ستبقى سارية حتى نهاية الشهر القادم، أي حتى تمر ذكرى الثورة دون ضجة، وقالوا إن مستوردي منتجات السلامة الصناعية وتجار الجملة استدعوا للاجتماع مع كبار ضباط الشرطة في القاهرة هذا الأسبوع وأبلغوا بالتعليمات.
وقال أحد التجار لوكالة رويترز: "لقد جعلونا نوقع إقرارات أننا لن نبيع سترات صفراء". وأن "أي شخص يبيع سترة واحدة سيضع نفسه في مشكلة كبيرة". وقال موظف في متجر آخر في وسط القاهرة، "إن القيود على بيع السترات بدأت يوم السبت وستستمر حتى 25 يناير"، وهي الذكرى السنوية الثامنة للانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك. و أفاد آخر بأن "السترات الصفراء الآن للعرض فقط".
السجن عقوبة التضامن مع أصحاب السترات الصفراء في مصر
أصدرت النيابة المصرية العامة قرارًا بحبس محامٍ مصري، وهو محمد رمضان مدة 15 يومًا بعد نشر صورة له يرتدي سترة صفراء مماثلة لتلك التي يرتديها المحتجون في فرنسا، حسبما ورد عن رويترز. وأمر المدعي العام في الإسكندرية باعتقال المحامي الحقوقي محمد رمضان بعد نشر صورة له وهو يرتدي سترة صفراء تضامنًا مع المتظاهرين الفرنسيين. كما أنه تم توجيه عدة تهم أخرى لرمضان منها "نشر أخبار كاذبة" و"نشر أيديولوجيا جماعة إرهابية". وأفاد مصدران أمنيان لرويترز أنه تم العثور على ثماني سترات صفراء مع المحامي وقت اعتقاله.
لماذا لا يمكن أن تقوم حركة السترات في مصر؟
كانت الإجابة الساخرة التي تداولها نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي مفاجئة، فالمصريون الذين باتوا يدبرون رزق يومهم بشق الأنفس لن يدفعوا 20 جنيهًا، أي ثمن السترة، من أجل الاحتجاج على أوضاعهم المعيشية. بل إن كثيرًا من المغردين سخروا من الفكرة قائلين إن المحتجين إن فكروا أصلًا بالاحتجاج في ظل أجواء القمع الكبير هذه، فسيخرجون عرايا، ولن يرتدوا بزات تساوي ثمن تذكرتي ميترو.
اقرأ/ي أيضًا: انتفاضة "السترات الصفراء".. الهامش في مواجهة فرنسا المعولمة
بينما قال أحد النشطاء حسب ما جاء في تقرير الوكالة، "إن الاحتجاجات العفوية مثل تلك الموجودة في فرنسا أصبحت الآن مستحيلة في مصر". وأضاف "أن الحركات السياسية المعارضة ليس لها وجود على الأرض والأحزاب السياسية الحالية هي جزء من النظام، والأهم من ذلك هو أن مكان جميع النشطاء معروف الآن... إنهم إما في السجون أو في منازلهم يخضعون لإشراف الشرطة".
بهدوء ودون ضجة أدخلت السلطات المصرية قيودًا على بيع السترات الصفراء، كما تحدث تجار معدات الأمن الصناعي، خوفًا من استلهام الاحتجاجات
كما أفاد جمال عيد المحامي الحقوقي الذي تمنعه السلطات المصرية من السفر، "أن الحكومة تتحدث عن إنجازاتها لكنها تخشى رد فعل عكسيًا، لأن الناس العاديين لم يستفيدوا شيئًا على الإطلاق من المشروعات الضخمة، التي تعلن عنها من آن لآخر".
لكن نجاد برعي، وهو محام حقوقي آخر، قال لصحيفة نيويورك تايمز، "إن الحكومة قد تؤخر رفع الأسعار المتوقع في العام المقبل لتجنب الاحتجاجات المستوحاة مما يحدث في فرنسا".
في هذا السياق، لا يبدو أن السلطات تأمن انفجار المصريين، على الرغم من إثقالها عليهم بسياسات الإفقار والقمع والغلاء ورفع الدعم المتواصل عن سلع أساسية، ما جعل حياتهم أكثر صعوبة من أي وقت مضى، وعلى الرغم من تغني النظام الحالي بإنجازاته طوال الوقت، وبسرديته عن أولوية تحقيق الأمن، إلا أنه لا يزال يذكر كيف ثار المصريون في لحظة ليغيروا حياتهم إلى الأفضل، ولا زال يدق طبول الخطر خوفًا من تكرار التجربة.
اقرأ/ي أيضًا: