لم تغيّر الثورة كثيرًا في العلاقات المتوترة التي تجمع الشباب التونسي مع قوات الأمن، بل لا تزال على ما هي عليه من توتر رغم محاولات وزارة الداخلية تقديم نفسها في السنوات الأخيرة بمظهر الأمن الجمهوري خاصة بعد "استشهاد" عدد من عناصرها بيد الإرهاب، وفي نفس الوقت لا يزال القضاء التونسي يبرّئ الأعوان المتورطين في أحداث قتل المتظاهرين في أحداث الثورة.
رغم الحديث المتواتر عن الإصلاح داخل المؤسسة الأمنية لم تتغيّر ممارسات الأمن التونسي كثيرًا عن ما قبل الثورة
رغم الحديث عن الإصلاح داخل المؤسسة الأمنية لم تتغيّر ممارسات الأمن التونسي كثيرًا عن ما قبل الثورة، فهو يعتمد القوة المفرطة حينًا لتفريق بعض التحركات لعدد من الشباب المسيّس أو العاطل عن العمل وحينًا آخر يلجأ إلى الصمت وحراسة التحرّكات ومراقبة المتظاهرين من على بعد، دون أن يحاول الاشتباك معهم في محاولة إلى استمالة النشطاء والمجتمع المدني، الذي نددّ كثيرًا بممارساته القمعية ضدّ الشباب المتظاهر.
عبّر عدد من النشطاء عن رفضهم لسلوك الأمن التونسي بشكل زجري وقاطع بعد الثورة وفي تحركات على أرض الواقع أو على الافتراضي أشهرها: حملة "أنا حرقت مركز"، دفاعًا عن الشباب الذي ثار ضدّ النظام السابق وحوكم بتهم الاعتداء على الأملاك العامة.
وتحدى بعض الشباب الأمن في أغان "راب" شبابية أشهرها وصفتهم بـ"الكلاب"، ووجدت هذه الأغنية رواجًا كبيرًا وعرف صاحبها "ولد الكانز" تضامنًا منقطع النظير، خاصة بعد إلقاء القبض عليه، وتم إطلاق سراحه إثر ضغط حقوقي. والحقيقة لم تكن هذه الأغنية الأولى التي انتقدت بشكل سلبي أعوان الأمن بل سبقتها ولحقتها أغان أخرى.
لا تزال العلاقة متوترة بين الجهاز الأمني والشباب التونسي في واقع يهدّده الإرهاب مما يجعل الأمر أكثر صعوبة خاصة وأنّ الشباب لا يزال يكنّ الكره للأمن التونسي الذي يعتبره بمنزلة "الجلادّ"، وهو ما يجعل الأمر أكثر سهولة لاختراقه واستعماله ضدّ الأمن العام خاصة وأن كلمة "الطاغوت" ملتصقة بأفواه الشباب حتى غير المتديّن وتجد رواجًا كبيرًا في الأوساط الشبابية الناقمة على الوضع العام.
عبّر نشطاء عن رفضهم لسلوك الأمن التونسي وذلك في تحركات على أرض الواقع أو على جدران العالم الافتراضي أشهرها: حملة "أنا حرقت مركز"
وحول العلاقة التي تجمع بين الشباب والأمن، أكدّ القيادي بالحزب الجمهوري أحمد فرحات الحمودّي لـ"الترا صوت": أنّه "لا مناص من التأكيد على العلاقة المتوترة التي كانت تجمع شباب تونس برجال الأمن ولا غرابة حيث كان رجل الأمن هو أداة نظام الاستبداد وهو ما ظهر منه، كان رجل الأمن هو التمثل المادي لنظام الحكم التسلطي حتى رحيل رأس النظام في 14 يناير 2011".
ويضيف الحمودّي: "اعتقد الجميع أن العلاقة ستتغير بعد ذلك لا سيما بعد محاولات الأمنيين التبرؤ من حقبة الاستبداد وتقديم أنفسهم كأول ضحايا نظام بن علي وخرجوا في مسيرات كسبًا لتضامن المواطنين ومحاولة لتصحيح العلاقة معهم ورغم بعض الحوادث (القصبة واحد واثنان) فإن العلاقة تطورت في الاتجاه الصحيح ولكن مسار التصحيح لم يكن مستقيمًا بل متعرجًا متراجعًا في بعض الأحيان وعادت الاتهامات للتبادل بين الشباب الجامح للتغيير ورجل الأمن الذي تقوده مقاربات تقليدية لحفظ الأمن ولعل ضعف التكوين وهشاشته لم يساعد على تغيير عميق لتعامله مع المواطن ولم تساعد الإدارة المحافظة على ذلك ومن جهة ثانية لم تراوح تعبيرات الشباب النازع للتغيير تقليديتها في اختصار الحكم وسياساته في واجهة الدولة (قوى الأمن)".
يرى الحمودّي: أن "تكوين رجال الأمن وعصرنة أدائهم وتدعيم التواصل والتحاور مع الشباب، هي الشروط الأساسية لتصحيح العلاقة". وأضاف: "على السياسة الأمنية أن تتغير في اتجاه تثبيت المؤسسة الأمنية كمؤسسة لحماية المواطن والدولة والابتعاد على دور الدفاع على من يحكم".
لم تقم مؤسسة الأمن بعد بخطوات جدّية لتدارك العلاقة المتوترة بينها وبين الشباب التونسي، في وضع سياسي متقلب وأمني متدهور، رغم الدعوات إلى إصلاح المنظومة حرصًا على أمن البلاد من الخلايا الإرهابية النائمة، فهل تتجاوز المنظومة الأمنية أخطاءها السابقة وترسي منظومة "أمن جمهوري" على أرض الواقع أم سيقتصر الأمر على تصريحات إعلامية لا أكثر؟.
اقرأ/ي أيضًا: