ليس من الغريب، أن حملات المقاطعة التي تتعرض لها الإدارة السعودية، بقيادة ولي العهد المتهور، محمد بن سلمان، تتزامن مع حراك واسع من التطبيع مع إسرائيل، وتصريحات لمسؤولين إسرائيليين، بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه، تشيد بالدور السعودي في المنطقة، وبأهمية استقرار النظام الملكي بالنسبة لتل أبيب. وفي نفس الوقت، فإنه ليس من الغريب أن تنامي العلاقات مع السعودية، يجيء في ظل تحول اليمين الإسرائيلي إلى رمز من رموز الشعبوية في العالم.
فبالتزامن مع الأخبار التي تم تداولها في الأيام الأخيرة، عن إشادة النظام الشعبوي الجديد في البرازيل بتل أبيب، ومع الأخبار عن الزيارات التطبيعية إلى دول خليجية عدة، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية خلال الفترة الماضية، خبرًا عن لقاء ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مع مجموعة من الإنجيليين الأمريكيين الذين جاؤوا إلى الرياض للتباحث معه حول التفاهم بين الأديان والتسامح ومكافحة التطرف. ورغم أن ابن سلمان ليس غريبًا على اجتماعات من هذا النوع لطلب ود الغرب وبث دعاية الاعتدال، لكن هذا الوفد المقرب من إسرائيل، كما توضح صحيفة هآرتس الإسرائيلية، والذي جاء على رأسه الكاتب الإنجيلي الأمريكي المقيم في القدس، جويل روزنبرغ، ذهب إلى الرياض هذه المرة مع مهمة إضافية.
لقد بدا جليًا، منذ وقت مبكر من مسار قضية جمال خاشقجي، أن الضجة التي تمت إثارتها ومقاطعة السعودية عالميًا، ستؤدي في النهاية إلى تعزيز العلاقات السعودية مع تل أبيب
يعرف محمد بن سلمان جيدًا قوة اللوبي اليهودي والإنجيلي، لكن اجتماعاته السابقة مع الجماعات اليهودية الموالية لإسرائيل التي جرت في واشنطن، كانت أقل أهمية، حيث إن العلاقة مع هذه اللوبيات أصبحت ضرورية الآن تحديدًا أكثر من أي وقت مضى.
ما كان جديدًا في هذا الاجتماع هو أنه حدث في العاصمة السعودية الرياض، بينما لم يكن توقيته حسب الصحيفة الإسرائيلية مصادفة، في ظل أزمة الشرعية التي يواجهها ابن سلمان منذ واقعة اختفاء ومقتل الصحفي السعودي، والكاتب في صحيفة واشنطن بوست، جمال خاشقجي. إذ يدين ولي العهد المثير للجدل، حسب هآرتس، بفضل كبير لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يمارس الضغط على ترامب نيابه عنه، معتبرًا أنه على الرغم من أن قتل خاشقجي كان أمرًا مروعًا، فإن العلاقات مع السعودية، واستقرارها المرتبط باستقرار الشرق الأوسط، أكثر أهمية.
اقرأ/ي أيضًا: تطبيع رعاة الإرهاب.. إسرائيل والسعودية على مائدة استخبارية واحدة
صار من الواضح أن هذه الزيارة كانت جزءًا من الجهود المشتركة التي يبذلها كل من نتنياهو وابن سلمان، من أجل حملة دعاية جديدة تخاطب الغرب، وتستجدي الشرعية السياسية منه، من خلال التأكيد على اعتدال نظام ابن سلمان، ودوره في تعزيز العلاقات الإسرائيلية العربية، بالإضافة إلى ما يقول كل من نتنياهو والسعوديين إنه تعزيز لفرص السلام في المنطقة، لكن أيضًا، فإن هذه العلاقات تستهدف بشكل خاص، إنتاج نوع من الضغوط المضادة لتلك التي يتعرض لها ترامب، من الكونغرس الأمريكي، ومن دول غربية.
لقد بدا جليًا، منذ وقت مبكر من مسار قضية جمال خاشقجي، أن الضجة التي تمت إثارتها، والتي تسببت بحملة مقاطعة واسعة للمملكة التي يديرها ابن سلمان، ستؤدي في النهاية إلى تعزيز العلاقات السعودية مع تل أبيب. ففي حين أن مسؤولين وكتابًا إسرائيليين تخوفوا منذ البداية من مستقبل الاستقرار السعودي، الذي اعتبروه ضروريًا لأمن إسرائيل، كانت هناك تحركات واضحة من مسؤولين إسرائيليين، لحث ترامب على الحرص أكثر، والأخذ بعين الاعتبار في خطاباته المتناقضة حول القضية، لعنصر الوساطة التي تلعبها الرياض بين إسرائيل و"المحور السني المعتدل".
اقترح السلطان قابوس على السلطة الفلسطينية، كما توضح هآرتس، تأجيل مناقشة وضع القدس واللاجئين الفلسطينيين وإنشاء صندوق استثماري لتنمية الضفة الغربية
وقدت أبدت حتى المنصات اليسارية في إسرائيل، قلقًا حول السمعة السعودية، تذرعًا بمستقبل عملية السلام والمبادرة العربية وحل الدولتين. ويبدو أن هذا المبرر كان مناسبًا لطرفي العلاقة في الخليج العربي وتل أبيب، إذ تم ربط تنامي العلاقات باعتباره إحياءً لمفاوضات السلام.
اقرأ/ي أيضًا: عشقي في إسرائيل.. السعودية تُشهر التطبيع
ووفقاً للعديد من وسائل الإعلام، فقد تقدمت سلطنة عمان بعد زيارة نتنياهو لها، بمقترحات لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، تتعلق بالاقتراح الأمريكي حول السلام الإسرائيلي الفلسطيني. حيث اقترح السلطان قابوس مثلًا، كما توضح هآرتس، تأجيل مناقشة وضع القدس واللاجئين الفلسطينيين وإنشاء صندوق استثماري لتنمية الضفة الغربية. وبحسب ما ورد، فإن الرئيس الفلسطيني لم يرفض الاقتراحات بشكل مباشر لكنه طلب الوقت للتفكير فيها.
ثمة خط ناظم وإن كان قليل الوضوح فيما يتعلق بتعزز العلاقات بين بعض الدول العربية وإسرائيل، مرتبط بالأساس بواقعة خاشقجي، وشعور السعودية بالعزلة الدبلوماسية، بالإضافة إلى مطالبات جادة في الأوساط الأمريكية لفرض عقوبات عليها، ووقف تصدير السلاح إليها. وهو ما ساهم على الأقل في الفترة الوجيزة الماضية، بالإضافة إلى الشعور الإسرائيلي السعودي المزدوج بالتهديد بعد قضية خاشقجي، في جولات تطبيعية واسعة، وفي التنسيق للاستعانة باللوبيات اليهودية والمسيحية المؤثرة في القرار الأمريكي.
هناك تحليل مباشر لا يمكن تجاهله لهذا التوطد في العلاقة، وهو أن الدول القمعية والاستعمارية، التي تتعرض لضغوط من المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، والدول التي ما زالت تهتم نوعًا ما بالمسائل الحقوقية، تنتج نوعًا من شبكة تحالفات بديلة بين بعضها البعض. ولهذا تجتمع إدارة نتنياهو مع إدارة ابن سلمان، في مخاوف مشتركة من هذه الصغوط، وكذلك، في طموحات مشتركة، تتعزز من خلال مد جسور مع الدول والمؤسسات غير الآبهة بقضايا الحريات والمسائل الحقوقية، وبالتأكيد في التعويل على اليمين الأمريكي، الذي يعتبرون وصوله إلى السلطة فرصة ذهبية. وإذا كان ما يحدث في الفترة الأخيرة، يبرهن على شيء، فإنه يبرهن على الخط الناظم، والمصالح المشتركة بين الشعبوية العالمية والاستبداد العربي من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى.
اقرأ/ي أيضًا:
السعودية تستأنف رحلة تطبيعها الكامل مع إسرائيل.. تل أبيب محبوبة "العرب"!
السعودية وإسرائيل.. تعاون استخباراتي وثيق وقرع لطبول حرب في المنطقة!