نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، مقالًا بعنوان "لماذا تلعب المعايير الأمريكية المزدوجة تجاه إسرائيل وروسيا لعبة خطيرة؟"، لمحرر الشؤون الدبلوماسية في الصحيفة باتريك وينتور. قال فيه، إن "مراوغة الغرب بشأن غزة تكشف نظامًا عالميًا يواجه تمردًا على هيمنته على الخطاب الدولي".
وانطلق وينتور في مقالته، من مقولة للمحلل ريتشارد هاس، التي قال فيها: "إن الاتساق في السياسة الخارجية هو ترف لا يستطيع صناع السياسات تحمله دائمًا". وعلق عليها، بالقول: "لكن في نفس الوقت، قد يأتي النفاق الصارخ بثمن باهظ، من حيث فقدان المصداقية، وإلحاق الضرر بالهيبة العالمية، وتضاؤل احترام الذات".
يعلق المحرر الدبلوماسي لصحيفة الغارديان، على المعايير الأمريكية المزدوجة وانعكاس ذلك على السياسة العالمية
وعقد المحرر الدبلوماسي، مقارنة بين سلوك الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية، في التعامل مع قضية أوكرانيا والحرب على قطاع غزة، قائلًا: إن هذه الازدواجية "أصبح لها بالفعل تأثير حقيقي على العلاقات بين الشمال والجنوب العالمي، والغرب والشرق، مما يخلق عواقب قد يتردد صداها لعقود من الزمن".
ونقل وينتور، عن المحلل الإسرائيلي دانييل ليفي، قوله: "إن الممارسة الاحتكارية الأمريكية [فيما يتعلق بمصير غزة] لا تتوافق مع العالم الذي نعيش فيه اليوم ومع الجغرافيا السياسية المعاصرة. وفي هذا الصدد، حدث شيء مهم ومثير للاهتمام، وربما كان مصدرًا لبعض الأمل، وهو أننا رأينا أنه بالنسبة لجزء كبير مما يسمى بالجنوب العالمي وفي العديد من المدن في الغرب، تحتل فلسطين الآن هذا النوع من الفضاء الرمزي. إنه نوع من تجسيد التمرد ضد النفاق الغربي، وضد هذا النظام العالمي غير المقبول، وضد نظام ما بعد الاستعمار".
وأضاف المحرر الدبلوماسي لـ"الغادريان": "إذا استمر دفاع الولايات المتحدة عن إسرائيل في ارتكاب الأخطاء، فمن المرجح أن تكون هناك نتيجة أو اثنتين. سوف ينمو الاتجاه نحو تحويل التحالفات غير الإيديولوجية. وقد تجد أمريكا نفسها في مواجهة كتل بديلة أكبر حجمًا وأكثر حزمًا، سواء كانت مجموعة البريكس الموسعة، التي يقودها بوتين هذا العام، أو التحالفات الأخرى التي تقودها الصين".
وتحدث عن عودة "النظام الدولي" مع حرب أوكرانيا، والذي تمزق في العراق وأفغانستان، مضيفًا: "بمجرد وضع المباني المدمرة في غزة جنبًا إلى جنب على وسائل التواصل الاجتماعي مع مباني ماريوبول على وسائل التواصل الاجتماعي، يصبح الأمر أكثر تعقيدًا. وتدخل مسألة التناسب حيز التنفيذ. يبدو الرد الإسرائيلي أقرب إلى الانتقام الأمريكي بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، والذي نصح بايدن على وجه التحديد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بتجنبه".
وأضاف: "الغرب عمومًا، مع بعض الاستثناءات، التزم الصمت بشأن غزة عندما بدأ الهجوم الإسرائيلي". ويستعرض أمثلة على ذلك، مشيرًا إلى حث بعثة بريطانيا في الأمم المتحدة، في ما لا يقل عن 11 جلسة نقاش في مجلس الأمن، إسرائيل على الامتثال للقانون الإنساني، لكنهم لم يذكروا قط ما إذا كانت قد فشلت في القيام بذلك.
واستمر المحرر الدبلوماسي في استعراض المواقف، بالقول: "بعد تعرضهم لضغوط على مدى أسابيع ليقولوا ما إذا كانت خسارة 18 ألف حياة معظمهم من المدنيين يمكن أن تشكل انتهاكًا للقانون الدولي، تحدث الزعماء الغربيون فقط بصيغة المشروط، مضيفين أنهم لا يستطيعون إصدار حكم لأن هذا أمر يخص المحاكم. وقال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، مؤخرًا: لن ننجرف إلى دور القاضي وهيئة المحلفين في خضم كل هذا".
ويقارن ذلك، بحديث الرئيس الأمريكي جو بايدن، في الذكرى الأولى للحرب الروسية على أوكرانيا، التي قال فيها "لقد ارتكبوا أعمالًا فاحشة وجرائم ضد الإنسانية دون خجل أو تأنيب ضمير".
ويستمر المقال في عرض هذه المواقف، بالإشارة إلى اعتبار الخارجية الأمريكية، الجيش الروسي بأنه ارتكب "جرائم حرب في أوكرانيا"، إذ قالت: "تقييمنا يستند إلى مراجعة دقيقة للمعلومات المتوفرة من مصادر عامة واستخباراتية".
وأضاف: "كسرت أوكرانيا الجمود في مجلس الشيوخ الأميركي بشأن جرائم الحرب وتناقضها تجاه المحكمة الجنائية الدولية، التي ليست الولايات المتحدة دولة طرفًا فيها. وفي غضون أسابيع، أصدر مجلس الشيوخ، تحت ضغط الجمهوري ليندسي جراهام، بالإجماع قرارًا يطالب باتخاذ تدابير المساءلة، سواء على المستوى الدولي من خلال المحكمة الجنائية الدولية أو على المستوى الثنائي". كما بدأت الولايات المتحدة، بتزويد المحكمة الجنائية الدولية بأدلتها على جرائم الحرب، ونشرت فريقًا من المحققين والمدعين العامين لمساعدة المدعي العام الأوكراني، الجنرال أندريه كوستين، "في توثيق وحفظ وإعداد قضايا جرائم الحرب".
ويقول وينتور: "على النقيض من ذلك، بعد شهرين من الدمار في غزة، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها لا ترى حاجة لبدء أي فحص داخلي رسمي حول ما إذا كانت إسرائيل قد ارتكبت جرائم حرب، على الرغم من أن الأسلحة التي كانت تستخدمها تم توفيرها من قبل الولايات المتحدة. وتشير الإحصائيات إلى أن عدد المدنيين الذين قُتلوا في غزة خلال شهرين يفوق عدد المدنيين الذين قُتلوا في أوكرانيا منذ أكثر من عامين".
ويضيف المحرر الدبلوماسي: "تكشف رحلة سريعة حول العالم عن تأثير ذلك. إن الولايات المتحدة، سواء شاءت ذلك أم أبت، تجازف بالتحول إلى مرادف للمعايير المزدوجة".
وينقل المقال، عن أودو جود إيلو، المدير التنفيذي النيجيري المولد لمنظمة المدنيين في الصراعات، هو واحد فقط من بين عدد لا يحصى من الشخصيات الأفريقية التي وجهت تحذيرًا. وقال: "نحن الآن في وضع تحدد فيه هوية المعتدي أو هوية الضحية كيفية استجابة العالم، ولا يمكنك الحفاظ على إطار دولي للحماية إذا كان متاحا حسب الطلب". والنتيجة، كما قال، هي أن احترام القانون الإنساني الدولي قد تم إفراغه من مضمونه.
وقال ماندلا مانديلا، حفيد نيلسون مانديلا: "لقد سُئل المسؤولون الأمريكيون عن استخدام الجيش الإسرائيلي للقوة بشكل غير متناسب في غزة، وكان الرد: "لن نتحدث عن ضربات محددة. لكن أليست هذه مسألة مبدأ في ضوء الأسابيع الماضية والحروب الماضية في غزة؟".
وقال لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، رئيس البرازيل ورئيس مجموعة العشرين لهذا العام، في قمة صوت الجنوب العالمي في تشرين الثاني/نوفمبر من هذا العام إنه من الضروري "استعادة سيادة القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني، الذي ينطبق على قدم المساواة للجميع، دون ازدواجية المعايير أو الإجراءات الأحادية".
وكان رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، وهو نفسه سجينًا سياسيًا سابقًا، قد أدان مرارًا وتكرارًا غزو بوتين، قد قال "لقد طُلب منا إدانة العدوان في أوكرانيا، لكن البعض ظلوا صامتين أمام الفظائع التي ارتكبت بحق الفلسطينيين". واشتكى في تجمع زعماء آسيا والمحيط الهادئ الذي استضافه بايدن في سان فرانسيسكو في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، قائلًا: "إن الأمر لا يتعلق بإحساسهم بالعدالة والرحمة".
ويقول جوليان بارنز ديسي، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن الضرر الذي لحق بالمكانة الأمريكية قد يكون محسوسًا في نهاية المطاف ليس في الجنوب العالمي، بل في الغرب نفسه.
وقال: "قد يشعر الأوروبيون بهذه الضربة أكثر من الجنوب العالمي. إن رد فعل الغرب على ما يحدث في غزة، وعدم قدرتنا على إدانة إسرائيل، لم يوقظ فجأة الجنوب العالمي على الكيل بمكيالين، ولكنه أكد لهم من جديد ما يعتقدون أن الغرب يدور حوله. إذا كنت مواطناً في الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد واجهت معايير مزدوجة لبعض الوقت، سواء كان ذلك من خلال اتفاقيات الهجرة الأوروبية أو الاتفاقيات مع الحكومات الاستبدادية. لكن هذا الصراع يفرض درجة غير مسبوقة من المحاسبة الذاتية في أوروبا، مما يخلق انزعاجًا عميقًا بين الكثيرين هنا".
وينطبق الشيء نفسه على السياسة اليسارية في الولايات المتحدة، حيث يعتقد 45% من الديمقراطيين، وفقًا لمركز بيو، أن إسرائيل تذهب بعيدًا عسكريًا بينما يعتقد 18% فقط أنها تتبع النهج الصحيح.
المحرر الدبلوماسي للغارديان: "تكشف رحلة سريعة حول العالم، إن الولايات المتحدة، سواء شاءت ذلك أم أبت، تجازف بالتحول إلى مرادف للمعايير المزدوجة"
استمر المقال، بالقول: "بالنسبة لآخرين مثل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، فإن القلق هو أن الاتجاهات الموجودة مسبقًا نحو عالم أكثر تعددية الأقطاب، سوف تتسارع.
وختم مقاله، بالقول: "المذكرات فقط هي التي ستكشف مدى خوف الشخصيات البارزة في إدارة بايدن، في الوقت الفعلي، من حجم الضرر التراكمي الذي لحق بسمعة بايدن، ليس فقط على بايدن، بل أيضًا على الهيبة الأمريكية. إنهم في الوقت الحالي يعطون الانطباع بأن الإدارة تدرك ببطء حدود قدرتها على توجيه ليس فقط نتيجة هذه الحرب، بل أيضًا النظام العالمي الذي سيأتي في أعقابها".