على الرغم من أنه من إنتاج سوفييتي ومن إخراج أرمني، إضافة إلى الطاقم الأرمني-السوفييتي، لكن يبقى بالنسبة للعديد من السينمائيين الأكراد والمهتمين بهذا المجال الفيلم الصامت "Zare" – الذي أنتج في العام 1926 - أول فيلم كردي على الشاشة الكبيرة، يسبق بذلك أفلام يلماز غوني في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي التي تعتبر المرجع الأساسي لصناعة كردية سينمائية. هو بالمحصلة أول حضور كردي في سينما ناشئة.
يعد الفيلم الصامت "Zare"، الذي أنتجه السوفييت في 1926، أول فيلم كردي على الشاشة الكبيرة
الفيلم من إخراج الأرمني هامو بِكنازاريان الذي قضى وقتًا طويلًا في الإعداد لهذا العمل، حيث درس العديد من المواد الفلكلورية عن الأكراد الإيزيديين الموجودين في أرمينيا. لكن قلة توفرّ الأبحاث والدراسات، اضطرته مع فريق عمله إلى تنظيم رحلات إلى أماكن تواجد الأكراد في البلاد لدراسة وملاحظة عاداتهم ونمط حياتهم. لكن رغم قضائه مدة طويلة في تحضير العمل إلا أنه تمكن في فترة لا تتجاوز الشهرين من تصوير "Zare" معتمدًا على مجموعة من الممثلين الأرمن والسوفييت، ولكن أيضًا على الكثير من السكان الأكراد قاطني تلك القرى الذين شاركوا ككومبارس في العمل.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "السلاحف تستطيع الطيران".. طفولة تهجو الحروب
تجري أحداث الفيلم في روسيا القيصرية، أعوام قليلة قبل ثورة أكتوبر عام 1917، ويروي قصة حب بسيطة بين زري ("Maria Tenazi" التي لاقى دورها في هذا الفيلم نجاحًا قصير الأمد بسبب وفاتها بعد أعوام قليلة لإصابتها بمرض السل) والراعي سيدو (Hrachia Nersisyan)، لكن رغبة أحد البكوات الزواج من الجميلة زري عكّر صفو هذه العلاقة، مما أدى إلى تآمر البِك مع موظفي الدولة الفاسدين لتجنيد سيدو وبذلك التخلص من غريمه والعائق بينه وبين زواجه من زري. الفيلم يلتزم بسمات الواقعية الاشتراكية التي أخذت تسود السينما السوفييتية، وأظهر التواطؤ بين موظفي الدولة الفاسدين والبكوات الذين تحكموا طويلًا بمصائر محكوميهم، وأيضًا رجالات الدين الذين برروا هذه الممارسات وفشلوا في أن يكونوا عونًا للإنسان العادي والبسيط، الذي تنطعت السينما الاشتراكية – بحسب بروباغندا الاتحاد السوفييتي - إلى الاحتفاء به والدفاع عنه.
يدور فيلم "Zare" قبل أعوام قليلة من الثورة البلشفية، ويروي قصة حب بسيطة بين زري والراعي سيدو
الفيلم، إضافة إلى أنه احتفاء بحياة الأكراد الإيزيديين الرعوية، هو هجوم على النظام القيصري الفاسد ولكن أيضًا على العادات البالية المستشرية بين الشعب وتحكّم البكوات بمصائر البسطاء. ونجد أول علامات الفساد المستشري في الدولة القيصرية عندما ترسل وزارة الداخلية مبلغًا معينًا إلى حاكم الولاية بغية إنشاء فرقة عسكرية من متطوعين أكراد، ولكن هذا المبلغ يتناقص مع مروره بين مكاتب الدولة المسؤولة عن إنشاء هذه الفرقة. لاحقًا يسعى الأهالي إلى إعفاء أبنائهم عن طريق دفع رشوات للمسؤولين.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "طهران تابو".. الجنس عدسة مقرّبة على المجتمع الإيراني
ما يزال الفيلم، بعد مرور ما يقارب القرن على انتاجه، قادرًا على شدّ انتباه، وعلاوة على ذلك إمتاع المشاهد. وهو محاولة يتيمة لرصد نمط حياة الأكراد – وهنا كانوا الأكراد الإيزيديين في أرمينيا. هذه المحاولة لم تتكرر إلا بعد عقود عديدة ولكن هذه المرة على يد مخرجين أكراد رغم الصعوبات التي واجههتهم ومنعت صناعة سينما خاصة بهم، تحمل بصمتهم أو تعبر عن صوتهم وحضورهم. أولهم كان يلماز غوني الذي يبقى آخر أفلامه "الطريق" أكثرهم شهرة والذي تمكن فيه من التعبير عن الحضور الكردي من شكله المجتمعي في "Zare" إلى سياقات أبعد تحمل دلالات معيشية وسياسية، ولكن الأهم من ذلك، جغرافية.
اقرأ/ي أيضًا: