شهدت الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة ترشح حوالي مئة امرأة، واعتُبر هذا الحدث سابقة لم يشهد مثلها لبنان في دورات انتخابية سابقة.إذ نجحت ست نساء، فازداد عدد النساء في المجلس بمقعدين.
تُعنف المرأة في لبنان قانونيًا وجسديًا ونفسيًا، ويصبح العنف أكثر فتكًا عندما يمارس باسم القانون
قد تُظهر هذه الأرقام أنه أصبح للمرأة اللبنانية دور أكبر في الحياة الاجتماعية والسياسية، وهذا هو النصف الممتلئ من الكوب، أما النصف الآخر منه، فلا يخلو من استبداد يظهر واضحًا وجليًا في القوانين المدنية أو التشريعية الخاصة بحقوق المرأة في لبنان، أو حتى في أرقام ضحايا العنف المتزايد يومًا بعد يوم، وحالات الاغتصاب فضلًا عن زواج القاصرات.
تُعنف المرأة في لبنان قانونيًا وجسديًا ونفسيًا، ويصبح العنف أكثر فتكًا عندما يمارس باسم القانون، وهو ما يسمى بالعنف القانوني، الذي يعزز ثقافة التسلط والإقصاء ويساهم في تنشئة جيل على قيم غير ديمقراطية تنتهك حقوق الإنسان، وتعتمد على تمييز منهجي بين الجنسين.
اقرأ/ي أيضًا: "نقشت".. حفلة تسليع للمرأة اللبنانية
ينص القانون اللبناني على أنه يُعدّ لبنانيًا كل شخص مولود من أب لبناني فقط، أي أن المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي لا يحق لها إعطاء الجنسية لأطفالها. كما يسلب هذا القانون أبناءها حقوقهم الأساسية كمواطنين، وينجم عن ذلك آثار متعددة تتحملها العائلة من مشاكل قانونية وأزمات اقتصادية إلى آثار نفسية واجتماعية. فمن ناحية العمل سيواجهون صعوبة بالحصول على الوظائف التي يمكن شغلها، بالإضافة إلى اضطرارهم للرضوخ لضغط أرباب العمل، فضلًا عن الأجورالمتدنية وتكاليف التعليم المرتفعة. والأسوأ هو التكلفة المادية المرهقة نتيجة التشدد في ضرورة تجديد الإقامة والأوراق الرسمية كل عام.
ووفق دراسة أجريت عام 2009 عن محنة اللبنانيات المتزوجات من غير اللبنانيين، فإن هذا القانون يسري على أكثر من 77 ألف لبنانية.
والمشكلة أكثر تعقيدًا للّبنانيات المتزوجات من فلسطينيين، لأن الفلسطينيين محرومون من حق الملكية في لبنان، وتقدر الأمم المتحدة أن 450 ألف لاجئ فلسطيني مسجلون في لبنان، وللفلسطينيين حقوق محدودة فلا يمكنهم تملك العقارات ويحظر عليهم العمل في 20 مهنة محددة وفقًا لما تقوله الأمم المتحدة.
إضافةً إلى أن لبنان يشهد اليوم مسرحية تجنيس عشوائية، بحيث يتم إعطاء الجنسية اللبنانية، لأشخاص ليس أي من والديهم لبنانيًا، والشرط الوحيد لحصولهم على الجنسية هو أن يكونوا مقربين من رئيس الجمهورية أو من أحد أصحاب النفوذ في الدولة، وقد ظهر سخط كبير لدى الأمهات اللبنانيات المتزوجات من غير اللبنانين ردًا على مرسوم التجنيس هذا.
تقول إحدى الأمهات المتزوجات بأسترالي، ويحمل أولادها الجنسية الأسترالية، إنها لا تريد لأولادها الحصول على الجنسية اللبنانية، ولكن ما يزعجها هو أن عليها عند قدومها إلى لبنان لقضاء العطلة الصيفية، تجديد إقامة أولادها في حال بقيت أكثر من ثلاثين يومًا في البلاد، مع دفع مبلغ من المال.
إن ما تعانيه المرأة في لبنان يتضاعف بسبب سيطرة الطوائف على قوانين الأحوال الشخصية، فبحسب تقرير نشرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" عام 2015، فإن المرأة في لبنان هي الأكثر تضررًا من قوانين الأحوال الشخصية العائدة للطوائف المختلفة، منددة بانعدام المساواة بين وضعها ووضع الرجل وبنقص الحماية المؤمنة لها ولأطفالها عند حصول مشاكل عائلية.
وتظهر المراجعة التي قامت بها "هيومن رايتس ووتش" لقوانين الأحوال الشخصية، بعد دراسة 447 حكمًا في قضايا الطلاق وحضانة الأطفال والنفقة الزوجية صادرة عن المحاكم الطائفية، أن المرأة في لبنان تتعرض لأشكال مختلفة من الانتهاكات جراء تطبيق قوانين الاحوال الشخصية.
وأوضح التقرير أن عدد هذه القوانين يصل إلى 15، كل منها يطبق على أبناء طائفة معينة. وكخلاصة لهذه الدراسة، قالت المنظمة إن القوانين "لدى جميع الطوائف الدينية تفرض على المرأة حواجز تتخطى ما يمكن أن يواجهه الرجل الراغب في إنهاء زيجة تعيسة أو مسيئة، لجهة بدء إجراءات الطلاق أو لجهة ضمان الحقوق المتعلقة بالأطفال بعد الطلاق، أو لجهة تأمين الحقوق المالية من شريك الحياة السابق".
وأفاد مسح أجري خلال سنة 2016، أن 31 بالمئة من النساء في لبنان تعرضن للعنف من قبل أزواجهن، وأن 24 بالمئة من الرجال قد اعترفوا بأنهم السبب في هذه الظاهرة.
اقرأ/ي أيضًا: مَنح الجنسية اللبنانية.. "ناس بسمنة وناس بزيت"
وقد صرحت مؤسسة أبعاد التوعوية أن امرأة من كل أربع نساء في لبنان تخضع لنوع من الاعتداء الجنسي، في حين تبلغ حوالي 13 امرأة فقط عن اعتداءات جنسية، في مراكز الشرطة كل شهر. وخلال سنة 2002، كشفت دراسة دعمها صندوق الأمم المتحدة للسكان، أن من بين 1415 امرأة تمت مقابلتهن، كان قرابة 35 بالمئة منهن ضحية للعنف المنزلي.
إن ما تعانيه المرأة في لبنان يتضاعف بسبب سيطرة الطوائف على قوانين الأحوال الشخصية
ربما اتخذ لبنان بعض الخطوات الإيجابية خلال السنوات الأخيرة باتجاه حماية حقوق المرأة، ففي عام 2014 أقر البرلمان قانونًا حول العنف الأسري، لكنه احتوى تعريفًا ضيّقا للعنف الأسري ولم يجرّم الاغتصاب الزوجي. وفي عام 2017، ألغى البرلمان المادة 522 من قانون العقوبات، التي كانت تسمح للمغتصبين بالإفلات من العقاب عبر الزواج من الضحية. ولكن تطبيق هذه القوانين لا يأخذ مجراه، وهو مجرد حبر على ورق.
في ظل تقدم دور المرأة اللبنانية في الحياة السياسية والاجتماعية وبروز أسماء سيدات جدد داخل مجلس النواب اللبناني، وتزايد الحديث عن تسليم حقائب وزارية لنساء، تتصاعد الآمال بتشريع قوانين تعطي المرأة حقها، والعمل على إنفاذها، غير أن هذه المعركة لا تبدو سهلة، في ظل وجود دولة مبنية على تحاصص طائفي عميق.