ذهبت المدرسة وجاء الإنترنت، أصبحت المدرسة تتراجع إلى الخلف يومًا بعد يوم، إلى أن أصبحت مجرّد نقطة صغيرة معلّقة في الفضاء كنجمة تظهر وتختفي.
لا أحد ينكر أنّ المدرسة في شكلها التقليدي ستبقى إلى أن يرث الله الأرض وما عليها
لا أحد ينكر أنّ المدرسة، في شكلها التقليدي كحجرات دراسيّة تشرف عليها إدارة تربويّة، ويقدِّم داخلها مدرِّسون دروسهم ورسالتهم التاريخيّة المتعارف عليها من تثقيف وتعليم، وتضطلع بما أصبح يعرف الآن بالتعليم الحضوري؛ ستبقى إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. ولكنّها تآكلت من الداخل ومن الخارج، وتعرّضت لكلّ عوامل الحثّ والتعرية بالمعنى الجيولوجيّ.
اقرأ/ي أيضًا: الـ"سوشيال ميديا" في لحظة جنونها
لم يعد المدرّس مالكًا وحيدًا للمعرفة وفقًا لما يُقال باستمرار خلال حصص التكوين التربويّ، وإنّما أصبح أقرب إلى تمثال يوشك على السقوط، أو راعي أكلت الذئاب كلّ شياهه، وحيدًا أمام الريح، فبدل أن يهشّ على الشويهات أصبح يهشّ على أوهامه وأضغاث أحلامه. إنّه، بجملةٍ أخرى، التمثال الذي أصبح مُربكًا جدًا بعد أن هزمته الحياة، ورغم ذلك لا يزال مُرابطًا في الهامش يحرسُ حصنًا قديمًا لا يحتوي على أي شيء، وهو الحصن الذي كان سابقًا يحتوي على كلّ شيء من قيمٍ أخلاقيّة ومعرفيّة وسلوكات نموذجيّة ورؤى إيجابيّة عن الحياة والمُستقبل.
لقد خاب أمل المعلّم الذي أخذ بيد الجميع، ولم يأخذ بيده أحد. إنّه النوتي الذي كان يجب عليه أن يقود باخرته بشجاعة عالية كي يوصل الجميع إلى برّ الأمان، أو الراعي الذي كان يحمل في يده ألف منظار كي يكشف للجميع معالم الطرق القادمة حتّى لا تتعثّر أقدامهم وحتّى لا تتحطّم آمالهم، وهكذا كانت المدرسة بمثابة الشجرة التي يتّسع ظلّها للجميع حينما تشتدُّ وطأة الشمس في الهجيرة.
الإنترنت يحتل المشهد بأكمله
في البداية جاء الإنترنت ليُعلن اقتراب أفول نجم المدرسة، إذ جاء كمعلّم جديد يفدُ من بعيد، فبضغطة زرّ تجد العالم يأتي إليك صاغرًا، وكلّ ما حلمت بأن تراه سيكون أمامك من خلال ما يسميّه المفكّر الفرنسيّ ميشيل سير بـ"الإصبع الصغيرة" التي يقصد بها الإصبع التي تضغط على رموز وحروف لوحة المفاتيح الموجودة في الحواسيب، ممّا يعني أنّ جميع الأسرار قد أُفشيت، خصوصًا أنّ داخل كل حاسوب توجد مكتبة ومحرّكات بحث تلهث ككلاب سلوقيّة تبحث عن طرائد جديدة. وأمام هذه الشاشات الصغيرة تجد صيادين متحفّزين وجشعين يجلسون جلسة المتربّصين والوشاة.
لقد اصطففنا جميعًا أمام هذه الشاشات كوشاة جُدد، خصوصًا أنّها أصبحت تعوّض السماء التي كانت مصدر إلهام للشعراء والفلاسفة القدماء، إذ إنّ كلّ ما يوجد خارجها أصبح مبتذلًا وقديمًا وغير مقنع، ولا يُثير ذائقة أحد، إن لم أقل شهية أحد. والبون واسع طبعًا بين الشهيّة والذائقة، إذ إنّ ما يبحث عنه الناس هو "الغرابة" بدلًا من الاعتيادي، و"الاستثناء" بدلًا من القاعدة، و"اللامكان" أو اليوتوبيا بدل الواقع.
الماسنجر يهدم عرش الرحلات والأسفار التقليدية
حينما جاء الماسنجر أصبح السفر التقليديّ مجرّد حكاية قديمة تجدها في كتب الرحلات، فلا حاجة للسفر بعد الآن لأنّك أصبحت تُسافر إلى كلّ بقاع العالم دون أن تتحرّك من مكانك. وهذا ما عبّر عنه المشاكس بول فيريليو حينما قسّم تاريخ البشرية إلى ثلاث حقب أساسية بناء على طبيعة السفر، فهذا الأخير تطور عبر التاريخ مُتّخذًا ثلاثة أشكال: الشكل الأوّل يتكوّن من ثلاث مراحل، والشكل الثاني يتكوّن من مرحلتين، أمّا الشكل الثالث فيتكون من مرحلة واحدة. كيف؟
حينما جاء الماسنجر أصبح السفر التقليديّ مجرّد حكاية قديمة تجدها في كتب الرحلات
لقد كان السفر في البداية يتكوّن من ثلاث مراحل هي: أ- الانطلاق. ب- الحركة والتنقل. ج- الوصول. بعد ذلك سيتمّ التخلّي عن الحركة والتنقّل ليصبح السفر قائمًا على الانطلاق والوصول. فالمُسافر عبر الطائرة قد ينام عند الانطلاق ولا يستيقظ إلّا عند الوصول، أي أنّه لا يحسّ بالحركة بل إنّه لا يتنقل ولا يتجشّم متاعب السفر.
اقرأ/ي أيضًا: كيف تؤثر "السوشيال ميديا" على الحقائق؟
أمّا المرحلة الثالثة، ففيها يتمّ اختزال السفر إلى مرحلة واحدة فقط هي الوصول، وذلك من خلال ما يُعرف بتقنية البثّ الحي الذي يتمّ من خلال كاميرات منصوبة في كل بقاع العالم، بحيث تنقلهُ إليك كما هو. وهذا ما يجسّده الماسنجر حينما يمنحك التواصل بالصوت والصورة مع مخاطبك، وبالتالي أصبحت من خلاله قادرًا على رؤية العالم وأنت تجلس في مكتبك داخل غرفتك الصغيرة. لذلك تمّ التخلّي عن السفر بشكله التقليديّ.
يجب أن نتّفق في البداية أنّ السّفر قديمًا كان يمنح فرصًا أخرى للمعرفة والاستكشاف، فابن بطوطة مثلًا أتحف الإنسانيّة بكتابه الشهير "تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" الذي جمع فيه أخبار ترحاله. وحتّى إذا افترضنا بأنّ ابن بطوطة لم يؤلّف أي كتاب، فإنّ أفق معرفته قد اتّسع، ورؤيته للحياة والوجود قد تغيّرت برؤيته لأناس كثيرين وبقع جغرافيّة مُختلفة من الأرض. ورحلة أحمد ابن فضلان إلى شمال أوروبا ألهمت الروائي الأمريكيّ مايكل كرايتون كي يكتب رائعته الشهيرة "أكلة الموتى" التي سمحت بمعرفة عادات أهل الشمال، والغوص في متخيّلهم الثقافيّ خاصًّة خوفهم من الرقم 13.
لكن الماسنجر جاء ليهزم كلّ الرحّالة، مانحًا لكلّ الكائنات الإنسانيّة إمكانيّة رؤية العالم عن قرب دون الاضطِّرار للاستماع لدزّينة من الجمل والعبارات التي تشرح طباع وأشكال الثقافات في بقعة جغرافيّة، وهذا يعني بشكلٍ ما أنّه معلّم جديد.
الفيسبوك: أصدقاء بالجملة... أصدقاء كأثاث البيت
لو عاد الفيلسوف أرسطو للحياة فسيشفق لحال نفسه، فالمسكين تحدّث كثيرًا عن أهمّية الصداقة والأصدقاء بعمق في كتابه "الأخلاق إلى نيقوماخوس" الذي اعتبر فيه أنّ انتشار الصداقة داخل المجتمع سيقضي على الخصومات، ولذلك لن يحتاج الناس لعدالة القوانين، بما أن عدالة المحبة ستكون هي السائدة، خاصّةً أنّ القوانين لا تقضي على الخصومات، بل هي تؤجّجها أحيانًا، فطيلة مراحل الحياة يحتاج الإنسان لأصدقاء، حيث يحتاج إليهم في الشباب للاسترشاد والحصول على النصيحة، أي المعرفة بشكلٍ ما. وفي الشيخوخة يحتاج إليهم كي يستعين بهم على الوهن والضعف.
طيلة مراحل الحياة يحتاج الإنسان لأصدقاء، حيث يحتاج إليهم في الشباب للاسترشاد والحصول على النصيحة، أي المعرفة بشكلٍ ما
لكن الآن انتشر مفهوم جديد للصداقة، فالأصدقاء الافتراضيون الأشباح تجد غالبهم بأسماء مُستعارة ومفبركة تتوخّى انتحال شخصيّات علميّة وأدبيّة. ولذلك بعد أن كان الإنسان يمتلك عشرة أصدقاء أو أقلّ يستطيع من خلالهم الحصول على المعرفة والخبرة من خلال استفسارهم عن السبل للخروج من مطبّات الحياة، أصبح يُدجِّجُ نفسه بآلاف الأصدقاء الذين لا يختلفون عن تماثيل في ساحة واسعة. والُمضحك والمؤسف أيضًا في كل هذا هو أنّ الصداقة انتشرت بشكلٍ كبير، وبالموازاة أيضًا ارتفعت أعداد الخصومات، رغم ذلك فالفيسبوك هو وسيلة جديدة لتحصيل المعرفة شئنا أم أبينا، ومن الممكن أن تتحوّل إلى أخبار غير صحيحة وإشاعات وأغاليط للاستبلاد والاستغفال لا أكثر ولا أقلّ.
اقرأ/ي أيضًا: وسائل التواصل الاجتماعي..هل توصل إلى الشك بالذات؟
اليوتيوب كمؤرخ ما بعد حداثي
لقد عوّض اليوتيوب كلّ المؤرخين، كما أنّه تجاوز الدور التقليديّ للمؤرخ، فبعد أن كان الأخير يتتبّع كلّ حركات وسكنات الأمراء القدماء، أصبح اليوتيوب يتتبّع حركات وسكنات كلّ كائن إنسانيّ يدبّ فوق الأرض، الأمر الذي سيجعل ابن خلدون - لو عاد طبعًا - يراجع قناعاته حول التاريخ وطريقة كتابته حينما اعتبر في كتابه الشهير "مقدّمة ابن خلدون" أنّ التاريخ لا يجب أن يهتمّ بالغثّ والسمين من الأحداث، بل السمين منها فقط، في إشارة إلى الأحداث المهمّة والرئيسية.
كما اعتبر أنّ التاريخ يهتمّ بتاريخ النخبة من الناس وليس المهمّشين منهم، أي رجالات العصر الأساسيين وليس حثالة القوم مثلما نجد في اليوتيوب. لذلك فالمعرفة التاريخية التي كانت تمنح إمكانية معرفة أحوال الناس لأخذ العبرة منهم من خلال قياس اللاحق على السابق من الأحداث، أصبح اليوتيوب يتيحها ولكن بصفة سطحيّة وهشّة عن أناس لا خبرة لهم في الحياة، ويسمح بتتبّع التفاهات في كل بقاع الكون، مع استثناء بعض النماذج الجادة، وهي قليلة جدًا. هذا يعني أنّ اليوتيوب أصبع معلمًا ومربيًّا جديدًا لا يمكن الاستغناء عنه، وهو معلّم يُضاف إلى المعلّمين الآخرين الذين يصولون ويجولون الآن.
الانستغرام.. الصورة قبل المفهوم
دائمًا كنت أتساءل عن الجدوى من الانستغرام؛ ما الجدوى من هذا الفيض العارم من الصور التي لا تحصى؟
كنت دومًا أتذكّر الفيلسوف الفرنسيّ جيل دولوز وتمييزه بين المفهوم والصورة. طبعًا دولوز كان يقصد خلخلة القالب التقليدي للمفهوم، لتصبح الصورة شكلًا متقدّمًا للمفهوم. وهو ما تمّ تناوله في كتب كثيرة اشتغلت على فكر هذا الفيلسوف. ولكنّ صعود الصورة بشكلٍ كبير سطَّح هذه المقاربة التاريخيّة ومنحها وجهًا بشعًا. وطبيعي جدًا أن يكون هذا جزء من النقاشات التي تحاول أن تقترب من الأسباب التي تقف وراء تقدم بعض المجتمعات وتخلّف مجتمعات أخرى، فالمجتمعات "العالمثالثية" تقبع في خانة عميقة من التخلّف نتيجة اهتمامها بالصورة على حساب المفهوم، وهذا ما يظهر في الواقع، فالأفراد في المجتمعات العربيّة خاصّة تغصّ أذهانهم بالصور بدل المفاهيم، وما حدث هو أنّ المفاهيم اختفت واختبأت في السراديب والمكتبات، أليس هذا هو الحال الآن؟
إنّ ثقافة الظهور والمظهر و"اللوك" و"السيلفي" جعلت المفاهيم تنكسر وتتهشّم جنباتها، وهذا تعبير صارخ عن صعود نجم أشخاص تافهين ليسوا في الختام سوى مجموعة من الصور، وأفول نجم أشخاص هم العلماء والباحثون بشكلٍ عام، والمعلّمون بشكلٍ خاص، أولئك الذين هم بمثابة حرّاس لغرف المفاهيم وكلّ الأشكال المعرفيّة التي تفيد الأفراد والمجتمع، فكل كائن إنسانيّ يشتغل على مظهره قبل ذهنه.
إنّ ثقافة الظهور والمظهر و"اللوك" و"السيلفي" جعلت المفاهيم تنكسر وتتهشّم جنباتها، وهذا تعبير صارخ عن صعود نجم أشخاص تافهين ليسوا في الختام سوى مجموعة من الصور
وكنتيجة لكلّ هذا، نجد أنّ المجتمعات المتقدّمة بنت المفاهيم والعقول، في حين أنّ المجتمعات المتخلفة تركت الباب مشرعًا أمام المتزلّفين والمرائين والمدلسين ومزوري السير الذاتيّة الذين يسعون إلى تحسين صورهم في كلّ المرايا، ما خفي منها وما ظهر. وهذا بنظري ما يتيحه الانستغرام، إذ إنّه يتيح تلميع صور بعض الأشخاص المزيفين وتضخيم مكانتهم داخل المجتمع على حساب أناس حقيقيين، جادين، وممتلئين يتمّ تقزيم أدوارهم ومكاناتهم، وهذا يعني ببساطة أنّ الانستغرام هو معلّم آخر لا يمارس عمله داخل المدرسة، بل إنّ عمله يتمّ خارجها وضدّها.
تويتر كعالم أشباح يلاحقنا
إنّه عالم أشباح بامتياز، فيه نتعلّم كم نحن تافهون وحسيرو النظر، بحيث نكاد لا نرى أي شيء. عالم يعيد من جديد مفهوم الغابة القديم، حيث القوي يأكل الضعيف، ففيه من الازدحام ما يجعلنا أمام غابة حقيقية، بدل هذه الغابات الاصطناعية المستنبتة على عجل، والتي تخلو من الحيوانات التي لم نعد نراها أبدًا.
اقرأ/ي أيضًا: الإعلام كأداة ابتزاز للديمقراطية
في عالم "التويتر" نتعلّم الأحجام والمسافات والأوزان، فهناك كائنات كبيرة الأحجام، وأخرى متوسطة القدّ، وثالثة بدون أحجام، أو هي بأحجام صغيرة تكاد لا ترى بالعين المجردة. تجد بداخله كائنات بأوزان ثقيلة، وثانية بأوزان متوسطة، وثالثة بدون وزن تقريبًا، فكلّ ما يوجد قريبًا منك هو في الواقع بعيد بعد السماء عن الأرض إلى الحدّ الذي يصبح فيه غير مرئيّ، ولذلك فكلّ كائن إنسانيّ أصيب بالغرور يمكن لك أن ترسله إلى تويتر كي يتعلّم الأحجام والأوزان والمسافات، هناك سيعرف حجمه ووزنه التافهين.
الواتساب كمرآة معاصرة تظهر كل شيء
يُعتبر "الواتساب" بمثابة العدّاء الفائز في كلّ أصناف المارثون عبر كلّ العصور، إذ نتعلم فيه الجري وراء السراب، دونما أن نشعر بشكلٍ جازم بأنّنا لن نجد أمامنا أي شيء، لذلك سنكون قد تعلّمنا الصبر. صحيح أنّ الواتساب يتيح تبادل المعارف والوثائق بشكل فوري وآني، لكنّه خلق ثقافة مريعة من الكسل، حيث تتعلّم داخل أرجائه كيف تصبح كسولًا أصيلًا بما أنّك لا تفعل أي شيء طيلة الوقت سوى انتظار إفادات الآخرين، بالإضافة إلى أنّه، باعتباره مجانيًّا، يقدّم صورة أخرى عن الغلاء الفاحش. لا شيء مجانيّ يا عزيزي، فالواتساب يسرق منك وقتك بأرخص الأثمان، ولا شيء تناله مقابل الوقت الذي أضعته بين جنباته، خاصّةً أنّ الوقت أثمن شيء يمتلكه الإنسان، لأنّه في الختام هو حياته نفسها وقد تحوّلت إلى أقساط صغيرة رخيصة الثمن، وبالتالي هذه الحياة التي يتم تبذيرها بشكل مستهتر وغير عقلانيّ.
وقد جعل "الواتساب" الأسرة كمدرسة أولى تفقد دورها التقليديّ والتاريخيّ المتمثّل في مراقبة الأبناء، فالأب أصبح مجرد فزّاعة تسكن البيت بدلًا من الحقول، إذ لم يعد ذلك الرقيب المكلّف بتقويم الألسن وتوضيب السلوكيات، كما لم يعد ذلك البنّاء المسؤول عن بناء جدران البيت أو على الأقل ترميمها، حيث إنّ هذه الجدران قد سقطت تمامًا، لقد هدمها الواتساب، فلا جدران بعد الآن.
يُعتبر "الواتساب" بمثابة العدّاء الفائز في كلّ أصناف المارثون عبر كلّ العصور، إذ نتعلم فيه الجري وراء السراب، دونما أن نشعر بشكلٍ جازم بأنّنا لن نجد أمامنا أي شيء
مقولة "البيوت أسرار" ستنقرض بشكل حتميّ، سواء عاجلًا أو آجلًا، وهذا يذكّرني بسؤال مدير مصنع الأجنة في رواية "عالم شجاع جدًا" للروائيّ ألدوس هكسلي، وهي رواية مرعبة عن عالم سينتصر فيه العلم، وستختفي فيه المشاعر والعواطف، بحيث سيتم تفريخ الأجنّة داخل القوارير في مصنع كبير مخصص لهذا الغرض: "تعلمون ماهي اللغة البولندية! أليس كذلك؟" ليجيبه الطلاب: "لغة ميتة"، ليسأل المدير مرة أخرى: "مثل الوالد؟"، أي أنّ المجتمعات المعاصرة ستفتقد فيها الأسر للوالد في كل تمثلاته، وهذا يعني أنّ الأجيال القادمة لن تعرف أي شيء عن وظيفة الأب التاريخيّة المتمثّلة في التربيّة، مثلما سيجعلها تبحث عن معلّمين جُدد بعد أفول نجم المعلم التقليديّ.
اقرأ/ي أيضًا: غوغل.. الأخ الأكبر الجديد
ولكن هل يتنازل المعلّم الحقيقيّ عن أدوراه لهؤلاء الأنداد؟ وهل يمكن للإنسانية أن تتخلّى عن المدرسة الاعتيادية؟
اقرأ/ي أيضًا: