في الثامن عشر من أيار/مايو 2005، أي قبل أكثر من عشر سنوات، أقدمت امرأة أمريكية من أصول أفريقية، اعتنقت الإسلام بمحض إرادتها، على إمامة الرجال والنساء في الصلاة، في نيويورك بالولايات المتحدة. كانت أمينة ودود، المثقفة والأكاديمية المتخصصة في حقل الدراسات العربية والإسلامية، وأكثر النسوْيّات الإسلاميات شهرةً في العالم، وأشدهن جرأة.
الكتاب الأهم في مشروع أمينة ودود هو القرآن والمرأة: إعادة قراءة النصّ المقدّس من منظور المرأة (1992). تقوم منهجية أمينة على هرمنيوطيقا، أو تأويلية، نسوْيّة، تتحدى "السلفيات الغالية (Ultraorthodoxes) التي تحتكر تفسير النصوص". بالنسبة إليها، توجد ثلاثة أقسام فيما يتعلق بتفسير مكانة المرأة في القرآن: التفسير التقليدي (Traditional)، والتفسير الارتكاسي المضاد (Reactive)، والتفسير الشمولي أو الهولستي (Holistic). ويقوم الأول على "المقاربة الذرية" (The atomistic approach) للنصّ، من حيث العناية بـ"مفردات" النصّ، ومعانيه الظاهرية، أو الجزئية. ويعبِّر الثاني عن رجعية مضادة تُعيد كافة الأزمات القرائية التي تطال المرأة إلى النصّ وليس التفاسير التي لحقت به. بينما يشتغل الثالث، الذي هو منهج أمينة ودود، على نحو مغاير تمامًا لسابقيه.
الكتاب الأهم في مشروع أمينة ودود هو القرآن والمرأة: إعادة قراءة النصّ المقدّس من منظور المرأة
تقول أمينة: "أحاول أن أستخدم منهج التفسير القرآني المقترح من قِبَل [المفكر الإسلامي الباكستاني] فضل الرحمن [صاحب كتاب: المسائل الكبرى في القرآن الكريم (1979)]، وهو يشير إلى أن جميع الفقرات (الآيات) القرآنية قد نزل بها الوحي من حيث هي في زمان معين في التاريخ وفي بعض الظروف العامّة والخاصّة، وأنها جاءت تعبيرًا متعلقًا بتلك الظروف". باستخدام منهجية التفسير القرآني هذه، أي من خلال "قراءة القرآن بالقرآن"، يتم التعاطي مع الآيات في سياقها، أولًا، ثم في سياق المناقشات المتعلقة بقضايا مماثلة في القرآن، ثانيًا، وفي ضوء اللغة المماثلة والبنى الصرفية المستخدمة في القرآن، ثالثًا، وفي ضوء المباديء العامة الموجهة للقرآن، رابعًا، ومن خلال سياق النظرة القرآنية الشاملة للعالم والقائمة على التوحيد والهدي والمسؤولية الفردية والاخلاقية، خامسًا. تنتهي هذه القراءة، أو تلك المنهجية التأويلية النسوْيّة، إلى المساواة المطلقة بين الجنسين، أو العدالة الجندرية في الإسلام، وعدم وجود أي تمييز أو اختلاف أنطولوجي بين الرجل والمرأة من منظور القرآن.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم ماستانج.. رصد أنوثة تركيا وترجمتها
نلاحظ في هذه المنهجية تشديد أمينة، وغيرها من النسوْيّات الإسلاميات، كأسما برلاس ورفعت حسن، الباكستانيتين، على علويّة النصّ القرآني بما يؤدي أحيانًا إلى نقد المصادر غير القرآنية. تقول صاحبة الوجه النسوْيّ الإسلاميّ الأبرز: "لن أسلم أبدًا بأن المساواة بين النساء والرجال التي أثبتها القرآن، يمكن أن تكون قد استغلت من قِبَل النبي. فإذا كان هذا التناقض موجودًا [بين القرآن والسنة]، فإنني أختار أن أكون إلى جانب القرآن".
وتقول أيضًا: "لقد تعلمت الإسلام من القرآن، وحين رأيت حولي ممارسة النساء لهذا الدين قلت لنفسي إن ذلك لن يكون هكذا بالنسبة لي. لقد شرعت في البحث؛ فخلال أربعة عشر قرنًا لم يكتب حرف واحد حول التفسيرات النسائية للنصوص الدينية. وواقع الحال، أن في القرآن من آيات العدالة الاجتماعية المتعلقة بالنساء قدرًا كبيرًا أكبر بكثير من تلك الخاصّة بأي نوع آخر من أنواع العدالة".
تقول أمينة ودود: "لقد تعلمت الإسلام من القرآن، وحين رأيت حولي ممارسة النساء لهذا الدين قلت لنفسي إن ذلك لن يكون هكذا بالنسبة لي
سوف تقوم أمينة ودود، المولودة في الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر من العام 1952، والحاصلة على شهادتها للدكتوراه في الدراسات العربية والإسلامية من جامعة ميتشيغان في العام 1988، مرّة أخرى بإمامة صلاة مشتركة من الرجال والنساء في قاعة مؤتمرات في أوكسفورد بإنجلترا، في السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر من العام 2008.
يوجد تعريف جيّد بأمينة ودود وقريناتها في الولايات المتحدة وأوروبا، وفي بعض البلاد الإسلامية، لكن لا يبدو أن لأعمالها أي صدى يُذكر في المنطقة العربية. لهذا، يأتي كتاب البروفيسور الأردني، فلسطيني الأصل، فهمي جدعان خارج السرب: بحث في النسوْيّة الإسلامية الرافضة وإغراءات الحرية (2010)، كتعريف مهم بتلك المدرسة.
وهو الكتاب الذي استفدت منه كثيرًا في كتابة هذه المقال وفي تجميع الاستشهادات التي أوردتها فيه، وقد تعرّفتُ منه، بشكل موسّع، على كتابات مجموعة متباينة من "النسوْيّات الإسلاميات". وإن كان لي أن آخذ عليه شيئًا بخصوص كلامه عن أمينة ودود، فهو عدم إيراده "المصادر الفكرية غير الإسلامية" لأمينة، من قبيل كتابات النسوْيّة السوداء أودري لورد (1934-1992) التي أخذت منها أمينة مفهوم "التعددية الجذرية" (Radical pluralism).
اقرأ/ي أيضًا:
دفاعًا عن غادة السمان
في بيتنا كاتبة
لطيفة الزيات.. عشرون عامًا على الرحيل