في كتاب صدر مؤخرًا، يكشف الدبلوماسي الأمريكي فريدريك هوف عن جزء من تفاصيل المفاوضات بين إسرائيل ونظام الأسد، في أعوام 2009- 2011، خاصةً تلك المرتبطة بالجولان السوري المحتل، الذي أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو إمكانية إعادته إلى سوريا، مقابل صفقة سلام جدية مع نظام الأسد، يلتزم بموجبها بالمساهمة في قطع علاقته مع إيران وحزب الله وحركة حماس. والكتاب الذي جاء بعنوان "الوصول إلى المرتفعات: القصة الخفية للمحاولة السرية للتوصل إلى سلام سوري- إسرائيلي"، صدر عن معهد الولايات المتحدة للسلام في نيسان/أبريل 2022، ويقدم فيه هوف الذي شغل منصب المبعوث الأمريكي للسلام بين سوريا وإسرائيل، شهادته عن المفاوضات التي كان وسيطًا فيها.
يكشف الدبلوماسي الأمريكي فريدريك هوف عن تفاصيل المفاوضات بين إسرائيل ونظام الأسد، في أعوام 2009- 2011، خاصة تلك المرتبطة بالجولان المحتل
يشير الكتاب إلى أنه ما بين صيف وخريف 2010، اكتسبت المفاوضات التي رعتها واشنطن زخمًا كبيرًا إلى الدرجة التي وصلت إلى الاتفاق على إمكانية أن تقدم الولايات المتحدة مسودة معاهدة السلام إلى دمشق وتل أبيب، وأن تقوم بعملية نقل النص بينهم من أجل المراجعة والتعليقات. وهو مؤشر على أن الاتفاق وصل إلى مراحل متقدمة، فالنقاشات الأساسية في بداية عام 2011 كانت مرتبطةً بترسيم الحدود بين سوريا وإسرائيل، وكانت الجزئية العالقة في المفاوضات، هي خلاف على ترسيم الحدود في منقطة الجزء الشمالي من بحيرة طبريا.
لكن القلق الأساسي من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي كان مرتبطًا بالتطورات الإقليمية، خاصةً مع بداية الثورات العربية التي لم تكن قد وصلت إلى سوريا بعد، حيث طالب بأن يقوم النظام السوري بإعادة الاصطفافات التي يتخذها مبتعدًا عن إيران وحزب الله وحركة حماس، وأن يقوم بتصفية أي إمكانية لتهديد أمني تجاه إسرائيل. لذلك، طالب واشنطن بإرسال مبعوث إلى سوريا للتأكد من نية الأسد أن يقدم هذه الخطوات مقابل السلام مع إسرائيل، وما يترتب عليه من رفع عقوبات أمريكية على سوريا.
ويذكر هوف في كتابه معلومات حول مقترحات عملية تم تقديمها لترسيم الحدود. كما تبع ذلك حديث مع نتنياهو ودمشق عبر وزير الخارجية السابق وليد المعلم، حيث يشير الكتاب إلى أن نتنياهو أظهر نيةً لإعادة الجولان السوري المحتل إلى سوريا من أجل إتمام عملية التسوية، وذلك بعد حديث بين وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ومستشار نتنياهو للشؤون الخارجية يتسحاق مولشو، الذي أبرز قبولًا إسرائيليًا بإمكانية الانسحاب الكامل من الجولان كثمن لصفقة السلام. مع ذلك أعرب عن مخاوفه من عدم التزام النظام السوري بالصفقة. وكانت كلينتون راغبةً بالتأكد من جدية نتنياهو وعدم تراجعه في حال أبدى النظام السوري التزامه بالصفقة. حيث أعقبت المكالمة الهاتفية بين كلينتون ومولشو، مهاتفة بينها وبين نتنياهو، اقتنعت عقبها أن نتنياهو ملتزم بالعملية السياسية رغم تشكيكه بالتزام الأسد.
ويشير هوف إلى أنه عقب هذا التواصل، أجرت كيلنتون تواصلًا جديدًا مع المعلم، عرضت فيه جدية نتنياهو، فيما أكد المعلم استعداد الأسد للتوصل إلى اتفاق، وعمل على ترتيب مكالمة بينها وبين رئيس النظام السوري في 23 شباط/فبراير 2011، اُتفق فيها على لقاء بين الأسد وهوف، وأكدت فيها على جدية إسرائيل في التوصل إلى اتفاق. فيما عقدت صلةً واضحة بين التوصل إلى اتفاق بين دمشق وتل أبيب، ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا وتقديم المساعدات والتشجيع على التبادل التجاري. أما الأسد فقد أكد مجددًا على جديته ورغبته القوية بالتوصل إلى اتفاق، وأعرب عن أمله أن يزور الرئيس الأمريكي حينها باراك أوباما سوريا ذات يوم.
وبيّن هوف أن الدبلوماسي الأمريكي والمبعوث السابق للسلام في الشرق الأوسط دنيس روس، قام بإعداد مسودة الاتفاق، وكانت فحوى الاتفاقية تقوم على التزام الطرفين بالامتناع عن التهديد بالقوة أو استخدامها بشكل مباشر أو غير مباشر ضد بعضهما البعض، وأن تتم تسوية كافة الخلافات بين الطرفين بالطرق السلمية. إضافة إلى ذلك، أن يحظر الطرفان أي أنشطة من قبل رعاياهما أو أي طرف آخر يسعى لإلحاق الأذى بأطراف الاتفاق، عطفًا على عدم السماح بنقل الأسلحة من سوريا إلى لبنان، وأن تشترك سوريا وتل أبيب في دعم عملية السلام العربي مع إسرائيل ودعم الاتفاقيات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ولبنان وإسرائيل.
لم يحظ نشر الكتاب بمتابعة من وسائل الإعلام الإسرائيلية، باستثناء صحيفة "جيروزلم بوست"، التي توجهت بالحديث إلى مصدر مقرب من رئيس المعارضة الإسرائيلية حاليًا بنيامين نتنياهو، والذي قلل من أهمية ما نشر في الكتاب. المصدر الذي لم تسمه الصحيفة قال أيضًا "ما يهم أن نتنياهو لم يتخل عن شبر واحد، وأزال الحديث عن دولة فلسطينية من جدول الأعمال الدولي، ووقع على أربع اتفاقيات سلام مع دول عربية، وجعل إسرائيل دولة عظمى" على حد وصفه، فيما لم يفوت الفرصة لشن هجوم سياسي على رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت ووزير الخارجية يائير لابيد، قائلًا: "لقد أعادوا عباس ليكون نجمًا دوليًا".
من جانبه قال يوسي بيلين، واحد من أبرز المساهمين في اتفاقيات أوسلو، إن قصة هوف تثبت أن نتنياهو إذا ما أراد إنكار استعداده للانسحاب فهو يكذب، مشيرًا إلى تطابق ما نقله هوف في كتابه عن مستشار نتنياهو مولشو، مع ما كتبه دنيس روس نقلًا عن رئيس المؤتمر اليهودي الأمريكي رون لودر. وأشار بيلين أن شهادة هوف مهمة، ويجب انتقاد نتنياهو بشأن تراجعه عن المفاوضات. فيما مدح عضو الكنيست عن حزب ميرتس موسي راز نتنياهو بشكل نادر كما قالت الصحيفة، عندما قال "كان نتنياهو على حق"، مضيفًا أن تحقيق السلام مع سوريا هو الشيء الصحيح، ومستقبلًا عندما يكون هناك نظام شرعي في سوريا، فسيكون من الصواب التوصل معه إلى اتفاق سلام على أرضية المبادرة العربية للسلام.
يشير الكتاب إلى أن نتنياهو أظهر نيةً لإعادة الجولان السوري المحتل إلى سوريا من أجل إتمام عملية التسوية مع النظام السوري
أما عضو الكنيست عن الحزب الصهيوني الديني سيمشا روثمان، فقد قلل من أهمية ما ورد في الكتاب، وقال إنه "عند كل إجراء معادٍ للصهيونية من قبل الحكومة الحالية، نسمع عن نتنياهو وماذا كان يريد فعله"، مضيفًا "في الحكومة اليمينية الأخيرة (يقصد حكومة نتنياهو) اعترفت أمريكا بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان". يذكر أن صحيفة "يسرائيل هيوم" كانت قد كشفت قبل شهرين، عن أن نتنياهو أطلق مبادرةً للتطبيع مع النظام السوري، بالشراكة مع دول عربية من أجل إعادة الاعتراف به وإخراج إيران من سوريا. حيث قدم نتنياهو "خطة تبييض" للأسد في لقاء قبل 3 سنوات بين روسيا وإسرائيل وأمريكا، فيما أوقفها نفتالي بينيت خوفًا من نشوء وضع تخسر فيه إسرائيل، بحيث تكون ساهمت في تطبيع العلاقات مع الأسد وبقاء إيران في سوريا.