تُعد الولايات المتحدة ثاني أفضل دول قارة أمريكا الشمالية على مستوى المشاركة في كأس العالم لكرة القدم، حيث يستعد منتخبها في تشرين الثاني/نوفمبر القادم لتسجيل حضوره الـ 11 في مونديال قطر 2022 رفقة ثلاث منتخبات من اتحاد "الكونكاكاف" قد ضمنت تأهلها هي، كندا، وكوستاريكا، والمكسيك الأكثر تواجدًا في النهائيات العالمية (17 مرة).
ورغم أنها لا تحظى بالشعبية الأكبر في البلاد، إلا أن كرة القدم عرفت تطورا ملحوظا في العقدين الأخيرين متأثرة في تدخل رؤوس الأموال الكبيرة واستثمارهم في أندية الدوري الأمريكي "MLS"، واستقطابهم لنجوم عالميين أمثال الإنجليزي ديفيد بيكهام في فترة من الفترات، ومن لحقه كالسويدي زلاتان إبراهيموفيتش، والفرنسي تييري هنري، وواين روني، ومؤخرا المدافع الإيطالي الكبير جورجيو كيليني.
ومن المتوقع أن يكون المنتخب الأمريكي خصما ليس بالسهل على باقي خصومه، في مجموعة تعتبر الحظوظ فيها متساوية للجميع في التأهل منها وبلوغ دور الـ 16 من البطولة، فإذا ما اعتبرنا أن إنجلترا صاحبة الكعب الأعلى في المجموعة، فإن المستوى متقارب جدا بين "اليانكيز" وإيران وويلز.
الطريق إلى قطر 2022
في طريقه إلى قطر 2022، خاض منتخب الولايات المتحدة الأمريكية 14 مباراة، نجح في الفوز بـ7 مباريات، وتعادل في 4، وتكبد 3 هزائم، وسجل خلال التصفيات 21 هدفًا، بينما تلقت شباكه 10 أهداف، ليحتل المركز الثالث بـ 25 نقطة متقدما بفارق الأهداف عن منتخب كوستاريكا الذي حل رابعا.
بدأت الولايات المتحدة تصفيات "الكونكاكاف" من الدور الثالث باعتبارها من بين الخمس الأعلى تصنيفا في اتحاد أمريكا الشمالية، إلى جانب كل من، المكسيك، كوستاريكا، جامايكا، وهندوراس.
لعبت الولايات المتحدة أول مبارياتها في التصفيات يوم 3 أيلول/سبتمبر 2021 ضد السلفادور في "كوسكاتلان" وانتهت تلك المباراة بالتعادل السلبي، قبل أن تستقبل على أرضها منتخب كندا الذي فاجأ الجميع وفرض التعادل بهدفٍ لمثله على أبناء العم سام وخرج بنقطة ثمينة.
وعقب تعادلين وضع المنتخب الأمريكي نفسه على طريق الانتصارات وهزم مضيفه الهندوراسي بأربعة أهداف لواحد في الجولة الثالثة، ثم تغلب على خصمه الجامايكي بهدفين نظيفين على ملعب "أوستن إف سي" في ولاية أوستن، لتشهد الجولة الخامسة أول خسارة لأمريكا في التصفيات حين سقطت أمام بنما بهدفٍ دون مقابل على أرض ملعب "روميل فيرنانديز" في العاصمة بنما سيتي.
في الجولة السادسة حققت الولايات المتحدة فوزا مهما على ضيفتها كوستاريكا بهدفين لواحد، ثم جاء الانتصار الأهم على المكسيك بهدفين نظيفين في الجولة السابعة، فرحة تجاوز منتخبين قويين بالعلامة الكاملة عكرها بعض الشيء التعادل أمام جامايكا بهدفًا لمثله، الأمر الذي عوضه المنتخب الأمريكي في الجولة التاسعة بتغلبه على نظيره السلفادوري بهدف أنتوني روبينسون.
وفي الجولة العاشرة رحل المنتخب الأمريكي إلى مدينة أونتاريو لملاقاة مضيفه الكندي، وكانت الخسارة الثانية لرجال المدرب غريغ بير بهدفين نظيفين هي النتيجة النهائية لتلك المواجهة، التي أعقبها مباراة أخرى تداركت بها أمريكا الموقف وتغلبت على الهندوراس بثلاثة أهداف دون رد، قبل أن تتعادل مع المكسيك بدون أهداف في الجولة الثانية عشر.
الجولة ما قبل الأخيرة عرفت انتقام الولايات المتحدة من بنما التي ألحق بها الهزيمة الأولى في مرحلة الذهاب، وألحقت بها هزيمة قاسية بعدما أمطرت شباكها بحمسة أهداف لواحد، في مباراة تألق فيها كريستيان بوليسيتش لاعب نادي تشيلسي الإنجليزي بتسجيله ثلاثة أهداف "هاتريك".
المنافسة على التأهل للنهائيات والملحق العالمي انحصرت بين منتخبات الولايات المتحدة والمكسيك وكوستاريكا قبل الجولة الأخيرة، حيث ضمنت كندا التأهل، في حين خرجت منتخبات بنما وجامايكا والسلفادور وهندوراس من دائرة المنافسة.
المنتخب المكسيكي أنجز المهمة وبلغ النهائيات العالمية عقب انتصاره على على نظيره السلفادوري بهدفين نظيفين، وانتزع المنتخب الأميركي بطاقة التأهل المباشر إلى المونديال، رغم الهزيمة أمام مضيفه الكوستاريكي الذي كان بحاجة إلى الفوز بفارق أكثر من 6 أهداف لخطف المركز الثالث، لكنه استطاع الوصول إلى قطر بالنهاية من بوابة الملحق العالمي.
مشاركات عديدة ونتائج مخيبة
لم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية رغم وصولها المتكرر إلى نهائيات كأس العالم أن تترك بصمات واضحة، باستثناء نسختي 1930 و2002، أما باقي المشاركات انتهت بخيبات كبيرة أسوأها في أعوام 1990، و1998، و2006.
المنتخب الأمريكي كان حاضرا في أول مونديال عام 1930 بالأوروغواي، حينها تغلب في المباراة الافتتاحية على نظيره البلجيكي بثلاثة أهداف دون مقابل، ثم هزم منتخب باراغواي أيضا بثلاثية نظيفة حملت توقيع لبيرت باتينود الذي بات أول لاعب في تاريخ كأس العالم يُسجل ثلاثية في النهائيات.
الولايات المتحدة تأهلت إلى الدور نصف النهائي في تلك النسخة لكنها خسرت أمام الأرجنتين بستة أهداف لهدف وودعت البطولة في المركز الثالث، ليبقى هذا الإنجاز الأكبر لها في تاريخها المونديالي.
في نسخة 1934، واجهت الولايات المتحدة مستضيفة البطولة إيطاليا في أول مباراة لها، وتلقت هزيمة قاسية بسبعة أهداف لهدف لتودع البطولة مُبكرا، وتُكمل إيطاليا طريقها في المونديال وتحقق اللقب الأول لها في النهاية.
الظهور الثالث للمنتخب الأمريكي في نهائيات كأس العالم جاء بعد التوقف الذي تسببت به الحرب العالمية الثاني، في مونديال 1950 بالبرازيل، لعب المنتخب أولى مبارياته ضد نظيره الإسباني وخسر بثلاثة أهداف لواحد، قبل أن يُحقق مفاجأة كبيرة بتغلبه على منتخب إنجلترا بهدف جو جايتغنز في مباراة أطلق عليها الأمريكان في ما بعد اسم "المعجزة على العشب"، مغامرة الولايات المتحدة في مونديال البرازيل توقفت بعد الهزيمة من تشيلي بخمسة أهداف لاثنين، لتتوقف بعد ذلك مشاركاتها عن نهائيات كأس العالم لأربعة عقود.
العودة كانت في مونديال إيطاليا 1990 عندما وقعت في مجموعة تضم منتخب البلد المضيف وتشيكوسلوفاكيا والنمسا، المنتخب الأمريكي سقط في أول مباراة أمام تشيكوسلوفاكيا بخمسة أهداف لواحد، ثم أمام إيطاليا بهدفٍ وحيد، وأخيرا على يد النمسا بهدفين لهدف، ليخرج من البطولة بدون تسجيل أي نقطة وأسوأ خط دفاع بعد تلقي شباكه 8 أهداف.
عام 1994 احتضنت الولايات المتحدة الأمريكية النهائيات العالمية على أراضيها وترأست المجموعة الأولى التي ضمت أيضا رومانيا، وسويسرا، وكولومبيا. في الافتتاح تعادلت الولايات المتحدة مع سويسرا بهدفٍ لمثله، ثم انتصرت على كولومبيا بهدفين لواحد في مباراة سجل المدافع الكولومبي أندريس إسكوبار هدفا في مرماه، كلفه حياته لاحقا، إذ أقدم ثلاث أشخاص على إطلاق النار عليه في 2 يوليو/تموز من نفس العام وأردوه قتيلا، معتبرين أنه المسؤول عن خروج منتخب بلادهم من المونديال.
أمام رومانيا خسر المنتخب الأمريكي بهدفٍ دون مقابل لكنه بلغ دور الـ 16 كأفضل المنتخبات التي احتلت المركز الثالث، لتصطدم مُجددا مع المنتخب الذي سيتوج باللقب، وتخسر من البرازيل بهدف المهاجم بيبيتو الذي وضع حدا لمغامرة أصحاب الأرض.
في مونديال فرنسا 1998، خيبت الولايات المتحدة آمال مناصريها وودعت المنافسات من الدور الأول بعد ثلاث هزائم أما كل من، ألمانيا (0ـ2)، وإيران (1ـ2)، ويوغسلافيا (0ـ1)، لتعود في مونديال 2002 وتُسجل حضورًا مميزًا بدأته بالفوز على البرتغال بثلاثة أهداف لاثنين، ثم تعادلت مع كوريا الجنوبية بهدفٍ لمثله، قبل أن تنهزم أمام بولندا بثلاثة أهداف لواحد.
الخسارة أمام بولندا لم تمنع المنتخب الأمريكي من التأهل إلى دور الـ 16 الذي فاز فيه على جاره المكسيكي بهدفين نظيفين وصلت به إلى ربع النهائي، لملاقاة الوصيفة في تلك النسخة، ألمانيا التي انتصرت بهدف أحرزه لاعب الوسط مايكل بالاك.
بعد أربعة أعوام سجلت الولايات المتحدة الأمريكية مشاركتها الثامنة في نهائيات كأس العالم، حيث أوقعتها القرعة إلى جانب إيطاليا (حاملة اللقب)، وغانا، وجمهورية التشيك، غير أن مشوار "اليانكيز" انتهى مُبكرا عقب هزيمتين وتعادل في الدور الأول.
في مونديال 2010 بلغ منتخب الولايات المتحدة دور الـ 16 بعد ثلاث تعادلات في دور المجموعات، غير أنها أقصيت من ذلك الدور بخسارتها أمام غانا بهدفٍ لاثنين، الأمر الذي تكرر في نهائيات 2014 بالبرازيل حين ودع المنتخب الأمريكي البطولة إثر الهزيمة أمام بلجيكا بالدور نفسه وبالنتيجة ذاتها.
مشاركة بعد غياب عن مونديال 2018
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية في مونديال قطر 2022 لأن يكون حضورها فعالًا، خاصة بعد فشلها في بلوغ نهائيات 2018 في روسيا. أمريكا استطاعت تحت قيادة المدرب غريغ برهالتر، بناء منتخبًا جيدًا على المستوى الفني، يضم لاعبين يبرزون حاليا في أكثر من نادي أوروبي كبير، وهذا ما لم يكن يحصل في أعوام سابقة، أمثال، كريستيان بوليسيتش لاعب وسط تشيلسي الإنجليزي، وويستون ماكيني لاعب يوفنتوس الإيطالي، وريكاردو بيبي نجم أوغسبورغ الألماني، بالإضافة إلى بريندان أرونسون متوسط ميدان ريد بول سالزبورغ النمساوي.
وتخوض الولايات المتحدة أول مباراة لها في قطر 2022 أمام ويلز، وسط ترشيحات متكافئة لتجاوز أحدها الأخر، ثم تقابل إنجلترا بذكريات مونديالية تخلّلها عديد الانكسارات أمام منتخب "الأسود الثلاثة" الذي انتصر في أربع مواجهات سابقة وتعادل في واحدة من أصل ست مباريات جمعت الطرفين.
ووسط ظروف سياسية مشابهة لما كانت عليه في مونديال فرنسا 1998، تواجه الولايات المتحدة الأمريكية خصمتها إيران في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر القادم لحساب الجولة الختامية من دور المجموعات في لقاء ثأري بامتياز، حيث سيكون تحقيق الفوز بالنسبة للأمريكان طلبا رئيسيا لرد الدين للخسارة التي تكبّدتها قبل 24 عاما.