في مصر هناك أكثر من 100 حزب سياسي، أغلبهم لا يعرف بهم سوى أعضائهم فقط، ناهيك عن انقطاع صلتهم بالحياة السياسية إلا من مقرّ في أحد أحياء العاصمة المصرية وربما موقع إلكتروني يقدّم إثباتًا سيبريًا لهذه الكيانات السياسية المفتقدة للشعبية وإمكانية الوصول للناس، وهؤلاء الأخيرون لا يشعرون بممثلي تلك الأحزاب إلا من خلال لافتات تعلن عن تهنئتهم بإحدى المناسبات، الدينية غالبًا، ولا يرونهم سوى في الفترة التي تسبق أي استحقاق انتخابي، رغم أن العملية الانتخابية في مصر بأكملها يشوبها الكثير من النقائص والمآخذ. في جانب آخر من الكوكب المصري، يمكننا الوقوف على حالة حزبية متفرّدة بذاتها تتمثّل في المنتخب المصري لكرة القدم الذي تزداد شعبيته يومًا بعد يوم، ويفرض نفسه شاغلًا وحبيبًا بالنسبة لكثير من المصريين.
مصر لا تلعب كرة جميلة ولا ممتعة ولكنها تفوز، وهذا هو المهم بالنسبة لأغلب المصريين
الشعب المصري مُحبّ لكرة القدم. هذه حقيقة لا تحتاج لأدلة، وإن كان ثمة شك في ذلك فما عليك سوى القيام بجولة سريعة على شوارع ومقاهي أي مدينة أو قرية مصرية في وقت يتزامن مع أداء المنتخب المصري لإحدى المباريات، حتى ولو كانت مباراة ودّية لن تؤثّر في شيء.
اقرأ/ي أيضًا: بعد إقصاء فريقهم لكرة القدم.. الجزائريون: من نحن؟
هذا الولع الكروي تكون أعراضه أكثر وضوحًا حين يتعلّق الأمر بمشاركة المنتخب المصري في بطولة قارية، وفي الأيام الماضية، مع مشاركة مصر في بطولة كأس الأمم الأفريقية بعد غياب لدورتين متتاليتين، كان المجال سانحًا لتأكيد المصريين على شغفهم الكروي من جديد وتقديم دليل حيّ على حاجتهم للفرح، وإن جاء من الباب الضيق والمُملّ.
فرغم الأداء السيئ الذي يقدّمه المنتخب تحت قيادة المدرب الأرجنتيني هيكتور كوبر، استطاع هذا الفريق الوصول للمباراة النهائية للبطولة (والتي ستلعب اليوم)، ورغم أن الطريقة التي يلعب بها المنتخب المصري لا تقدّم أي متعة كروية على الإطلاق إلا أنها ولهذا السبب تحديدًا كانت العامل الرئيسي وراء تخطيه لمنتخبات قوية مثل غانا والمغرب في مشواره للوصول للنهائي أمام منتخب الكاميرون.
باختصار، مصر لا تلعب كرة جميلة ولا ممتعة ولكنها تفوز، وهذا هو المهم بالنسبة لأغلب المصريين. لا مجال هنا لمجادلة ربة بيت مصرية حول عقم الأداء الهجومي للمنتخب في الوقت نفسه الذي تراها تدعو لعصام الحضري "السدّ العالي بتاعنا. ربنا ينجّحه ويوفقه يا رب"، وليس هناك أي منفذ لفتح مناقشة مع زملاء المقهى المتحلّقين حول شاشة التلفزيون حول عدم أحقية مصر في الصعود للنهائي على حساب بوركينا فاسو، الفريق المكافح والمقاتل الذي لعب أمام فريق "لم يلعب كرة قدم طوال التسعين دقيقة واكتفى بالدفاع في وسط ملعبه"، على حد تعبير أحد اللاعبين البوركينيين بعد المباراة التي انتهت بفوز مصر بركلات الترجيح.
وهذا الكلام ليس معناه أنني لست وطنيًا، لا سمح الله، أو أنني أغتصب فرحة المصريين بالوصول بعيدًا في البطولة القارية، ولكنه بعض الكلام "المحشور في زور الواحد" ولا يجد مكانًا وسط حالة الفرح الهستيرية التي تنتابنا مع كل فوز للمنتتخب.
اقرأ/ي أيضًا: أغنى 10 أندية في العالم مع بداية 2017
بالطبع أنا واحد ممن يصابون بهذه الحالة أثناء مشاهدتي لمباريات المنتخب، ولكن هذا لا يمنع أن -بعيدًا عن كل التبريرات التكتيكية المُلتبَسة التي يقدّمها البعض- ما يقدّمه منتخب مصر-كوبر هو شيء يساهم في "تكريه" مُحبّي الكرة المصريين في مشاهدة مباريات منتخب بلادهم، وفي حالة مثل حالة العبد لله الذي يعتبر نفسه مشجّعًا وفيًا لفريق أرسنال الإنجليزي (الذي لم يفز بالدوري منذ عام 2004، ولكنه يظلّ يقدّم كرة جميلة وممتعة)، يكون الأمر غير مقبول وغير مفهوم إطلاقًا.
الحياة صعبة في مصر الآن على كثيرين، ولا تُحتمل بالنسبة لآخرين، ولكن هذا المنتخب وحده كفيل بإبعاد الهموم، ولو مؤقتًا
ورغم كل ما سبق، لا يمكن إهدار قيمة إدخال هذا المنتخب للفرحة ورسم البسمة على وجوه وقلوب المصريين، ممن ابتلاهم الزمن الرديء بسياسيين لا يقلّون رداءة. ولا يمكن كذلك إهمال حالة الحرص المفرط من جانب المصريين في متابعة مباريات منتخبهم، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة ورغم برودة الأجواء الليلية، فهذا وحده يقول الكثير عن ناس "يبحثون عن الفرحة بملقاط" بعد أن خذلهم أهل السياسة والسلطة في الوفاء بوعودٍ انعقدت عليها آمالهم وانتظروا تحقيقها فلم يجدوا سوى اللوم والمعايرة من فاشلين لا يجيدون الكذب ولا يحسنون الوعد.
الحياة صعبة في مصر الآن على كثيرين، ولا تُحتمل بالنسبة لآخرين، ولكن هذا المنتخب وحده كفيل بإبعاد الهموم، ولو مؤقتًا، عن بال المهمومين بتوفير لقمة العيش وترتيب الأمور في الأيام الصعبة الحالية والأيام الأصعب المقبلة.
هذا المنتخب، أو هذا الحزب، لا يريد شيئًا مقابل ما يمنحه من سعادة وفرحة، وفي المقابل منه نجد الساسة محترفي ركوب الموجة والقفز على الحصان الفائز. فعلها مبارك من قبل كثيرًا للمداراة على أخطائه وخططه وكوارثه، وسيفعلها السيسي إن نجح منتخبنا اليوم في إكمال دائرة "الانتصار المُملّ" وعاد بكأس البطولة، ولكن الأكيد أن هذا لو حدث لن يجعل النظام الحاكم "وشّه حلو" أو"كيوت" مثلًا، وكذلك لن يجعل الفوز بالبطولة المنتخب المصري فريقًا ممتعًا أو قويًا.
اقرأ/ي أيضًا:
أكبر 5 هزائم تعرّض لها مدربون كبار
5 دروس من ليلة عصام الحضري الأسطورية