تتجه الأنظار مجددًا من قبل المراقبين الدوليين والناشطين اليمنيين، إلى مدينة الحديدة البوابة الغربية للبلاد، والمنفذ الرئيس لدخول المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية والتجارية، والتي تشهد مواجهات متقطعة بين قوات (أنصار الله) الحوثيين، والقوات التابعة لهادي المدعومة من التحالف السعودي الإماراتي، عقب إعلان جماعة الحوثيين بدء إعادة الانتشار الأحادي لقواتها في موانئ المحافظة الثلاثة.
جرت عملية انسحاب الحوثيين بإشراف لجان من المراقبين الدوليين، في مدينة الحديدة، لكنها لم ترق لحكومة هادي، التي أكدت أن أي انتشار أحادي لا يتيح الرقابة والتحقق المشترك من تنفيذ بنود "اتفاق ستوكهولم" هو مراوغة
وصفتها حكومة هادي بالمسرحية الهزلية، واعتبرت عملية إعادة الانتشار في محافظة الحديدة التي أنهت جماعة أنصار الله الجولة الأولى منها، يوم الثلاثاء، بأنها غير مقبولة ما لم تكن وفق اتفاق السويد.
اقرأ/ي أيضًا: هل ينجح المراقبون الأمميون في السيطرة على الوضع في الحديدة؟
وبعد مرور نحو ستة أشهر على اتفاق استوكهولم، أعلنت الجماعة المسلحة التي يُرجح أن تكون مدعومة من إيران، بدء سحب قواتها العسكرية من ميناءي الصليف ورأس عيسى، والميناء الرئيس الذي يحمل اسم مدينة الحديدة، والسماح للأمم المتحدة بالإشراف عليها وفق اتفاق السلام الذي أبرمته الأمم المتحدة بين الأطراف اليمنية.
وقد أكدت بعثة الأمم المتحدة في الحديدة أن الحوثيين سلموا ثلاثة موانئ في المحافظة إلى "خفر السواحل". وقالت "لجنة تنسيق إعادة الانتشار" في مؤتمر صحافي إن رئيسها الفريق مايكل لوليسغارد "يرحب بتسليم أمن الموانئ لخفر السواحل وبالجهود المبذولة لإزالة جميع المظاهر العسكرية من المنشآت".
وتابعت بأنه "لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لإزالة هذه المظاهر، لكن التعاون كان وما زال جيدًا للغاية". وأكد لولسيغارد أنه يجب أن يفهم الجميع أن مرحلة إعادة الانتشار من طرف الحوثيين ليست مسرحية وهي خطوة مهمة تقدرها الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أنهم سيبدأون الأربعاء بعقد اجتماعات مهمة لتنفيذ ما تبقى من الاتفاق في المرحلة الأولى من إعادة الانتشار.
ولجأت الأمم المتحدة إلى تنفيذ إعادة الانتشار من طرف واحد نظرًا لعدم تنفيذ أي خطوة من اتفاق استوكهولم، بحسب لولسيغارد. معتبرًا هذه الخطوة مهمة لسكان الحديدة ولتدفق الإمدادات الغذائية لليمنيين.
وعلى الرغم من إعلان إعادة الانتشار، إلا أن المواجهات بين الحوثيين وقوات هادي مازالت مستمرة. حيث تقول القوات التابعة لهادي إنها أحبطت هجومًا للحوثيين شمالي مديرية حيس، جنوبي محافظة الحديدة غربي البلاد. وذكر موقع الجيش الوطني "سبتمبر نت"، أن قوات الجيش صدت هجومًا مماثلًا للحوثيين على مواقع تحت سيطرته في مديرية التحيتا.
من جهتها ذكرت وسائل إعلام حوثية، أن "قوات التحالف استهدفت بـ16 قذيفة أطراف مدينة الدريهمي"، وأضافت أن دبابة تابعة للتحالف قصفت مناطق في مدينة الحديدة.
رفض من حكومة هادي
جرت عملية إعادة الانتشار الأحادي من قبل الحوثيين بإشراف لجان من المراقبين الدوليين، في مدينة الحديدة، لكنها لم ترق لحكومة هادي، التي أكدت أن أي انتشار أحادي لا يتيح الرقابة والتحقق المشترك من تنفيذ بنود "اتفاق ستوكهولم" هو مراوغة وتحايل، ولا يمكن القبول به.
وقال رئيس فريق إعادة الانتشار التابع للحكومة، اللواء صغير بن عزيز، إن "أي خطوة أحادية ليست ذات قيمة ما لم تتم الإجراءات وفقًا لما تم الاتفاق عليه في مفهوم عمليات إعادة الانتشار من حيث المسافات، والرقابة المشتركة، والتحقق، وخرائط الألغام، وإزالة كافة المظاهر المسلحة والمشرفين (قيادات حوثية تسير الوضع في الموانئ)".
وأضاف عبر صفحته الرسمية في تويتر، أن "قوات خفر السواحل الأساسيين هم من التحقوا بالخدمة وفق القانون"، بالإضافة إلى استبعاد القوات المسلحة من كل مرافق الدولة وفقًا للقرارات الدولية، وعودة الطواقم الإدارية لعملها، والنازحين، وفتح الطرقات، وتشغيل المنشآت الاقتصادية.
واتهم المتحدث الرسمي باسم جماعة الحوثي، محمد عبدالسلام، القوات الحكومية بتعمد تفجير الوضع العسكري في الحديدة، بعد تنفيذ الجماعة المرحلة الأولى من إعادة الانتشار فيها.
وقال عبدالسلام إن "تصعيد دول العدوان ومرتزقتهم في الحديدة بعد تنفيذ أهم ما يتعلق باتفاق السويد، الموانئ والرقابة، يكشف حقيقة الراغبين في استمرار العدوان"، بحسب تغريدة له على تويتر. وأضاف أنه "كلما فندنا ذرائعهم وأبطلنا حججهم يعمدون إلى التضليل والخداع ومحاولة تفجير الوضع كما يحصل حاليًا من خروقات متزايدة".
واستبدلت جماعة الحوثيين بدل الجيش ولجانها الشعبية، بقوات خفر السواحل التابعة لها، وقال نائب رئيس هيئة الأركان العامة اللواء الركن علي حمود الموشكي، المعين من قبل الحوثيين، إن "قوات خفر السواحل استلمت موانئ الحديدة من الجيش واللجان الشعبية وهي المعنية بحمايتها".
ونقلت قناة "المسيرة" الناطقة باسم الحوثيين عن الموشكي قوله إن "تواجد العدوان في سواحل الحديدة (في إشارة إلى التحالف السعودي وقوات هادي) دفعنا لإرسال قوات إلى المدينة لحماية الموانئ، وخفر السواحل قوة نظامية مدربة ومختصة لهذا العمل. وهو ما يراه مراقبون تبادل مواقع بين قوات الحوثيين، ومجرد تمثيلية شبيهة بما قام به الحوثيون أواخر كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، عقب مشاورات ستوكهولم وقوبل بالرفض من رئيس لجنة التنسيق السابق الذي غادر مهمته سريعًا.
بيع السيادة
أثارت عملية إعادة الانتشار الكثير من ردود الفعل الدولية والمحلية، بين رافض ومرحب بالعملية. حيث وصف عضو البرلمان اليمني المعترف به دوليًا، ما حدث بالحديدة بأنه عبارة عن عملية بيع عبر سمسار دولي للسيادة. وقال النائب محمد الحزمي في تغريدة على حسابه في تويتر: "الحوثيون تقاسموا مع البريطانيين الموانئ على ساحل البحر الأحمر عبر السمسار (الأمم المتحدة)، ومن يريد أن يتحقق من ذلك يسأل لمن سلم الحوثة الموانئ؟".
وتساءل الحزمي "أليس من المفترض ان تُسلم للشرعية وفق القرارات الأممية؟!! ولماذا قبل الحوثة تسليم السيادة للبريطانيين؟ أرادوا يمن بلا موانئ".
أما وزير الثقافة الأسبق خالد الرويشان، فقد وصف من جهته المبعوث الأممي إلى اليمن، بالكذّاب. وقال في منشور على حائطه في فيسبوك "غريفيت البريطاني شديد اليقظة ويعرف ما يريد!"، مضيفًا: "كومة اللؤم غريفيت كان في صنعاء من أجل الحديدة للمرة الألف!.. يا للكذاب"!
مباركة إيران
بدورها باركت طهران تحركات حلفائها الحوثيين في محافظة الحديدة. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، عباس موسوي إن "الإجراء الذي قامت به حكومة صنعاء في سبيل الحفاظ على اتفاق ستوكهولم دليل إرادة وثبات حكومة الإنقاذ الوطنية اليمنية على الحوار وتنفيذ التزاماتها كما يدل على خرق وعدم التزام التحالف بهذا الاتفاق"، وفقًا لوكالة إرنا.
وجدد موسوي دعم بلاده لاتفاق ستوكهولم، معتبرًا أن تنفيذ هذا الاتفاق يعد مقدمة لحل سياسي شامل ونهائي للأزمة اليمنية. وطالب الأمم المتحدة والدول المؤثرة أن تضغط على التحالف السعودي وتطلب منه الالتزام بتعهداته والكف عن خروقاته التي تؤدي إلى عدم تنفيذ اتفاق ستوكهولم.
بوادر مشجعة
ورحب وزير الخارجية البريطاني جيرمي هنت ببدء انسحاب الحوثيين من موانئ الحديدة تحت إشراف الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أنها "بوادر مشجعه لإنهاء أسوأ أزمة إنسانية في العالم". وأضاف هنت في تغريدات على حسابه الرسمي على تويتر، أنه "وبفضل الجهود الدؤوبة لمارتن غريفيث يبدو أننا نقترب من تنفيذ إعادة الانتشار المتبادل للقوات- وهي خطوة رئيسية لإنهاء هذه الحرب الوحشية".
اقرأ/ي أيضًا: مارتن غريفيث في صنعاء مجددًا.. قفزة في هواء اتفاق ستوكهولم
بدوره سخر السفير البريطاني لدى اليمن، مايكل أرون، من الانتقادات الموجهة لخطوة الحوثيين الأحادية للانسحاب من موانئ الحديدة تنفيذًا لعملية إعادة الانتشار وفق ما خرجت به تفاهمات السويد. وقال في تغريدة بحسابه على موقع تويتر "يبدو أن المتهكمين اليمنيين الذين ينتقدون كل ما يفعله الطرف الآخر (الحوثيين) حتى لو كان إيجابيًا، والذين يقولون إن الأمم المتحدة ساذجة، يقولون إن الحل الوحيد هو الحرب الدائمة في اليمن". وأضاف: "لدي ثقة أكبر في اليمنيين وأعتقد أنهم يستطيعون العيش معًا في سلام وأمن".
تعتبر المملكة المتحدة، سحب الحوثيين قواتهم من محافظة الحديدة نجاحًا للدبلوماسي البريطاني مارتن غريفيث مبعوث الأمم المتحدة الى اليمن، غير أن استبدال قوات عسكرية بأخرى لم يرض الطرف الآخر عنه
وتعتبر المملكة المتحدة، سحب الحوثيين قواتهم من محافظة الحديدة نجاحًا للدبلوماسي البريطاني مارتن غريفيث مبعوث الأمم المتحدة الى اليمن، غير أن استبدال قوات عسكرية بأخرى لم يرض الطرف الآخر عنه. وفي الحالتين، فإنه لا يوجد بوادر لوقف الحرب وإعادة السلام الذي يأمل به اليمنيون، على الأقل في المدى القريب.
اقرأ/ي أيضًا: