إذا رجعنا للتاريخ فلا بداية غير موفقة، فالتاريخ يتقبل ويتقلب على وجهات النظر المختلفة، وأي ورد منه إلى أي حبكة مقالية، ستخدم في الأساس أهداف غير موضوعية على الإطلاق.
البديهيات دائمًا ما تحمل ضرورة، في زمن اختلط علينا فيه كيفية التعبير بحرية والتعليق بحرية وتقبل الآخر باحترام
لكن دعنا نحلل الحاضر بوجهة نظري أنا، وهنا عليك أن تقف وتقبل ما أكتب، أو أن ترفض، أو لك الحق في مناقشة فعالة، ولأني أكتب من هنا، بين أوراقى، وأنت تقرأ هذا المقال من هذا المنبر الثوري، سأعترف، إن الموضوعية هي شيء فاشل بالمطلق، فأنا هنا أتحدث عن رأيي، إذًا فكل ما عليك فعله أن تقبل أو ترفض، ولك الحرية طبعًا، لا تخف، أنا لست "السيسي".
ستسألني هنا ما فائدة هذه المقدمة البديهية البلهاء، سأخبرك، أن البديهيات دائمًا ما تحمل ضرورة، في زمن اختلط علينا فيه كيفية التعبير بحرية والتعليق بحرية وتقبل الآخر باحترام، فلهذا البديهيات ضرورية للتذكير في المقام الأول، ولتصفية النوايا ثانيًا.
مر ثلاثة أيام على ذكرى 30 حزيران/يونيو، لا يمكن أن ننسى ذكرى ذاك اليوم، لا يمكن أن أنصف حكم الإخوان باعتباري ضد الدولة الدينية، ولا يمكن أن أؤيد قيام دولة عسكرية قمعية، فنحن بشكل واقعي نرفض عودة الإخوان، وضد استمرار النظام القائم في الحكم، لما اقترفه من جرائم بداية من مذبحة رابعة، ووصولاً إلى الانتهاكات الحقوقية بحق النشطاء والشباب المعتقلين وغيرهم.
نعود هنا لنقف أمام فصيل قوى ومؤثر في أحداث 30 حزيران/يونيو، وهم الأقباط، باعتبارهم ضلعًا من أضلاع المجتمع المصري، الذي له إيديولوجياته وحساباته الخاصة، والذي يتحرك وفقًا لها، بعيدًا عما يعنيه ويتلامس مع بقية الفصائل في هذا المجتمع، فعندما نقول الأقباط هنا، لا نعني أفراد الشعب القبطي، بقدر ما نشير إلى المجمع المقدس وعلى رأسهم البابا تواضروس الثاني، وما يندرج تحته من مجلس ملي وإكليروس.
اقرأ/ي أيضًا: 30 يونيو، خليقة أم صنيعة؟
البابا لا يرى مصلحة في بقاء نظام الإخوان، ليس لأنه ضد قيام دولة دينية، ولكن لأنه ضد سيطرة الإسلام السياسي على مقاليد الحكم، مما يعني صدام شديد ودائم بين الكرسي المرقسي والجماعة، وهذا ما كان سيحدث بالفعل، عاجلاً أو آجلاً، الإسلام السياسي شيء مرفوض في العالم أجمع، واللاهوت السياسي لا يختلف كثيرًا عن الحكم العسكرى، كلهم ينادون بحكم مطلق، لا يخضع للنقد أو للرقابة، وهذا هو حجر الرحى الذي تعتصر فيه الدول النامية بشكل عام، والعربية على وجه خاص.
وكما حدث خلال الانتخابات التي جمعت الفريق شفيق، والرئيس السابق محمد مرسي، كان انحياز الأقباط واضحًا وبينًا لشفيق، حتى أنهم كرسوا عددًا من ساعات بثهم على القنوات الفضائية المسيحية لعرض برنامج الفريق أحمد شفيق، فالخوف كان يملؤهم وقتها، ما الذي سيحدث لو وصل مرسي للحكم، ما مصيرهم.
غريزة الخوف هي التي كانت تحركهم دائمًا، وهنا وبشكل قاطع وبدون مجاملة، الأقباط مضطهدون، وهذا عبء ثقيل على الحركة السياسية في مصر، فبجانب هذا الجهل السياسي الذي يحيط القطيع الأكبر من الأقباط، توجد كنيسة هي من توجههم كما توجه الأم أبناءها الصغار، الهائمون في طرقات العالم الخارجي، مُدعمة فيهم شعور الجبن والرضوخ لقرارتها، لهذا فمن النادر أن تجد قبطي رأيه معادي للكنيسة، لأنك إن وجدته سيكون في الغالب منبوذ من حظيرة الإيمان.
عرف النظام كيفية استغلال هذا الحشد الشعبي الكبير والذي تشكل أغلبه من أقباط -بشكل بديهى- في أحداث 30\6، عرف أن المسيحيين خائفون مما قد تحمله الأيام القادمة تحت حكم الجماعة، دخل البابا الحديث العهد بالبابوية إلى اللعبة السياسية وصدق على بيان المجلس العسكري بعزل مرسي، ورد الفعل كان معروفًا، حرق وهدم للكنائس وعمليات اغتيال وقتل بحق الأقباط.
استخدم نظام السيسي الإرهاب كحجة لوجوده، بل وللتأكيد على ضرورة وجوده بحجة الحفاظ على وحدة البلاد
ما زال المجلس العسكري يلعب لعبته القذرة، اللعب على وتر الخوف من الإسلام السياسي، وعقدة الاضطهاد -عقدة لا تعني بالضرورة وهم- عند الأقباط، وطالب بتفويض للحرب على الإرهاب وهنا كان مربط الفرس، هنا يكمن مفتاح اللعبة السياسية للنظام الحالي، هو أنه استخدم الإرهاب كحجة لوجوده، بل وللتأكيد على ضرورة وجوده بحجة الحفاظ على وحدة البلاد، فإذا زال الإرهاب زالت معه علة وجود النظام، مستخدمًا الإعلام الذي عرف ضرورته خلال فترة حكم الإخوان، والذي كان له الدور الرئيسي في الحشد ضد الجماعة، في بث المخاوف من التحول إلى سوريا وعراق جديدة، مستغلًا جهل دهماء الشعب والطبقة المتوسطة بما يحيط بهم من أحداث، جعلهم يقتنعون أننا نشبه سوريا والعراق، وأن المؤامرة تحدق بنا من كافة الجهات. حسنًا البلهاء كثيرون.
فاتت ثلاثة أعوام على ذكرى يونيو، المظاهرات شبه معدومة، المعارضة شبه خاوية، الشباب، سحقًا.. أين الشباب؟!
الرئيس فقد الكثير من مؤيديه، الشارع أصبح في حالة ثورة كامنة ضده، غلاء الأسعار يلعب دورًا أساسيًا في هذا، أما الأقباط الفصيل الذي كان الأكثر تأييدًا للرئيس، فقد تراجع عنه تراجع كبير، فالإرهاب مازال موجودًا، بل وزاد، ثلاثة أعوام فشل النظام في مواجهة الإرهاب الذي هو حجة وجوده بالأساس، هذا بالإضافة إلى فشله في العديد من الأنحاء والنواحي الداخلية والخارجية.
والسؤال متى يثور الأقباط، ومتى تتحدث الكنيسة، ليس هذا وقت تضحيات وشعارات وطنية جوفاء، أنت في مكتبك تمتلك حراسة، وشعبك هو من يُدهس ويُرمى بالرصاص في الشوارع والأزقة، كيف تكون راعٍ أمين لراعية مخلصة، متعلقة بأهداب ثوبك البطريركي، أنت من قبلت الدخول إلى اللعبة السياسية، وأنت من ناديت بالسيسي رئيسًا، نحتاج أن نسمع منك، لا بل أن نرى منك موقفًا إزاء ما يحدث. فهل أنت بابا الشعب أم بابا الأنظمة؟!
اقرأ/ي أيضًا: