التضخم الاقتصادي، هو زيادة أسعار السلع الاستهلاكية وسلة مشتريات المستهلك الأساسية مما ينتج عنه ارتفاع في تكلفة المعيشة، ويترافق مع انخفاض القدرة الشرائية للنقود. أي ببساطة هو أن نفس المبلغ من المال يمكنه شراء عدد أقل من السلع. ويتم قياس التضخم الاقتصادي من خلال تحديد مجموعة من العناصر الاستهلاكية الأساسية، ويكون معدله مرتبطًا بتغير أسعار هذه السلع من عام إلى آخر، ويكون الفرق بين الأسعار هو نسبة التضخم الاقتصادي التي تحدد في الدولة. وبالطبع تعاني من التضخم بشكلٍ أكبر الأسر ذات الدخل المنخفض أكثر من الثرية، والأفراد الأقل تعليمًا، والأطراف أكثر من المركز. والتضخم الاقتصادي يُعد ظاهرة طويلة المدى، فتحققه وبلوغ الذروة يستغرق وقتًا طويلًا عادةً، كما أن تقليصه هو عملية بطيئة تعتمد على مدى استجابة السوق للسياسات الاقتصادية وسلوك الناس.
التضخم الاقتصادي، هو زيادة أسعار السلع الاستهلاكية وسلة مشتريات المستهلك وانخفاض القدرة الشرائية للنقود
كيف يحصل التضخم الاقتصادي؟
يحصل التضخم الاقتصادي في اقتصاد يمتلك فيه الناس الكثير من الفائض النقدي ويندفعون نحو المزيد من الإنفاق. وإذا كان الناس يقبلون على شراء السلع والخدمات بشكلٍ كبير فقد ترفع الشركات الأسعار لأنها لا تمتلك إمدادات كافية قادرة على تلبية احتياجات السوق، أو أنها قد تدرك إمكانية تحقيق المزيد من الأرباح دون خسارتها للعملاء، مما يدفعها إلى زيادة الأسعار، مدركةً حاجة الناس للسلعة وامتلاكهم للفائض والسيولة النقدية في الوقت ذاته.
كما أن التضخم يمكن أن يحصل نتيجة تطورات عالمية غير مرتبطة بشكلٍ وثيق في الظروف الاقتصادية، مثل التقليص من إنتاج النفط الذي ينعكس على سلاسل التوريد مما يؤدي إلى نقص في السلع المعروضة وارتفاع الأسعار، وندرة بعض الموارد والسلع. وهذه الجزئية مرتبطة في الطلب والعرض، وهي متغيرات متقلبة، يمكن أن تؤدي لفترات تضخم طويلة أو قصيرة.
إلى جانب العوامل المعتادة لحدوث التخضم، ساهم انتشار فيروس كورونا، في موجة تضخم هي الأكبر منذ 40 عامًا، نتيجة إغلاق العديد من المصانع وإيقاف التنقل جزئيًا بين البلدان، مما ساهم في ارتفاع أسعار سلع بعينها، مثل السيارات. لكن السبب الأبرز هو أن فترة الحجر الصحي ساهمت في تقليل نفقات المستهلكين، الذين جمعوا مدخرات خلال فترات الإغلاق، ومع عودة الحياة من جديد، ساهم الإنفاق الكبير وزيادة الطلب على السلع في حصول التضخم. كما أن الفترة نفسها ساهمت في إرباك سلاسل التوريد عالميًا، مما انعكس في زيادة تكاليف إنتاج السلع.
بالإضافة إلى ما سبق، يمكن حدوث التضخم نتيجة سياسات اقتصادية للدولة تقوم على ضخ المزيد من الأموال في يد الناس مثل سياسات الإنفاق الحكومي وتقديم المعونات، وأيضًا عن طريق تقليل أسعار الفائدة وزيادة الاقتراض من البنوك. كما أن سياسات حصار الدول تساهم في زيادة إمكانية حدوث التضخم مثل حالة العراق وكوبا وفنزويلا التي وصلت فيها معدلات التضخم إلى أرقام قياسية نتيجة الحصار الأمريكي، الذي منع الاستيراد والتصدير لهذه الدول.
وتساهم في حصول التضخم أيضًا التوقعات الاقتصادية للمنتجين ومالكي العقارات، فعند إدراك أن إنفاق الناس مرتفع طوال فترة زمنية، يدفعهم ذللك إلى رفع أسعار بعض السلع والعقارات، في محاولةٍ لتحقيق فائدة والحصول على حصة من هذا الإنفاق وربح أكبر من قبل المنتجين ومالكي العقارات، مما يساهم في تحديد أسعار جديدة، تساهم في زيادة التضخم، وفي أحيان تساهم في تحقيق التوقعات التي قد لا تبنى على أساس تقديرات دقيقة.
التضخم الاقتصادي والانهيارات الاقتصادية
تحاول سياسات الدولة الاقتصادية الرأسمالية المعنية أساسًا في الاستقرار الاقتصادي، واستمرار دوران عجلة الاقتصاد، الحفاظ على مستويات مقبولة ومستقرة من التضخم الاقتصادي، لذلك يُرى أن المحافظة على نسبة 2% من التضخم أمر صحي للاقتصاد النامي، انطلاقًا من أساسيات الاقتصاد المرتبطة في العرض والطلب والحاجة للاستهلاك والإنتاج من أجل الحفاظ على مستويات معينة ومناسبة منه. لكن الارتفاع الكبير يساهم في عدم قدرة الناس على التخطيط للمستقبل وترتيب جداول الإنفاق.
بالإضافة إلى ذلك، يساهم التضخم الاقتصادي الكبير في إفقار الطبقة الوسطى، كما يدفع الناس نحو الاهتمام في القضايا السياسية بشكلٍ أكبر. ويفقد الشركات قدرتها على التخطيط للمستقبل وانهيار الاقتصاد مثلما حصل في زيمبابوي. وقد يساهم التضخم الاقتصادي في تقلبات سياسية. يشار هنا إلى التضخم الكبير الذي حصل في ألمانيا نتيجة الحرب العالمية الأولى والتعويضات التي فرضت عليها للدول المنتصرة في الحرب، كأحد أسباب وصول النازية إلى الحكم. فمع ازدياد الدين الحكومي، وحصول موجة إضرابات عمالية كبيرة، قامت الدولة في طبع المزيد من الأموال، مما أفقد العملة قيمتها واستمرت الأسعار في الارتفاع، وفقدت الأجور قيمتها. فقد كانت أسعار العملة تتغير سريعًا مما جعل العملة تفقد قيمتها خلال اليوم نفسه، وكانت هذه الفترة دافعًا لظهور النزعات القومية والفاشية في ألمانيا، التي كانت نتيجتها وصول أدولف هتلر إلى السلطة.
وأثر التضخم الاقتصادي الأكبر يكون على الطبقة الفقيرة في المجتمعات، فهم يمتلكون قدرةً أقل على المناورة المالية، خاصةً أن معظم الاستهلاك يتركز على سلة منتجات أساسية للحياة، حيث إن هذه الطبقة لا تمتلك هامشًا كبيرًا للاستغناء عن الكثير من السلع، وعند استجابتها للتغير الناتج عن التضخم، فهي أقل قدرة على التقليص من الضروريات، مما يعني أن التضخم يمس حياتها بشكلٍ أكبر.
كيف تتم مواجهة التضخم الاقتصادي؟
الطريقة الأولى لمواجهة التضخم الاقتصادي، هي إجراءات مركزية من قبل الدولة تتخذها عبر البنك المركزي، مثل رفع سعر الفائدة، الذي يُعد الطريقة الأساسية من أجل تحقيق استقرار في التضخم، فمع رفع أسعار الفائدة، يقل التوجه نحو الاقتراض والتشجيع على الادخار، مما يعني أن الإنفاق سينخفض، وسينعكس ذلك على أسعار السلع التي سوف تتجه نحو الانخفاض تدريجيًا. ومن ضمن الطرق أيضًا تخفيض أسعار بعض السلع من خلال حصولها على الدعم الحكومي، أو فرض ضرائب على سلع الرفاهية، وأيضًا التقليص من الإنفاق الحكومي على المشاريع الخدماتية.
الطريقة الأولى لمواجهة التضخم الاقتصادي، هي إجراءات مركزية من قبل الدولة تتخذها عبر البنك المركزي، مثل رفع سعر الفائدة
الطريقة الثانية لمواجهة التضخم الاقتصادي، هي رفع أجور العمال، من أجل مواكبة ارتفاع أسعار السلع، في محاولة للحفاظ على على مستواهم المعيشي المعتاد ومنحهم القدرة على الوصول إلى السلة الاستهلاكية الأساسية. وعلى أهمية هذه الخطوة، إلّا أنه ينظر إليها باعتبارها تساهم في تحقيق دوامة متواصلة بين زيادة الأجور وزيادة الأسعار، مما يجعل كل زيادة في الأجور تنعكس على زيادة في الأسعار، دون أن يساهم ذلك في تقليل التضخم فعليًا. وفي كل الأحوال، فإن هذه السياسات فاعلة على مستوى معالجة التضخم الاقتصادي في داخل الدولة نفسها، ولا يتوقع منها أن تلعب دورًا كبيرًا في معالجة أزمات مالية عالمية مثلما حصل عام 2008. لذلك، يمكن أن تساهم فترات التضخم الاقتصادي الطويلة في حصول حالة من الكساد الاقتصادي، وأزمات يمكن أن تهدد اقتصاد الدولة بشكلٍ جدي.