بِالرّصاص، ليسَ لأنّه قابل للمحوِ مثل حياتي
وحياة جميع الموجودات
أو لأنّه أقلّ رُسوخًا من الحِبر المُعتدّ بنفسهِ
في وجهِ الرصاصِ ما امتدّت الدهورُ على متاريسِ الضّباب.
بِالرّصاصِ أكتبُ ليس لأنّه يُغوي بالتّلاشي الجليل؛
وَيستحضرُ الأظلّةَ والأخيلةَ وأشباحَ المجهولِ
وأطيافَ الغائبين وَما غابَ عنهم مِن لونٍ
وَمن وهمِ الحضور.
ويوقظُ الذكريات بتعرّيها السّافر وَانسلاخها
إلّا من رداءٍ يشبهُ الرصاص على الورق..
بِقلم رصاص ليس كُرمى لصريرهِ المثير
على شفاه السّطور المحمومة،
المتحرّقة منذ زمنٍ على شفيرِ الانتظار
حتى تَشربكتْ عُنقًا على عُنقٍ في قُمقمِ اللّذاتِ المكبوتة.
بالرصاص لأني لم أرسم ما انتويتُ رَسمهُ منذ التماعةِ الرؤى البِكر.
بِالرصاص لأني أتوقُ لوجوهٍ نَدِمتُ أَن رسمتُها على قلبي بِنَصلِ إِزميل.
بِالرصاص لأقتصّ من نفسي للكلمات في مدِّها وجَزْرها
وَفي سَعيرها وَشَهقة حياةٍ سَرَت فيها مِن بَعدِ موتٍ،
في اِنبعاثِها الأليمِ
مِن بينِ شَفرات العَدم..
بالرّصاص قِصاصًا مِن نفسي للكلماتِ الوليدة
المرتجفة في مَهدِها
في بُكائها المتلهّف لِالْتقامِ الحَلمة الأولى،
في تَشهيّها الأبديّ لِمزْقةٍ من حليبِ الكينونة.
بِالرّصاص قِصاصًا لألفِ مرة ومرة
كتبتُ فيها ومحوتُ وكتبتُ ومحوت
ومحوتُ ومحوتُ ومحوت..
ولا شكّ سأمحو الآن.
اقرأ/ي أيضًا: