نشرت وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" يوم الثلاثاء، 12 تموز/يوليو مجموعة أولى من صور ملوّنة عالية الوضوح حصلت عليها من تلسكوب جيمس ويب الفضائي العملاق، الذي بلغت تكلفته زهاء 10 مليارات دولار أمريكي.
مثّلت الصور بمجموعها عرضًا كونيًا مذهلًا خطف أنفاس ملايين البشر حول العالم
وقد مثّلت صور تليسكوب جيمس ويب بمجموعها عرضًا كونيًا مذهلًا بكل معنى الكلمة، خطف أنفاس ملايين البشر حول العالم وهم يشاهدون مناظر من الكون السحيق، لم يرها بشرٌ من قبل، فيها علامات لحوادث كونيّة حصلت قبل مليارات السنين الضوئية، من تصادم للمجرات واحتضار نجوم وميلاد أخرى، والسحب والأطياف الكونية للكواكب الخارجية والعلامات على أكوان سحيقة في الفضاء الذي لن يظلّ بعد هذه الصور مجرّد بقعة مطبقة من السواد.
ويبدو أن التلسكوب قد حقق نتائج أفضل حتّى مما حلم به العلماء الذي عكفوا على تطويره وبنائه على مدى العقود الثلاثة الماضية في الولايات المتحدة، بالتعاون مع وكالة الفضاء الأوروبية، ووكالة الفضاء الكندية، وذلك بفضل الاعتماد على تقنيات الأشعة تحت الحمراء القريبة، للكشف عن أعماق معتمة من الفضاء، ومعرفة حالة المجرّات الأولى في نقط تقترب مما يعتقد العلماء أنه بدء الكون، أو لحظة الانفجار العظيم، أي قبل حوالي 14 مليار سنة. جون ماثر، العالم الشهير الحائز على جائزة نوبل، وأحد أبرز العاملين في مشروع "جيمس ويب" منذ العام 1995، قال بعد نشر الصور الأولى إنه قد رأى فيها أشياء لم يكن يعلم أصلًا أنها موجودة ويمكن لأي مرقاب أيًا كان حجمه الكشف عنها.
أين يقع تلسكوب جيمس ويب؟
كل التفاصيل المتمعلقة بتلسكوب جيمس ويب مبهرة، فالمرقاب بحجم ملعب لكرة التنس، بلغت تكلفة إنشائه وتطويره وإرساله إلى الفضاء أكثر من 10 مليارات دولار أمريكي، واستغرق تجهيزه قرابة ثلاثة عقود على الأقل. أرسل العلماء هذا المرقاب الفضائي الهائل إلى نقطة في الفضاء أبعد من النقطة التي يوجد عندها القمر بأربعة أضعاف، أي على بعد مليون ميل عن الأرض (1.5 مليون كم)، وقد وضع في مدار حول الشمس لكي يلتقط صورًا فريدة للفضاء تتيح لنا رؤيته وتحليله بشكل لم يكن متاحًا للبشر من قبل.
ماذا تقول صور تلسكوب جيمس ويب الخمسة؟
1. الحقل الفضائي العميق الأول
الصورة الأولى التي تم الكشف عنها في فعالية خاصة في البيت الأبيض بحضور الرئيس الأمريكي جو بايدن، اختصرت الكثير مما يمكن أن يقال نظريًا عن تفوّق تلسكوب جيمس ويب الفضائي، والذي وصفت نتائجه بأنها أفضل بضعفين على الأقل مما كان متوقعًا في الماضي. هذه الصورة تعرف باسم "الحقل العميق الأول"، وهي صورة فضائية ضخمة يحدّق فيها المرقاب برقعة من الفضاء حجمها بالنسبة للكون، أقرب ما تكون من حجم حبة الرمل حين تنظر إليها على بعد ذراع من عيني الرائي. وهذه الصورة الهائلة، هي مجرّد لمحة وحسب عمّا يمكن لهذا المرقاب الثوريّ أن يكشف عنه خلال الأشهر المقبلة، وذلك بحسب ما أكّدت عالمة الفضاء الأمريكية الشهيرة هايدي هاميل.
معظم النقاط والبقع الملونة في هذه الصورة هي مجرات وليست نجومًا، وكل مجرّة قد تحتوي على مليارات النجوم والكواكب. وهذا المربع الذي يظهر في الصورة أمامك، أشبه بحجم حبّة رمل على مسافة ذراع من عينك. تذكّر هذا التشبيه دائمًا وأنت تنظر إلى مثل هذه الصور من مرقاب جيمس ويب. وهذه الصورة تعرض أقدم صورة للكون وأعلاها وضوحًا على الإطلاق حتى اليوم.
2- سديم كارينا
السديم (Nebula) هو سحابة عملاقة من الغاز والغبار الكوني الذي تولد فيه النجوم، وهذا السديم الذي يظهر في الصورة يدعى "سديم كارينا" (Carina Nebula).
يعد سديم كارينا أحد أكبر مناطق تكوّن النجوم في مجرة درب التبانة، ويبعد عن الأرض حوالي 7600 سنة ضوئية، أي أن السفر بسرعة الضوء من الأرض إلى هذه المنقطة سيستغرق 7600 عام، وهذا يعني أن ما يظهر أمامنا في الصورة ليس هو سديم كارينا كما يبدو لحظة التقاطه، بل كما كان قبل 7600 سنة، لحظة صدور الضوء الذي سجله تلسكوب جيمس ويب من المصدر.
3. السديم الدائري الجنوبي
هذا السديم الكوكبي بطول نصف سنة ضوئية، ويبعد عن الأرض 2000 سنة ضوئية يدعى "السديم الدائري الجنوبي" أو "السديم الحلقي الجنوبي" (Southern Ring Nebula). هذه الصورة عالية الوضوح توضح لنا شكل النجم الشبيه بالشمس حين يكون في حالة احتضار.
4. طيف WASP-96 b
هذا كوكب خارجي غازي عملاق، يدور حول نجم على بعد 1150 سنة ضوئية من الأرض، وهو قريب جدًا من النجم لدرجة أنه يدور في مدار ه في غضون ثلاثة أيام ونصف فقط. وقد تمكن التلسكوب بتصوير أطياف هذا الكوكب وحسب، وهي أطياف قد تدلّ على وجود الماء في الغلاف الجوي للكوكب، وأنه على الأرجح محاط بالغيوم والضباب. ومن الممكن الاستفادة من التقنية التي استخدمت في تصوير هذا الطيف من أجل دراسة الأغلفة الجوية لكواكب صخرية أصغر تدور حول نجوم في مناطق أقرب في الفضاء، حيث يمكن العثور على الماء على سطحها كما هي الحال في كوكب الأرض.
5. خماسية ستيفان
يظهر في هذه الصورة خمس مجرّات كما هي مرقّمة أدناه، وهي مجرات شديدة التقارب من بعضها، حتى أن اثنتين منهما تقتربات من مرحلة التداخل أو الاصطدام وتشكيل نجوم جديدة. النجوم الأحدث عمرًا تبدو باللون الأزرق، أما الأقدم فتظهر بالأحمر.
وإضافة إلى هذه الصور الخمسة المذهلة أعلاه، والتي تعدّ بحق إنجازًا كبيرًا للبشرية بما تتيح للعلماء استكشافه ودراسته ومعرفته عن الكون الشاسع، فإن تلسكوب جيمس ويب يتيح كذلك إمكانية جمع بيانات مهمّة عن التركيب الكيميائي للنجوم والكواكب خارج نظامنا الشمسي، وهي معلومات من شأنها أن تساعد على تشكيل مقاربات جديدة لسؤال الحياة في مكان آخر خارج مجرّة درب التبانة.