27-أكتوبر-2024
كير ستارمر

ستارمر منفتح على مناقشة أشكال غير نقدية للعدالة التعويضية للعبودية (رويترز)

تراجعت المملكة المتحدة عن تعنّتها بشأن التعويض عن ماضيها الاستعماري مع مجتمعات دول الكاريبي، فقد غيّرت حكومة كير ستارمر من موقفها القاطع برفض "التعويض والاعتذار" نحو الانفتاح على مناقشة "أشكالٍ غير نقدية للعدالة التعويضية للعبودية".

وجاء هذا التغيير في الموقف البريطاني استجابةً لضغوط مارسها 15 زعيمًا من زعماء الدول في منطقة الكاريبي، بالتوازي مع انعقاد قمة الكومنوولث في ساموا، بحضور ستارمر والملك البريطاني تشارلز.

يثير موضوع التعويضات البريطانية عن الماضي الاستعماري للمملكة المتحدة قضيةً استعمارية أخرى لا تقلّ الانتهاكات فيها فداحةً، وهي التعويض للفلسطينيين عن سلوك بريطانيا تجاههم خلال فترة الانتداب وإعلان بلفور لعام 1917 الذي أدّى لإنشاء "وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين"، وما تبع ذلك الأمر من قيام استعمارٍ استيطاني إسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، وارتكاب إسرائيل جريمة الإبادة الجماعية بحق الأرض الفلسطينية. 

ويرى المهتمّون بهذا الشأن أنه لتحريك القضية يكفي أن تنفّذ السلطة الفلسطينية تهديدها الذي أطلقته في العام 2017 بمقاضاة المملكة المتحدة، إذا لم تعتذر عن إعلان بلفور، علمًا بأنّ حكومة المحافظين حينها ردّت بأنها "فخورة بالإعلان" المشؤوم.

بريطانيا مدينةٌ بمبلغ 18.8 تريليون جنيه إسترليني، كتعويض عن العبودية والاستعمار.

وسيكون من المصلحة الفلسطينية تحريك قضية "التعويضات والاعتذار"، خاصةً إذا استجابت حكومة ستارمر العمّالية لمطالب زعماء الكاريبي وقدّمت أي شكلٍ من أشكال التعويض لهم. زد على ذلك أنّ الحالة الفلسطينية مدعومة بقرارات من محكمة العدل الدولية مقتضاها أن دولة الاحتلال الإسرائيلي ملزمة بتعويض الفلسطينيين عن الأضرار الناجمة عن احتلالها، كما تعالت أصوات في بريطانيا وخارجها بضرورة أن تدفع المملكة المتحدة تعويضات للفلسطينيين.

ففي العام 2020 عبّر الملياردير الفلسطيني منيب المصري عن سعيه لمقاضاة المملكة المتحدة، لمسؤوليتها عن إعلان بلفور والجرائم المرتكبة أثناء فترة الانتداب، مؤكّدًا أنه "أعدّ ملفًّا ضخمًا جمع فيه أدلةً على الانتهاكات البريطانية ضد الفلسطينيين في ظل الانتداب".

وفي ذات السياق عمل المؤرخ البريطاني ماثيو هيوز في كتابه الصادر 2019 بعنوان "الاستعمار البريطاني وإجهاض الثورة العربية الكبرى في فلسطين 1936- 1939"، على توثيق "كيف احتجز الجنود والشرطة البريطانية 528 ألف شخص لفترات زمنية متفاوتة من أيام إلى سنوات، حيث تعرض بعضهم للسجن أكثر من مرة في أماكن مختلفة"، مع الإشارة إلى أنّ هذا العدد حينها "يتجاوز إجمالي عدد السكان الذكور المسلمين في فلسطين عام 1938".

لكنّ الدعاوى القضائية، حسب جوزيف مسعد الأستاذ في جامعة كولومبيا، ليست كفيلةً بانتزاع اعتذار من "قوة استعمارية غير نادمة على تاريخها الاستعماري مثل بريطانيا"، وعليه يرى مسعد أنّ المسار الصحيح "يجب أن يكون المطالبة بتعويضاتٍ عن الجرائم التي ارتكبتها بريطانيا والدمار الذي ألحقته بالشعب الفلسطيني". الأمر الذي يقتضي من وجهة نظرنا ضغطًا سياسيًا وحقوقيًا احتجاجيًا.

ويبدو أنّ السلطة الفلسطينية مقتنعة بهذه الاستراتيجية، لكنها لا تفعّلها بالشكل الكافي، ففي أيلول/سبتمبر 2023 دعا محمود عباس إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا إلى دفع تعويضات للفلسطينيين، قائلًا "سنواصل سعينا لتحقيق المساءلة والعدالة في الهيئات الدولية ذات الصلة ضد إسرائيل، بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأرضنا، والجرائم التي ارتكبت ضدنا وما زالت ترتكب، وكذلك ضد كلٍّ من بريطانيا وأميركا لدورهما في إعلان بلفور المشؤوم".

وعلى مستوى التحركات غير الرسمية، أي تلك التي تتم على مستوى المجتمع المدني، أكّد "منظمة الحق" على لسات مديرها العام شوان جبارين والأستاذ المحاضر في جامعة لندن رالف وايلد، أنّ بريطانيا ملزمة بدفع تعويضات عن سلوكها أثناء الانتداب، حيث قالا في منشور مشترك العام الماضي: "من خلال الفشل في الاعتراف المؤقت بالدولة الفلسطينية في عشرينيات القرن العشرين، والتمسك بالأرض لمدة ربع قرن من أجل تمكين تحقيق وعد بلفور. بدلًا من ذلك، انتهكت المملكة المتحدة القانون الدولي".

يشار إلى أنّ الجمعية الأميركية للقانون الدولي وجامعة جزر الهند الغربية قدّرتا أنّ المملكة المتحدة "مدينةٌ بمبلغ مذهل يبلغ 18.8 تريليون جنيه إسترليني، كتعويض عن العبودية والاستعمار".

وأمام قمة الكومنولث لم يجد الملك البريطاني تشارلز بدًّا من الحديث عن موضوع تعويض بريطانيا عن ماضيها الاستعماري، قائلًا "لا أحد منا يستطيع تغيير الماضي ولكن الدول قادرة على إيجاد طرق إبداعية لتصحيح التفاوتات المستمرة" على حدّ تعبيره.