أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية بيانًا يطالب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بـ"إنهاء الانتهاكات الحقوقية"، وهو في مستهل فترته الرئاسية الثانية.
طالبت هيومن رايتس ووتش، السيسي بعد فوزه بالانتخابات التي قالت إنها "داست على أبسط متطلبات النزاهة"؛ بالكف عن الانتهاكات الحقوقية
ولم يفت المنظمة أن تشير إلى مسرحية الانتخابات المصرية، التي جاءت بفوز مُدبّر للسيسي الذي لم يواجهه فيها أحد سوى موسى مصطفى موسى، الذي كان يتزعم حملة لدعم السيسي حتى اللحظة التي تقدم فيها بأوراق ترشحه.
اقرأ/ي أيضًا: "احتيال وفبركة".. ماذا قالت الصحف الأجنبية عن الانتخابات المصرية؟
وكانت هيومن رايتس ووتش، و13 منظمة حقوقية أخرى، قد وصفت الانتخابات الرئاسية المصرية بأنها "لا حرة ولا نزيهة"، بل إنها "داست على أبسط متطلبات الانتخابات الحرة والنزيهة".
ووصفت سارة ليا واتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بهيومن رايتس ووتش، الطريقة التي أُعيد بها انتخاب السيسي لولاية ثانية، بأنها "احتقرت أبسط حقوق المواطن".
ثم تعرض البيان لـ"الانتهاكات الجسيمة" لحقوق الإنسان التي مارستها أجهزة الأمن المصرية سواءً بالاعتقال أو التعذيب أثناء الاعتقال، أو التي مارستها السلطات المصرية بحق منظمات المجتمع المدني.
وأشار البيان إلى القوانين سيئة السمعة التي صادرت وجود منظمات المجتمع المدني، وعملت على تجريم عملها وجعلت من استمرارها أمرًا مستحيلًا، وخاصة قانون الجمعيات الأهلية، الصادر في أيار/مايو 2017، والذي يقضي بصورة شبه تامة على العمل المدني، إلا أن يكون بقبضة الأجهزة الأمنية.
مطالب البيان الأربعة
رفع البيان الحقوقي أربع مطالب أساسية، حث من أسماهم بـ"حلفاء مصر"، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي، بالضغط عليها لتحقيقها.
وأولى هذه المطالب، إنهاء قمع المنظمات المستقلة، وإلغاء قانون الجمعيات الأهلية. ويتضمن ذلك أيضًا إنهاء الملاحقات الأمنية والقانونية المتعمدة لنشطاء المجتمع المدني، وخاصة المتعلقة بما يعرف بـ"قضية التمويل الأجنبي"، وكذا بخصوص ما يتعرض له نشطاء المجتمع المدني من حظر سفر تعسفي وتجميد للأموال ومصادرة للممتلكات.
أما المطلب الثاني فكان التشديد على ضرورة أن تنهي السلطات المصرية ممارسة الإخفاء القسري، وكذا التعذيب أثناء الاعتقال والاحتجاز، وإفلات المتورطين في التعذيب من رجال الشرطة، من العقاب. وهي القضايا الأكثر حساسية بالنسبة للسلطات المصرية، التي تستمر في نفي ارتكابها، رغم أن ثمة حوادث كُبرى متعلقة بالإخفاء القسري والتعذيب أثناء الاعتقال لدرجة القتل، مثلما حدث مع الطالب الأجنبي جوليو ريجيني.
وفي نفس السياق طالب البيان بإنهاء حالة الطوارئ في مصر، والتي بسببها تمرر كثير من انتهاكات حقوق الإنسان.
وقد تمثل المطلب الثالث في الإفراج عن المعتقلين السياسيين وعن الصحفيين، مع إتاحة هامش لحرية الصحافة غير الموجود أساسًا.
طالبت هيومن رايتس ووتش حلفاء مصر الغربيين، بالضغط على السلطات المصرية لإلغاء قانون الجمعيات الأهلية والكف عن ممارسة الإخفاء القسري
ورابعًا، طالبت هيومن رايتس ووتش بحماية الأقليات، وعلى رأسهم الاقباط الذين قالت إنهم "مستهدفون بالقانون السياسي والاجتماعي"، وكذلك المثليين الذين تعرض بعضهم للمحاكمة بتهمة "الفجور".
هل تؤثر البيانات الحقوقية على مسيرة القمع في مصر؟
هناك العديد من البيانات التي صدرت من أكثر من منظمة حقوقية دولية حول الأوضاع المزرية للحقوق والحريات في مصر، كان أبرزها البيان الخاص بمجموعة القرارات غير الملزمة التي صدرت عن الاتحاد الأوروبي بشأن الأوضاع في مصر، والذي انتقدته منظمة العفو الدولية، معتبرة أنه "يتبنى لهجة مخففة، أغفلت العديد من القضايا".
اقرأ/ي أيضًا: حقوق الإنسان في مصر.. بين أوهام وزارة الخارجية ولمحة المفوض السامي عن الواقع
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو: ما هي جدوى البيانات الحقوقية المتتالية عن الانتهاكات التي يمارسها النظام المصري؟ وهل تؤثر هذه البيانات على مسيرة القمع في مصر؟
عن هذا أجاب عمرو مجدي، الباحث في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بهيومن رايتس ووتش، فقال لـ"ألترا صوت"، إن "الحكومة المصرية، وخاصة في السنوات الثلاث الأخيرة، لم تعد تقيم أية اعتبارات لأي ضغوط داخلية، واستجاباتها الحقيقية غالبًا تكون بسبب ضغوطات خارجية"، معطيًا أمثلة على ذلك بالإفراج عن الصحفي الأسترالي للجزيرة بيتر غريستي، ومحمد سلطان، واللذين اُفرج عنهما بعد حملات ضغط مطولة ومستمرة من الخارجية الأمريكية والأسترالية.
يضيف مجدي: "رغم أن النشاط الداخلي يبقى مهمًا، ويبقى النشطاء في الداخل في الجبهة الأمامية لمرمى نيران النظام، إلا أن الحكومة المصرية لا تقيم وزنًا إلا للضغوط الدولية".
وبالإشارة إلى أنّ الضغوط الخارجية في قضية المعتقلين، تكون موجهة أكثر لأصحاب الجنسيات الأجنبية، يقول عمرو مجدي: "مع الأسف، الأفراد الأكثر حظًا هم الذين يحملون جنسيات مزدوجة، لأن حكوماتهم هي من يشكل مسارات الضغط الحقيقية على السلطات المصرية".
لكن عمومًا "استمرار الضغوط الخارجية مهم، وهي مجموعة من الخطوات التي يتم مراكمتها في هذا المسار، وخاصة الضغط من ناحية أنه لا يمكن أن يكون هناك شراكة بين الاتحاد الأوروبي ومصر على حساب حقوق الانسان"، كما قال.
وفي كل مرة يصدر فيها بيانٌ مماثل، يأتي الرد المصري ما بين النفي والتنديد، وأحيانًا كثيرة بوصف المنظمات صاحبة البيانات بأنها "منظمات ترعى الإرهاب"، لكن "في أروقة الحكم ومصانع السياسة، تُستخدم هذه الأوراق كوسائل ضغط"، بحسب مجدي.
ويظل النظام المصري يلعب دور المراوغ والمناور من أجل الإفلات من تلك الاتهامات التي لطالما وجهت له. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أفادنا عمرو مجدي بأن أية قرارات يصدرها الاتحاد الأوروبي حتى وإن لم تكن ملزمة، كتلك التي صدرت في العام الماضي، واعترضت على استمرار تصدير السلاح لمصر من قبل بعض الدول الأوروبية؛ تحتاج إلى التصويت بإجماع من معظم دول الاتحاد الأوروبي من أجل إنفاذها. هنا تبدأ السلطات المصرية الاستثمار في علاقاتها مع اليونان وقبرص والمجر، لتعرقل هذه الدول الإجماع الأوروبي.
وتجدر الإشارة إلى أن دولًا بالاتحاد الأوروبي اتفقت على تجميد منح تراخيص تصدير الأسلحة، منعًا لاستخدامها في القمع، ولكن لاتزال هناك 12 دولة أوروبية مستمرة في تصدير السلاح للسلطات المصرية.
لم تعد السلطات المصرية تقيم أية اعتبارات لأي ضغوط داخلية تخص الحقوق والحريات، واستجاباتها الحقيقية غالبًا تكون بسبب ضغوط خارجية
وغني عن الذكر أن كل البيانات والتقارير الحقوقية تزعج النظام لبرهة، وتسيء لسمعته خارجيًا لفترة طويلة؛ لكنها لم تمنع في كل الأحوال دول العالم، بما فيها الدول الغربية، من التعامل مع السلطات المصرية بالشكل الذي يمنحها صورة من "الشرعية"، ويمرر مزيدًا من الانتهاكات للحقوق والحريات.
اقرأ/ي أيضًا:
حقوق الإنسان في مصر.. مأسسة الانتهاكات
"أشياء لا تصدق".. تقارير جديدة تفضح جرائم التعذيب لدى أجهزة الأمن المصرية