14-أكتوبر-2024
رؤساء الصومال ومصر وأريتريا

تحالف ثلاثي يجمع مصر بالصومال وأريتريا والمستهدف الرئيسي إثيوبيا (وزارة الإعلام الإريترية)

دخلت اتفاقية "عنتيبي" المثيرة للجدل يوم أمس الأحد حيز التنفيذ بشكلٍ رسمي، وفي حين رحّبت أديس أبابا بذلك الحدث، جدّدت مصر والسودان رفضها الاتفاقية بالقول إنها غير ملزمة نظرًا لمخالفتها مبادئ القانون الدولي، وذهب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى ما هو أبعد من الرفض بقوله إنّ "الحفاظ على نهر النيل مسألة وجود" في تلويحٍ بإمكانية اللجوء إلى كل الوسائل المتاحة للتصدي للاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل المعروفة باتفاقية "عنتيبي".

إثيوبيا تعتبر تنفيذ الاتفاقية نجاحًا تاريخيًا لها

في أوّل تعليقٍ إثيوبي على دخول اتفاقية "عنتيبي" حيز التنفيذ قال وزير المياه والطاقة الإثيوبي هبتامو إتافا: "إنّ هذا اليوم نجاحٌ تاريخي لدول وشعوب حوض النيل للتوصل إلى اتفاق لتعزيز التعاون بين دول حوض النيل" وفق تعبيره، مضيفًا: "إن دخول الاتفاقية حيز التنفيذ سيؤدي لإنشاء مفوضية حوض نهر النيل التي ستتولى إدارة موارد نهر النيل بشكلٍ مستدام واستخدامها بشكل عادل بين جميع الدول".

بيان مصري سوداني مندّد

أصدرت القاهرة والخرطوم بيانًا مشتركا نددتا فيه بإعلان دخول اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ، حيث اعتبرتا "أنّ مفوضية الـ6 دول الناشئة عن الاتفاق الإطاري غير المكتمل لا تمثل حوض النيل في أي حال من الأحوال"، ولفت البيان المصري والسوداني إلى أنّ الدولتين "تلتزمان بشكلٍ كامل بالتعاون مع دول حوض النيل في إطار المبادئ المتعارف عليها دوليًا بما يحقق المنفعة للجميع دون إحداث ضرر لأي من الدول"، كما دعا بيان القاهرة والخرطوم "دول الحوض إلى إعادة اللُّحمة إلى مبادرة حوض النيل وعدم اتخاذ إجراءات أحادية تسهم في الانقسام بين دول المنابع ودول المصب بحوض نهر النيل، وذلك اقتناعا من الدولتين بأن استعادة مبادرة حوض النيل لشموليتها هو الطريق الأمثل للتوافق على إطار وآلية تعاون دائمين لحوض النيل".

أخفقت 4 جولات من التفاوض بين مصر والسودان وإثيوبيا في التوصل إلى حل يرضي الجميع

وجاء هذا الموقف المصري السوداني المشترك بعدما عقدت الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل بين مصر والسودان اجتماعًا لها، يومي 11 و12 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، تباحث فيه الطرفان حول مسائل مياه حوض النيل وعلى رأسها مسألة تصديق بعض دول الحوض على مشروع الاتفاق الإطاري لدول حوض النيل. يشار إلى أن السودان ومصر طرفيْ اختصاص بموجب اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه نهر النيل الموقعة بين البلدين، في تشرين الثاني/نوفمبر 1959.

وكانت دولة جنوب السودان صادقت في الثامن من تموز/يوليو الماضي، على اتفاقية عنتيبي لتدخل حيز التنفيذ بعد توقيع 6 دول هي إثيوبيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا وكينيا وجنوب السودان، فيما رفضت مصر والسودان وبوروندي والكونغو الديمقراطية وإريتريا المصادقة عليها.

لم يقتصر موقف القاهرة على ما ورد في البيان المشترك الذي نشرته وزارة الري والموارد المائية المصرية بل دخلت الرئاسة المصرية أيضًا على الخط، حيث قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمس الأحد إن "نهر النيل يشكل مصدرًا رئيسيا للمياه والحفاظ على هذا المورد الحيوي مسألة وجود"، وأضاف السيسي، في كلمته التي ألقاها خلال افتتاح فعاليات أسبوع القاهرة السابع للمياه أنّ "مصر تضع المياه على رأس أولوياتها حيث يعتبر نهر النيل تحديدًا، قضية ترتبط بحياة الشعب المصري وبقائه كونه يشكل المصدر الرئيسي للمياه في بلادنا بنسبة تتجاوز 98 %".

يشار إلى أنه في أيلول/سبتمبر المنصرم وجّهت  مصر خطابًا إلى مجلس الأمن الدولي، بشأن تطورات سد النهضة الإثيوبي، حيث أكدت القاهرة في ذلك الخطاب أنّ سياسات أديس أبابا سيكون لها "آثار سلبية" على دولتيْ المصب مصر والسودان.

سياق مضطرب

تحدث هذه التطورات في ملف مياه النيل في خضمّ توترات متزايدة بين مصر وإثيوبيا، بسبب الخلافات المستمرة حول ملء وتشغيل سد النهضة منذ 2011 ورفض إثيوبيا توقيع اتفاق يحفظ لمصر حقوقها المائية (55.5 مليار متر مكعب سنويا)، كما تأتي أيضًا بعد أيام من انتقادات إثيوبية للتعاون المصري العسكري مع الصومال. وجاء التقارب المصري مع الصومال وإريتريا مؤخرًا بعدما أخفقت 4 جولات من المفاوضات كان آخرها في 17 و19 كانون الأول/ديسمبر 2023، بين مصر والسودان وإثيوبيا. فعلى إثر انتهاء مسار المفاوضات بالفشل قررت القاهرة الدفاع عن أمنها المائي بشتى السبل.

قمة ثلاثية

شهدت العاصمة الإريترية أسمرا الخميس الماضي انعقاد قمة ثلاثية بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيريه الإريتري أسياس أفورقي، والصومالي حسن شيخ محمود، للتباحث حول تعزيز "التعاون الاستراتيجي" بين البلدان الثلاثة لمواجهة التحديات في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، وتعدّ القمة موجهةً بدرجة أولى للتعامل مع محاولات إثيوبيا التوسع في المنطقة، عبر إنشاء ميناء في إقليم أرض الصومال غير المعترف به دوليًا.

وفي البيان الختامي لقمة أسمرا أكّدت الدول الثلاث: "ضرورة الالتزام بالمبادئ والركائز الأساسية للقانون الدولي، باعتبارها الأساس الذي لا غنى عنه للاستقرار والتعاون الإقليميين، خصوصًا الاحترام المطلق لسيادة واستقلال ووحدة أراضي بلدان المنطقة، والتصدي للتدخلات في الشؤون الداخلية لدول المنطقة تحت أي ذريعة أو مبرّر، وتنسيق الجهود المشتركة لتحقيق الاستقرار الإقليمي، وخلق مناخ مواتٍ للتنمية المشتركة والمستدامة".

كما أشار البيان إلى "تطوير وتعميق التعاون والتنسيق بين الدول الثلاث من أجل تعزيز إمكانات مؤسسات الدولة الصومالية لمواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية، وتمكين الجيش الفيدرالي الصومالي الوطني من التصدي للإرهاب بكافة صوره وحماية حدوده البرية والبحرية وصيانة وحدة أراضيه".

وذكر البيان أن القمة "تناولت بعمق أكبر وتوصلت إلى توافق في الآراء بشأن: الأزمة في السودان وتداعياتها الإقليمية، والوضع في الصومال، على ضوء التطورات الإقليمية الأخيرة، وقضايا الأمن والتعاون بين الدول الساحلية للبحر الأحمر ومضيق باب المندب، في سياق أهميته القصوى كممر بحري حيوي، وآليات التنسيق الدبلوماسي والجهود المشتركة بين الدول الثلاث، والترحيب بالجهود التي تقوم بها كل من دولة إريتريا ومصر في دعم الاستقرار في الصومال وتعزيز قدرات الحكومة الفيدرالية، والإشادة بعرض مصر المساهمة بقوات في إطار جهود حفظ السلام في الصومال".

تسعى مصر جاهدةً لتضييق الخناق على إثيوبيا في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر

وتعليقًا على هذه المخرجات قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية المصري، عصام عبد الشافي، في حديث لصحيفة "العربي الجديد"، إن "الاتفاق الثلاثي الذي تم، يبقى هشًّا إذا لم يتم وضعه موضع التطبيق، بتنفيذ خطوات عملية من خلال تعزيز عملي للعلاقات الأمنية والعسكرية والاقتصادية بين هذه الدول الثلاث".

مؤكدًا أن "الصومال دولة في غاية الأهمية والعمق الاستراتيجي للدولة المصرية، وكذلك إريتريا، لأن هاتين الدولتين تشرفان على مضيق باب المندب، أحد أهم المحاور الاستراتيجية لقناة السويس في مصر، وبالتالي توسيع وتعزيز النفوذ، مهم لبناء وتعزيز الأمن القومي للدولة المصرية".

وأضاف أنه "يمكن أيضًا لمصر أن تفكر في التنسيق المشترك مع تركيا في هذا المجال، باعتبار أن تركيا لها علاقات قوية في الصومال".

وتابع عبد الشافي: "لكن من حيث موازين القوى، الأمر هنا لا يرتبط بما تمتلكه هذه الدول الثلاث في مواجهة إثيوبيا، لأن هناك متغيرًا في العلاقات الإقليمية والدولية لهذه الأطراف، والتنافس الدولي والإقليمي في منطقة القرن الإفريقي، وكذلك أيضا إثيوبيا، والتي تعاني الهشاشة والحروب الأهلية والصراعات الحدودية مع كل دول الجوار تقريبًا، كما أنها تحتل جزءً من الأراضي الصومالية، ولذلك أزماتها الداخلية والإقليمية كبيرة"؟

لكن العامل الأهم، برأي عبد الشافي، "هو كيف تفكر هذه الدول؟ هل تفكر بالفعل في إطار هذه الشراكة الثلاثية من منظور الأمن القومي للدولة، أم من منظور أداء دورٍ وظيفي لصالح بعض الأطراف الإقليمية والدولية مثل الولايات المتحدة وغيرها من دول الإقليم". ولفت إلى أن "كل هذه الأمور تشكل عوامل مهمة في قيمة وجدوى مثل هذا التحالف في هذا التوقيت، خصوصًا في ظل تمدد الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وطبيعة الدور الذي يمكن أن تقوم به مصر، وخصوصًا أن هناك دوائر، من منظور التفكير الاستراتيجي، تشكل أولوية، مثل ما يحدث في غزة، وكيفية استجابة مصر لما يحدث هناك، وكذلك ما حدث في ملف سد النهضة" وفق قوله.