30-يوليو-2024
القس الإنجيلي أندرو برونستون مباركًا ترامب في البيت الأبيض

(Getty) القس الإنجيلي أندرو برونستون مباركًا ترامب في البيت الأبيض

من المعروف عن العلمانية الأميركية تساهلُها مع التعبيرات الدينية في الفضاء العام، لكن بات من الملاحظ في الآونة الأخيرة انخراط الكنيسة والقساوسة على نحوٍ متزايد في الشؤون السياسية، خاصةً على مستوى الدعاية الانتخابية للمرشحين في السباق الرئاسي.

ولعلّ ما يسمح بهذا الالتقاء المكثف بين القساوسة والساسة في الولايات المتحدة هو أنّ الدستور الأميركي الذي يفصل بين الكنيسة والدولة لا يعترف بالفصل بين الدين والسياسة، مع الإشارة إلى أنّ تعديل جونسون الذي أقرّ عام 1954، يحظر على الكنائس والمؤسسات الدينية الأخرى المشاركة في الأنشطة السياسية أو القيام بحملات انتخابية لمرشحين سياسيين، لكن تعديل جونسون المذكور لم يحظر على القساوسة المشاركة السياسية بكافة أشكالها باعتبارهم ممثلين لأنفسهم وليس لكنائسهم. ولذلك نجد القساوسة وكلاء يقومون بمهام الدعاية للمرشحين وفوق ذلك يستخدمون التبشير والرؤى الدينية لاستدرار التصويت لهم.

فقد استغل القساوسة الإنجيليون الداعمون لترامب محاولة اغتياله في بنسلفانيا للقول إنّ "يد الله تحمي مرشحه وتبارك مساعيه"، فللرب حسب هؤلاء مرشح هو ترامب!

ترامب هو الآخر، يحرص دومًا على استغلال الدعاية الدينية ودعم القساوسة، فقد أعلن خلال تجمعٍ لحملته الانتخابية في سيوكس سنتر بولاية أيوا كانون الثاني/يناير الماضي أنه فخور بأن يعلن أنّ حملته الانتخابية "قد حظيت بتأييد القساوسة ورجال الدين في كل من المقاطعات الـ99 للولاية"، مضيفًا "أعتقد أن هذا أمر غير مسبوق"، ليحظى بتصفيقٍ كبير أشفعه بالقول "شكرًا جزيلًا لكم. الرب معنا، أليس كذلك؟".

فقد استغل القساوسة الإنجيليون الداعمون لترامب محاولة اغتياله في بنسلفانيا للقول إنّ "يد الله تحمي مرشحه وتبارك مساعيه"، فللرب حسب هؤلاء مرشح هو ترامب!

على الرغم من أنّ الإنجيليين المؤيدين لترامب والحزب الجمهوري بتوجهاته المحافظة يستحوذون على النصيب الأكبر من التجييش الديني للمشهد السياسي الأميركي، إلا أنّ الديمقراطيين لهم أيضًا نصيبهم من القساوسة المجيشين، حيث استفاد بايدن من الدعم المعلن لـ1600 قس ورجل دين خلال انتخابات عام 2020، فيما وُصف حينها بأنه أكبر مبادرة دينية لدعم مرشح ديمقراطي في التاريخ الأميركي الحديث.

ويشار في هذا الصدد إلى الدور الذي لعبه القساوسة والكنائس السوداء في دعم بايدن ضرب ترامب خلال تلك الانتخابات، التي عرفت مستوىً غير مسبوق من العنف بعد رفض ترامب الاعتراف بهزيمته واقتحام أنصاره، لا سيما من المتشددين، لمبنى الكابيتول.

ترامب والإنجيليون

استغلت الداعية الإنجيلية والمستشارة السابقة لترامب، بولا وايت، حادثة محاولة اغتيال ترامب لتقنع الجمهور الأميركي بأن "المسيح يحمي ترامب"، قائلةً في منشور لها على منصة إكس "لقد كذبوا بشأنه، وافتروا عليه، حاولوا عزله، وحاولوا سجنه، والآن يحاولون قتله. لكن الله معه! ادعوا من أجل الرئيس دونالد ترامب وعائلته".

وأثناء المناظرة الشهيرة بين ترامب وبايدن في الـ27 من حزيران/يونيو حشدت بولا وايت جمعًا  من كبار القساوسة في مكالمة طارئة  بثتها منظمة شفعاء من أجل أميركا ودامت 40 دقيقةً "للدعاء من أجل أن ينصر الله ترامب على عدوهما بايدن" أي أنّ بايدن ليس مجرد عدوٍ لترامب، من وجهة نظر هؤلاء الإنجيليين، بل عدوٌّ لله أيضًا.  أما ترامب، فكان بالنسبة لهؤلاء، "يريد بصدق أن يسمع ماذا يقول الرب. أن يجعل أميركا عظيمةً حقًّا هو أمر حقيقي بالنسبة له، وليس مجرد شعار".

يشار إلى أنه كان من بين المشاركين في هذه "الصلاة من أجل ترامب" راعي كنيسة بريستونوود المعمدانية في تكساس جاك غراهام، وجنتزن فرانكلين، راعي كنيسة فري تشابل في غينسفيل في جورجيا، والحاخام بنحاس تايلور، المدير التنفيذي لتحالف الإيمان الأميركي.

على ذات المنوال يلعب القس الإنجيلي المبشر بات روبرتسون دورًا كبيرًا في تزويد الحزب الجمهوري بالمنتسبين الإنجيليين، وكان القس قد انخرط 2016 في دعم دونالد ترامب ضد هيلاري كلينتون.

كما استفاد ترامب أيضًا من دعم أحد أبرز قساوسة الكنيسة المعمدانية التاريخية في تكساس التي تضم 14 ألف عضو، وهو القس روبرت جيفريس المبشر التلفزيوني تبث برامجه ومواعظه في مئات المحطات التلفزيونية والإذاعية داخل الولايات المتحدة وخارجها.

وفي تعليقه على نجاة ترامب من محاولة الاغتيال التي تعرض لها في بنسلفانيا نسب جيفريس نجاة ترامب إلى "عناية الإله" مكرّسًا بذلك دعاية أن "الرب مع ترامب"، وهي دعاية تؤثر كثيرًا في جمهور المتدينين الأميركيين.

وأثناء العهدة الأولى لترامب، حرص على إبراز تحالفه مع الإنجيليين، ليس بتسمية بولا وايت مستشارةً فقط، وإنما بحصوله على مباركة القساوسة في البيت الأبيض ويتذكر الجميع صورة القس الإنجيلي أندرو برونستون وهو يبارك ترامب في البيت الأبيض وما تركته من أثر رمزي بأنّ عهدًا سياسيًا محافظًا محتلفًا قد بدأ.