زوّج أحدُهم ولدَه الوحيد، فحال الحولُ من غير أن يقوم بالواجب مع عروسه، التّي نقلت الأمر إلى أمّه، فنقلته بدورها إلى أبيه، الذّي حمل عصاهُ وأتاهُ: "هل بعتُ الأرض وزوّجتك لتتركني بلا حفيد؟". هناك، اضطرّ الولد إلى أن يصارح الوالد: "إنّني لا أستطيع أن أحقّق انتصابًا من القدّام، إلّا إذا حدث لي مؤثّر من الوراء".
استفحلت ثقافة الفعل المشروط في الجزائر وباتت ثقافة عامّة ومن يعمل مخالفًا لها مدفوعًا بإيمانه بالواجب يوسم بالسذاجة
وقع الأبُ الفحلُ في خيبةٍ جائحةٍ، ثمّ حملته الرّغبة في النّسل على أن يتعامل مع الواقع بواقعيةٍ، فأتى بديكٍ وحفنة قمح، وضع المخلوق فوق المخلوقة، وضع حبّاتٍ من القمح فوق مؤخّرة الولد، وجّه منقار الفرّوج إليها، فلمّا بلغ الولدُ مقام الشّبق الأعلى، راح يصيح: "يا بَّيْ كَثَّرْلو الحبّات.. يا بَّيْ كَثّرلو الحبّات".
اقرأ/ي أيضًا: في علاقة الجزائريين بالنوم والكسل.. أسئلة يقظة
تبدو هذه في الظّاهر نكتةً بذيئةً تميّع المقامَ، لكنّ جوهر المقام نفسه يقول إنّ قطاعاتٍ كثيرةً في حياتنا الجزائريّة تسير بمنطق "كثّرلو الحبّات". ذلك أنّ قطاعًا واسعًا من نخبتنا المثقّفة انسحبت من الواجهة، بمجرّد أن سحبت الحكومة دعمها الماليّ لقطاع الثّقافة.
وبات قطاع واسع من نخبتنا السّياسيّة يطالب "عيني عينك" بحقّه من "الحبّات"، وقطاعًا كبيرًا من نخبتنا الإعلامية، يمكن أن يشنّ حربًا لصالح هذا الطّرف أو ذاك، أو يشنّها عليه لدوافع تتعلّق بالـ"الحبّات". أمّا نخبتنا الرّياضيّة، فقد حرمتنا من الوصول إلى مونديال روسيا 2018، بسبب قلّة "الحبّات" وهلمّ حَبًّا.
واستفحلت ثقافة الفعل المشروط، حتّى باتت ثقافة عامّة، وبات من يعمل مخالفًا لها مدفوعًا بنبله وإيمانه بالواجب، ساذجًا في نظر الحكومة والشّعب معًا. وقد أفرزت المرحلة نعوتًا له في القاموس الشّعبي من قبيل: "جايح" أي أحمق، و"بهلول"، و"بوخنونة" أي صاحب المخاط، و"بوهالي" أي متدروش.
بل إنّ هذه الثقافة امتدّت حتى إلى شريحة الأطفال الموصوفة في العادة بالبراءة. لك أن تكلّف طفلًا جزائريًّا بمهمّة ما، وستجده يطلب مقابلًا، لا أقصد ثقافة البقشيش المنتشرة في بعض البلدان العربية، فهي للأمانة غير موجودة في الفضاء الجزائري، وقد يشتمك الجزائري إذا أعطيته بقشيشًا، بل أقصد ثقافة أداء الخدمة في المهمّات النّبيلة الدّاخلة التي كانت تُؤدّى بشكل عفوي.
إنّ تأمّلًا بسيطًا وصريحًا في ماضينا القريب وواقعنا المعيش، سيجعلنا ندرك أنّنا، في الحقيقة، لم نُحكمْ خارج "الحبّات" منذ استقلالنا الوطني عام 1962، وهو ما يُفسّر الفشل الذّريع، الذّي مُنيِتْ به محاولات تغيير "الدّيك"/المؤثّر الخارجي، بمؤثّر داخلي لتحقيق انتصابٍ شعبيٍّ حقيقي وغير مشروط.
تأمل بسيط وصريح في ماضينا القريب وواقعنا المعيش، يجعلنا ندرك أننا في الجزائر لم نُحكم خارج "الحبّات" منذ الاستقلال الوطني
وسيأتي علينا حين من الدّهر، نتصالح فيه تمامًا مع الدّيك النّاقب لمؤخّراتنا، وسيصبح نقاشنا محصورًا في هوّية القمح: هل نستورده له من فرنسا أم من بقعةٍ أخرى!
اقرأ/ي أيضًا: