13-نوفمبر-2024
ترامب والأزمة المناخية

نشطاء بيئيون يرفعون لافتة على جسر البرج في لندن للاحتجاج على سياسات ترامب البيئية (رويترز)

شاءت الأقدار أن ينطلق مؤتمر كوب 29 في العاصمة الأذربيجانية باكو، بالتزامن مع فوز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، بانتخابات الرئاسة الأميركية. وشاءت هذه الأقدار أن يعيد ترامب التذكير بسياسته الداعمة لـ"الذهب السائل"، متوجهًا إلى المحامي البيئي السابق، روبرت إف كينيدي، بالقول: "لدينا ذهب سائل أكثر من أي دولة في العالم. أكثر من المملكة العربية السعودية. لدينا أكثر من روسيا"، في إشارة إلى إنتاج النفط والغاز التي سيدعم استخراجهما من المواد الأحفورية.

تصدّر ترامب حتى قبل استلام منصبه بنحو 70 يومًا المشهد في القمة المناخية، إذ بات مؤكدًا أن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ مسألة وقت، وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فإن الفريق الانتقالي لترامب يعمل على إعداد البيانات المطلوبة للانسحاب. تأكيد مباشر آخر على أن هذا الانسحاب مؤكد، انعكس في تصريح مبعوث المناخ الأميركي، جون بوديستا، موضحًا أنه حتى لو انسحبت واشنطن من الاتفاقية، فإن "العمل على احتواء تغيّر المناخ سيستمر في الولايات المتحدة".

المناخ "خدعة كبيرة"

شكك ترامب لأكثر من مرة أثناء حملته بالتغيّر المناخي، واصفًا إياه بأنه "خدعة كبيرة"، كما أنه سخر مرارًا وتكرارًا من مشاريع الطاقة البديلة، ودعم إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، للسيارات الكهربائية. أيضًا، تعهد ترامب في أكثر من مناسبة أنه في اليوم الأول من وصوله إلى المكتب البيضاوي سيوقع على قوانين إلغاء المشاريع البيئية، التي وسمها بـ"الخدعة الخضراء الجديدة"، من بينها قانون خفض التضخم الذي أقره الديمقراطيون لدعم مشاريع الطاقة النظيفة.

شكك الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب لأكثر من مرة أثناء حملته بالتغيّر المناخي، واصفًا أياه بأنه "خدعة كبيرة"، كما أنه سخر من مشاريع الطاقة البديلة

تشير نتائج انتخابات الكونغرس الأميركي إلى أن الجمهوريين يفصلهم أربع مقاعد للحصول على السيطرة المطلقة، وهو إن تحقق ستكون سياسة الحكم جمهورية بامتياز، بعد ضمان السيطرة على مجلس الشيوخ والمكتب البيضاوي. وبطبيعة الحال تتجه التوقعات إلى تكرار ما حصل خلال ولاية ترامب الأولى، عندما ألغى في الأيام الأولى أكثر من 100 مشروعًا بيئيًا، وفي المقابل سيجشع ترامب على إنتاج الوقود الأحفوري، وقد تبنى هذه السياسة أمام جمع من أنصاره، عندما خاطبهم بالقول: "احفروا يا بني.. احفروا".

يستعيد تقرير لموقع "أكسيوس" الأميركي بعضًا من سياسات المناخ في الولاية الأولى للملياردير الأميركي، كان أطرفها تقديمه توقعات خاطئة لمسار إعصار دوريان من الدرجة الخامسة، الأمر الذي أربك الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي. من بين الأفكار التي يطرحها مشروع 2025، توجد فكرة مرتبطة بخصصة خدمة الأرصاد الجوية الوطنية، وهي جهة تتبع للحكومة الفيدرالية، وكذلك إغلاق الإدارة الوطنية للمحيطات.

تقول دراسة أعدها موقع "كاربون بريف" لتحليل المناخ إن سياسات ترامب المناخية التي تشجع على إنتاج الوقود الأحفوري من المرجح أن تضيف أربعة مليارات طن من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. يأتي ذلك في وقت يطلب علماء المناخ من الدول الاقتصادية الكبرى خفض انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري بحلول عام 2030 بنسبة 50 بالمئة عن مستويات عام 2005 لتجنب ارتفاع الحرارة إلى درجات تدميرية.

يتوقع نائب وزير الطاقة في الولاية الأولى لترامب، مارك دبليو مينيزيس، أن يعين الرئيس الجمهوري المنتخب حاكم ولاية داكوتا الشمالية، دوغ بورغوم، الذي طور برنامج الطاقة في حملة ترامب الانتخابية، في منصب وزير الطاقة في الحكومة التي سيشكلها ترامب، بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية، وفقًا لتوقعات مينيزيس فإن اختيار بورغوم لهذا المنصب يأتي من كون الولاية منتجة للغاز والنفط.

"الحفر والحفر والحفر"

بعد إعلان فوز ترامب رسميًا بانتخابات الرئاسة الأميركية، يتوقع المحللون أن تعرض سياسة ترامب جهود الدول الحد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري. كان ترامب قد وعد أنصاره بالقول إنه منذ اليوم الأول لولايته الثانية: "أريد إغلاق الحدود، وثم الحفر والحفر والحفر"، وقال أيضًا إنه سيلغي جميع القوانين التي تفرض ضرائب على الشركات لتكون أكثر مراعاة للبيئة، كما أنه سيعيد منح التراخيص لاستخراج وإنتاج الوقود الأحفوري. 

يطرح مدير شؤون النفط والغاز في شركة "سينرجي للاستشارات"، راجات كابور، بحسب موقع "سي إن إن الاقتصادية"، مقارنة بين "نهجين متناقضين" لقضايا المناخ في حملتي ترامب، ونائبة الرئيس، كامالا هاريس. إذ إنه بينما تصف الأخيرة تغيّر المناخ بأنه "تهديد وجودي"، فإن ترامب يرى أنه "واحد من أعظم عمليات الاحتيال على الإطلاق".

تصف الرئيسة التنفيذية لمؤسسة المناخ الأوروبية، وإحدى المشاركات في هندسة اتفاقية باريس للمناخ، لورانس توبيانا، نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية بأنها "انتكاسة للعمل المناخي العالمي"، لكنها تستدرك أيضًا مؤكدة أن "اتفاقية باريس أثبتت مرونتها وقوتها مقارنة بسياسات أي دولة منفردة"، معيدة التذكير بأن المشاهد المأساوية للخسائر المدمرة الناجمة عن الأعاصير التي شهدتها الولايات المتحدة مؤخرًا تؤكد أن "جميع الأميركيين يتأثرون بأزمة تغيّر المناخ". وفي تصريح آخر لـ"نيويورك تايمز" أعربت توبيانا صراحة عن دهشتها من فوز ترامب بالتصويت الشعبي.

في المقابل، استُقبل فوز ترامب بترحيب لدى المنظمات الداعمة للوقود الأحفوري، والتي عبّر عنها المدير التنفيذي لمجموعة "باور ذا فيوتشر" للدفاع عن الوقود الأحفوري، دانيال تورنر، في بيان بالقول: "انتهى كابوسنا الوطني الطويل مع الصفقة الخضراء الجديدة"، مضيفًا "دعونا نجعل هذه النتائج بمثابة تحذير لأي سياسي آخر يشعر بأن الأجندة الخضراء أكثر أهمية من العائلات". كما شجع رئيس التحالف الأميركي للطاقة، توماس جيه بايل، ترامب على أن يكون "عدوانيًا لتحقيق ما يريده".

تأثير فوز ترامب على قمة المناخ

أحبط فوز ترامب بانتخابات الرئاسة الأميركية أي جهود أو اتفاقات قد يصل إليها المجتمعون في قمة 29، بحسب ليزا فريدمان في تقرير أعدته لـ"نيويورك تايمز"، فقد شهدت القمة تغيّب زعماء الدول الكبرى، بما في ذلك المفوضية الأوروبية والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والبرازيل والصين، وغيرهم من زعماء الدول الأخرى، بالإضافة إلى كبار الممولين، بما في ذلك رؤساء بنوك "أوف أميركا" و"بلاك روك" و"ستاندرد تشارترد" و"دويتشه بنك".

كما أن فوز ترامب أعاد تسليط الضوء مرة أخرى على مصداقية واشنطن كشريك موثوق في مكافحة تغيّر المناخ، كما الحال مع الشراكات في المجالات الأخرى. يرى نائب المبعوث الخاص السابق لشؤون المناخ في إدارتي الرئيس السابق، باراك أوباما، والرئيس بايدن، جوناثان بيرشينج، أن "السلوك الأميركي غير المنتظم يجعل من الصعب كسب ثقة الحلفاء"، مضيفًا "قد تكون هذه هي اللحظة التي تفقد فيها أميركا أخيرًا قدرتها على إقناع الدول الأخرى بالتصرف بشكل أكثر عدوانية بشأن المناخ".

يعكس تقرير لشبكة "سي إن إن" المخاوف الأميركية من أن يمنح انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية الباريسية الصين المزيد من النفوذ العالمي، ويرى أنه في النهاية ينبغي على الاتحاد الأوروبي ملء فراغ واشنطن. إذ إنه بعدما كانت الصين الدولة الأكثر تسببًا بالأزمة المناخية، فإنها في مقابل ذلك تحوّلت إلى أسرع دولة تقوم ببناء مزارع الطاقة البديلة، وأصبحت من الدول المصدرة في هذا المجال إلى مختلف أنحاء العالم، كما أنها تعمل على بناء مزارع طاقة بديلة تغطي ثلثي المرافق العامة.

نهاية، تقرأ محررة الشؤون البيئية في "ذا غارديان"، فيونا هارفي، الانسحاب الأميركي من جانبين منفصلين مرتبطين، فهي ترى أنه من الممكن أن تؤدي مقاومة ترامب لاتفاقية المناخ إلى توفير غطاء للدول الرافضة للسياسات البيئية. هذا من الجانب الأول، بينما يدور الجانب الثاني حول السنوات التي عملت فيها إدارة بايدن على رأب الصدع مع الصين بشأن التغيّر المناخي، وهو ما مثل تعاون نادر بين الدولتين، لكن فيونا ترى الآن أنه حتى "هذا الجهد الدبلوماسي لن ينجو في ظل ترامب".