في وقتٍ يتوقع فيه المراقبون أن يتخذ دونالد ترامب قرارًا بسحب قوات بلاده من سوريا على غرار ما فعل في ولايته الأولى، استقدمت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية مزيدًا من التعزيزات إلى سوريا، حيث أفاد المرصد السوري لحقوق الانسان بدخول 13 شاحنة محملة بمعدات عسكرية ولوجستية إلى سوريا عبر الحدود البرية مع العراق، وبالتحديد عبر معبر الوليد الحدودي، وحطت القافلة العسكرية حمولتها في "قاعدة قسرك" الواقعة في ريف محافظة الحسكة شمال شرقي البلاد.
وليست هذه الشحنة الجديدة سوى واحدة من بين عدة شحنات. فخلال الأسبوعين الماضيين، سُجل دخول أكثر من 100 شاحنة لقوات التحالف، محملة حسب تقريرٍ سابق للمرصد السوري لحقوق الإنسان بـ"معداتٍ عسكرية ولوجستية وصناديق مغلقة وصهاريج وقود عبر المعبر الحدودي بين العراق وسوريا، بالإضافة إلى أكثر من عشر طائرات من العراق تحمل إمدادات عسكرية أيضًا وصواريخ مضادة للطائرات".
ولا يستبعد متابعون أن يكون لوصول هذه التعزيزات علاقة بالاستهدافات المتوقعة للقواعد العسكرية التابعة لقوات التحالف من طرف إيران ووكلائها، خاصةً أن مصادر محلية أفادت أمس السبت "بتصدي المضادات الأرضية في قاعدة حقل كونيكو في الريف الشمالي لمحافظة دير الزور، شرق سوريا، لطائرات مسيرة أطلقتها المليشيات الإيرانية باتجاه القاعدة"، وأكدت ذات المصادر لصحيفة "العربي الجديد" أن "المنطقة شهدت تحليقًا مكثفًا لطيران التحالف الدولي".
قد يكون ما يشاع حول انسحاب القوات الأميركية من سوريا بعد وصول ترامب إلى سدة الحكم أمرًا مستبعدًا
البقاء الأميركي في سوريا
يقرأ محللون سوريون في التعزيزات العسكرية الجديدة، رسالةً مفادها أن ما يشاع حول انسحاب القوات الأميركية من سوريا بعد وصول ترامب لسدة الحكم هو أمرٌ مستبعد. وفي هذا السياق، يقول أبو عمر البوكمالي، في تصريح لصحيفة "العربي الجديد"، إن "هذه التعزيزات قد تهدف إلى قطع التواصل الإيراني مع غرب العراق. كما تحمل هذه التعزيزات رسالة إلى العراق، وتؤكد أن الحكومة الأميركية لديها أهداف أقوى مما صرحت به سابقًا".
وأضاف البوكمالي: "من المستبعد وقوع حرب تقليدية في المنطقة بين الجانبين الأميركي والإيراني، ولكن يبدو أن الهدف هو تعزيز القوة وتوجيه رسائل إلى إيران، حيث قد تصبح المواجهة متعددة الجبهات بناءً على السياسة الجديدة"، التي ستتبعها إدارة ترامب، والتي بات من المرجح أن تكون مختلفةً عن سياسته في ولايته الأولى حول سوريا عندما اعتبر الحرب حينها "عبثيةً". لكن المعطيات الجديدة قد تدفع ترامب إلى إعادة تقييم موقفه، بالنظر إلى أن سوريا باتت قاعدةً لاستهداف القوات الأميركية في المنطقة من طرف مليشيات محسوبة على طهران.
ولذلك، يؤكد البوكمالي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الرسالة الأهم من هذه التحركات الأميركية هي التأكيد على استمرار اهتمامها بالمنطقة. بل ربما تُظهر الحكومة الأميركية اهتمامًا أكبر وجدية في حسم الأمور بالمنطقة، خصوصًا في ما يتعلق بإنهاء النفوذ الإيراني" وفق قوله.
رسائل مضمونة الوصول إلى إيران
اعتبر المحلل السياسي السوري رشيد حوراني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الهدف من وراء هذه التعزيزات العسكرية هو "إيصال رسالة إلى إيران بأن التحالف الدولي يعمل على مبدأ تكامل المهمة مع إسرائيل، التي تتمثل في تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، باعتبار أن منطقة شرق سوريا تُعد ممرًا بريًا هامًا لإمدادات السلاح للمليشيات في سوريا".
وأضاف حوراني أن "التعزيزات تصب في مصلحة تعزيز القدرة العسكرية لقواعد التحالف الدولي في المنطقة تحسبًا لردود فعل المليشيات الإيرانية، التي كررت استهدافها لتلك القواعد بأسلحة مختلفة، برية وجوية، خاصةً أن إيران لم تُظهر حتى الآن تنازلًا عن حضورها في سوريا بشكل خاص، ومشروعها في المنطقة بشكل عام"، وفق قوله.
كما قد تكون خلف التعزيزات العسكرية لقوات التحالف، حسب الباحث السوري، أغراض أخرى "مثل مساعدة روسيا في ضبط التحركات الإيرانية على غرار ما فعلته في جنوب سوريا، حيث عملت روسيا أخيرًا على إقامة حاجز لمنع عناصر المليشيات الإيرانية من الدخول إلى القرى السبع التي تسيطر عليها إيران في شرق الفرات، إضافةً إلى دعم الحاضنة الاجتماعية ضد الوجود الإيراني في المنطقة، بدليل هجوم عشيرة الحسون في البوكمال أخيرًا على مقرات المليشيات الإيرانية وطردها، بعد تطاول عناصر تلك المليشيات على أحد شيوخ العشائر في المنطقة".
كما أن من بين أهداف التعزيزات حسب حوراني "قصف المعابر الشرعية وغير الشرعية التي تستخدمها إيران في تهريب السلاح، على غرار ما تقوم به إسرائيل على الحدود السورية اللبنانية، وكذلك التعاون مع الجانب العراقي لضبط الحدود، الذي بدأ أخيرًا بإنشاء جدار إسمنتي في منطقة الطريفي، غربي الأنبار، وتزويده بكاميرات مراقبة وتعزيزه بوسائل الضبط والمراقبة عبر الطائرات المسيرة".