على مدى العقد الماضي، أدت الاضطرابات والصراعات المستمرة وقمع الديكتاتوريات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى مفاقمة وضع اللاجئين في المنطقة وخلقت أزمة جديدة تعد من أكبر أزمات اللجوء والنزوح في التاريخ مع نزوح أكثر من 12 مليون إنسان داخل سوريا وخارجها. مآسٍ جديدة راكمت على أزمات اللجوء التي خلقتها اضطرابات سابقة عدا عن واقع الاحتلال الإسرائيلي الذي يمثل، في نظر غالبية العرب، وفق نتائج المؤشّر العربي للعام 2022، أكبر تهديد للمنطقة.
ما يقرب من 40 في المئة من النازحين في العالم ينحدرون من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
فالإحصاءات تشير إلى أن ما يقرب من 40 في المئة من النازحين في العالم ينحدرون من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وعالمياً بنهاية عام 2022، قدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأن عدد المهجرين قسرياً حول العالم وصل إلى 103 مليون إنسان.
وبعد أن عصفت جائحة كوفيد بالعالم خلال السنوات القليلة الماضية وما تلاها من اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية رزحت الموارد المتاحة للعمل الإنساني تحت ضغط الطلب وقلة الموارد، ولم تعد نماذج العمل الإنساني والمساعدات والبرامج الدولية المخصصة للاستجابة للكوارث الإنسانية بشكلها التقليدي كافية لمعالجة معاناة عشرات الملايين من المستضعفين، وبات لزاماً على المجتمع الدولي تطوير آليات ونماذج أكثر فعالية واستجابات أكثر سرعة تلبي حقيقةً احتياجات الناس على الأرض. وهنا برز دور اللاجئين وقدرتهم على أن يكونوا هم أنفسهم جزءًا جوهرياً من الحل.
يلعب اللاجئون دوراً مهماً في الاستجابة لأزمات اللجوء، فبحكم احتكاكهم المباشر مع التحديات على الأرض هم غالبًا ما يكونون المستجيب الأول للأزمات، وهم الأكثر خبرة ومعرفة بطبيعة المشاكل التي يواجهونها هم والمجتمعات المستضيفة لهم، مما يجعلهم في وضع أفضل لفهم احتياجات مجتمعاتهم ومتطلباتها، ومعرفة أفضل الطرق للاستجابة لها مقارنةً بالقادمين من الخارج من المنظمات والهيئات الدولية. فهؤلاء قد يفتقرون لفهم السياق المحلي بنفس الدرجة، وبالتأكيد لا يحظون بنفس الثقة التي يحظى بها القادة اللاجئون في مجتمعاتهم، مع عدم إنكاري للدور المهم والحيوي الذي قد تلعبه بعض المنظمات والهياكل الدولية في هذا المجال بالتعاون مع اللاجئين والمنظمات المحلية. ولكن من خلال إشراك اللاجئين في الأدوار القيادية، يمكن للهياكل والمؤسسات الدولية أن تصمم استجاباتها بشكل أفضل لتلائم احتياجات ووجهات نظر المجتمعات المتضررة، وتضمن أن تكون تدخلاتهم أكثر فعالية واستدامة وملائمة لثقافة المجتمعات المستفيدة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد تمكين اللاجئين لتولي أدوار قيادية في تعزيز اعتمادهم على أنفسهم وبناء قدرتهم على الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم مباشرةً دون الحاجة لوسطاء.
ومع أن المجتمع الدولي يحاول الترويج لفكرة أنه يُنظر إلى المنظمات المحلية التي يقودها لاجئون على أنهم شركاء متساوون مع المنظمات الدولية، فإنه في 2021 قُدر بأن أقل من 1% من 30 مليار دولار تتدفق سنوياً عبر النظام الإنساني الدولي تذهب إلى المنظمات التي يقودها لاجئون لتمويل استجابتهم وبرامجهم بالغة الأهمية. ولا يقتصر الأمر على التمويل، بل يتعداه لجدية المجتمع الدولي في إشراك اللاجئين بشكل حقيقي في عملية تصميم الاستجابات والبرامج، فخلال سنوات عملي شاركت في عشرات الاجتماعات والمؤتمرات لمناقشة أزمات اللاجئين واحتياجاتهم وأفضل طرق الاستجابة لمعاناتهم. كثير من هذه الاجتماعات التي أؤمن أنها كانت متخمة بالنوايا الحسنة للأسف غالبيتها اشتركت في قاسمٍ واحد، ألا وهو غياب اللاجئين أنفسهم عن طاولة النقاش وآليات صنع القرارات التي ستشكل حياة مجتمعاتهم لاحقاً. وعلى الرغم من كل هذه العوائق يستمر اللاجئون في الكفاح من أجل مستقبل أفضل، فعلى مدى السنوات الماضية، تعرفت عن قرب على مجموعة من المنظمات التي يقودها اللاجئون، وتشرفت بالعمل مع بعضها مثل بسمة وزيتونة في لبنان، وتابعت مجهودات آخرين مثل فريق ملهم والخوذ البيضاء وغيرهم، وشاهدت فعالية عمليات هذه المنظمات من حيث التكلفة والسرعة والشفافية ونوعية الاستجابة الفعالة لاحتياجات مجتمعاتهم، بالإضافة إلى مرونة هذه المجموعات في التعامل مع التحديات المركبة، وقدرتها على التعامل بنجاح مع مجتمع اللاجئين والمجتمعات المستضيفة، مما أكسبها ثقة كبيرة ضمن المجتمعات التي تعمل فيها، وعزز هذه الثقة إدراك هذه المجموعات للسياق المحلي ومقارباتها وبرامجها التي تعالج بشكل مناسب الاحتياجات الشخصية والعائلية والاجتماعية والثقافية للسكان النازحين.
وما يبث بعض الأمل في النفوس على الرغم من تهميش المنظمات التي يقودها اللاجئون أحياناً ومحدودية الموارد والدعم المتاح لهم، أننا نشهد تحولاً كبيراً، مع بروز المجموعات التي يقودها اللاجئون وزيادة اعتراف المجتمع الدولي المتسارع بجهودهم ودورهم وقدرتهم على أن يكونوا عجلة التغيير على الأرض مقارنةً بالأداء السيئ لمنظمات الأمم المتحدة خصوصاً في مناطق النزاع. ومع ظهور نماذج جديدة في التمويل كاعتماد بعض هذه المجموعات على التمويل الجماعي (Crowd-funding) مما حررها نوعاً ما من الاعتماد على التمويل الدولي الأجنبي. ودعم هذه الحركة ظهور ائتلافات دولية للمنظمات التي يقودها اللاجئون مثل مبادرة توفير الموارد لقيادة اللاجئين "Resourcing Refugees Leadership Initiative "، المبادرة التي تسعى لإيجاد نموذج تمويل ودعم قائم على أن تمول المجموعات القوية التي يقودها لاجئون مجموعات ومنظمات أخرى ناشئة يقودها اللاجئون أيضاً. يضم هذا الائتلاف ست منظمات حول العالم اثنتان منهما في منطقتنا، بسمة وزيتونة في لبنان، وستارز في مصر، وتدعمه منظمة Asylum Access الدولية التي تحولت مؤخراً لمنظمة يقودها اللاجئون بشكل كامل.
السنوات الأخيرة عززت إيماني بأننا على أعتاب تحول مهم في قطاع الاستجابة لأزمات اللجوء مع تزايد أعداد الممولين الدوليين المؤمنين بضرورة تعزيز قيادة اللاجئين مما سيشكل تغييراً لقطاع الاستجابة لأزمات اللجوء بشكل عام، وسيمكن اللاجئين من المشاركة في وضع الإستراتيجيات وتمويل وتصميم وتنفيذ البرامج والسياسات التي ستسهم في إيجاد الحلول الدائمة طويلة الأجل التي تتجاوز الإغاثة الإنسانية.
أقل من 1% من 30 مليار دولار تتدفق سنوياً عبر النظام الإنساني الدولي تذهب إلى المنظمات التي يقودها لاجئون لتمويل استجابتهم وبرامجهم بالغة الأهمية
ولكن يجب أن نتذكر بأن كل هذه الجهود ليست سوى البداية. ونحن بحاجة إلى حلفاء وشركاء وممولين أقوياء من مختلف القطاعات وعلى مختلف المستويات المحلية والإقليمية والدولية لدعم هذه الحركة، وبالتأكيد بحاجة الى إجراءات أسرع وأكثر جدية من قبل وكالات الأمم المتحدة لتحويل السلطة إلى قادة اللاجئين القادرين على إيجاد الحلول الدائمة ومستقبل أكثر إشراقاً للاجئين والمجتمعات المستضيفة على حدٍ سواء.