نشرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، منظّمة حقوقية مستقلة، يوم الثلاثاء 20 كانون الأول/ديسمبر تقريراً كشفت فيه حصولها على 547 وثيقة بيان وفاة لمحتجزين في سجون نظام الأسد، من بينهم أطفال ونساء وناشطون بارزون في الحراك الشعبي على حدّ تعبير الشبكة.
نشرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً كشفت فيه حصولها على 547 وثيقة بيان وفاة لمحتجزين في سجون نظام الأسد، من بينهم أطفال ونساء وناشطون
يستند التقرير على مئات بيانات الوفاة قالت الشبكة أنها حصلت عليها من "شبكة العلاقات والمصادر التي عملت على بنائها بشكل تراكمي على مدى سنوات"، حيث بيّنت هذه الشهادات تسجيل وفاة المحتجزين في تواريخ مختلفة، ويعود بعض هذه الشهادات إلى أشخاص مفقودين منذ عام 2012.
وقد قالت الشبكة أن ظاهرة تسجيل وفاة مختفين قسرياً قد بدأت عام 2018، حيث كان للكثير من العوائل معرفة وفاة أقربائهم عند زيارتهم لمكاتب السجل المدني لإجراء معاملات روتينية ليُصدموا وقتها بخبر وفاة أقاربهم المفقودين، إلا أن النظام قد امتنع في الآونة الأخيرة عن إصدار بيانات وفاة للمختفين قسرياً في مراكز احتجاز النظامن بحسب ما أكّد التقرير.
وقد قال المدير التنفيذي ومؤسّس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، في مقابلة ستنشرها ألترا صوت في وقتٍ لاحق، أن هذه الوثائق هي دليل يُدين نظام الأسد بمقتل المزيد من المواطنين السوريين.
من الأمثلة على هذه الحالات، كما أوردت وكالة رويترز، هي ليحيى حجازي وولديه الذين اعتُقلوا في عام 2012، وانقطعت أخبارهم عن ذويهم منذ هذا الحين، دون وجود أي إعلان أو تواصل من الجهات الرسمية لما يزيد عن عقدٍ كامل. ولكن صُعقت العائلة عندما تواصلت معها الشبكة التي أخبرتهم بحصولها على بيانات وفاة للمفقودين الثلاثة.
عائلة يحيى حجازي هي حالة من بين ما يزيد عن 95 ألف محتجز اختفوا قسرياً على يد النظام، بحسب تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ويرافق ذلك الظروف المادية والنفسية والعاطفية الصعبة التي تسيطر على عوائل هؤلاء المفقودين، ومنهم محمد حجازي، شقيق يحيى، الذي قال في تصريحاتٍ لرويترز: "يبقى الأمل عالقاً في قلبك في كل لحظة بأن يصلك حتى خبر خاطف عن هذا الإنسان الذي تحبّه كثيرا. ولكن يأتيك بعد ذلك خبر وفاته... لم أستطع حتى اللحظة إخبار والدتنا بأن أخي يحيى قد مات، وكلما تسألني أُجيبها أن أخي لا يزال في السجن."
أضاف محمد أن العائلة لم تحاول استخراج وثائق بيانات وفاة لأنهم يعيشون في مناطق تحت سيطرة المعارضة، في ما رفض أقارب العائلة المقيميين في مناطق سيطرة النظام سؤال مكاتب السجل المدني عن الوفيات خوفاً من اعتبارهم معارضين لحكومة النظام.
من ناحيتها أضافت وكالة رويترز أنها لم تستطع التأكّد من صحة الوثائق بصورة مستقلة، إلا أن محاميًا حقوقيًا سوريًا، فضّل عدم الكشف عن هويته، قد أكّد للوكالة أن شكل الوثائق ولغتها وما تحويه من معلومات يطابق وثائق الوفاة السورية الرسمية.
قالت الوكالة أيضاً أن الحكومة السورية لم تردّ على مراسلاتها بخصوص شهادات الوفاة، مضيفةً أن مسؤولي نظام الأسد قد أنكروا سابقاً ممارسة التعذيب المنهجي والقيام بإعدامات جماعية داخل سجون النظام.
وتقول الشبكة أن هذه الوثائق تكشف مصير مئات المفقودين الذين غُيّبوا لفتراتٍ طويلة، فيما يأمل ناشطون، وفقاً لوكالة رويترز، بأن هذه الوثائق ستُستخدم في قضايا ضد نظام الأسد الذي وُجّهت له اتهامات من لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في سياق سياسات احتجازه.
وقد أكّدت الأمم المتحدة ما ذهب إليه التقرير، في أن سلطات النظام السوري بدأت في عام 2018 بالتسجيل حالات وفاة في مكاتب السجل المدني التابع لها دون إعلام أهالي الضحايا ولم يُفصح النظام عن سبب اتباعه لهذه السياسات. كما أكّدت الأمم المتحدة والشبكة أن ذوي الضحايا، وحتى بعد معرفتهم بوفاة أقاربهم، لم يستلموا الجثث ولم يُسمح لهم بدفنهم أو حتى إعلامهم بمكانهم.
ما مضمون هذه الوثائق؟
تقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن الـ547 وثيقة التي حصلت عليها من بينها 15 وثيقة وفاة لأطفال و19 وثيقة وفاة لنساء.
وبحسب بعض هذه الوثائق، فإن مكان الوفاة هو مستشفيات عسكرية أو محاكم (تعتقد الشبكة أن إيراد كلمة محاكم تُشير إلى صدور حكم إعدام بحق الشخص المتوفّى)، مع وجود وثائق أخرى تعيّن مكان الوفاة باسم المحافظة كدمشق أو القرية، وهناك وثائق تُترك فيها خانة مكان الوفاة فارغة.
في المقابل، لا تذكر أيّ من الـ547 وثيقة سبب الوفاة بحسب الشبكة.
وقد قامت الشبكة بالمطابقة بين هذه الأسماء وبين قواعد بياناتها للمختفين قسرياً، واستطاعت تأكيد مصير 23 شخصاً باستخدام المصدرين، وقامت بعد ذلك بالتواصل مع عوائل المتوفيّين لإعلامهم بوجود بيانات وفاة بحقّ أقاربهم المفقودين.
قالت الشبكة السورية أن النظام يقوم بالتكتّم على هذه الوثائق بصورة مقصودة دون إخبار عوائل الضحايا، واصفةً سياسات الاحتجاز لدى النظام بأنها جرائم ضد الإنسانية.
الاختفاء القسري في سوريا جريمة مستمرة
تقدّر الشبكة السورية لحقوق الإنسان وجود ما يقارب 112 ألف مختفٍ قسرياً على الأقل في سوريا، من بينهم 95 ألف مختف قسرياً في مراكز احتجاز نظام الأسد، ويرافق ذلك جريمة تعذيب المحتجزين في سجون النظام بصورة "منهجية" الذي ما يزال مستمراً وفقاً لتقرير أصدرته الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي.
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، يتجاوز عدد ضحايا الذين ماتوا تحت التعذيب في أقبية نظام الأسد 14 ألف ضحية منذ بداية الأزمة السورية في آذار/مارس 2011.
تشكّل هذه الوثائق فصلاً جديداً من مأساة الاختفاء القسري في سوريا، بعد صور قيصر عام 2015، عندما تمّ تسريب آلاف الصور من سجون نظام الأسد، حيث استطاع بعض الأهالي أيضاً تمييز أقاربهم المفقودين في تلك الصور، وقد قامت الإدارة الأمريكية عام 2020 بسنّ عقوبات على النظام السوري تحت قانون "قيصر".
تشكّل هذه الوثائق فصلاً جديداً من مأساة الاختفاء القسري في سوريا، بعد صور قيصر عام 2015
يأتي ذلك أيضاً بعد تسريب آخر قد يكون فيه إدانة لنظام الأسد في مجزرة حدثت في حي التضامن عندما قامت صحيفة الغارديان بنشر مشاهد صادمة يقوم فيها عناصر من نظام الأسد بعمليات قتل جماعي بحق مدنيين عزل في مجزرة وقعت عام 2013، ولا يزال المسؤول عن المجزرة قائماً على رأس عمله حتى نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2022.