ألترا صوت – فريق التحرير
تستعيد هذه المساحة الأسبوعية، كل أربعاء، ترجماتٍ منسية مختلفة الاتجاهات والمواضيع، كُتب لها أن تؤدي دورًا معينًا في لحظةٍ ما، قبل أن يطوي الزمن صفحتها فيما بعد، لتصير ترجماتٍ "طي النسيان"، بعيدة عن اهتمامات الناشرين العرب. إنها، بجملةٍ أخرى، مساحة يخصصها "ألترا صوت" لرد الاعتبار لهذه الترجمات، عبر لفت انتباه القراء والناشرين العرب إليها، في محاولةٍ لجعلها قيد التداول مجددًا.
تُعتبر حقبة السبعينيات مرحلة التلقي المبكر لأعمال المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي (1891 – 1937) في العالم العربي، حيث نُقِلَ خلال ذلك العقد عددٌ من أعماله إلى اللغة العربية، إلى جانب أعمالٍ أخرى تناولت حياته وأضاءت على فكره ومفاهيمه التي وفَّرت إدراكًا أفضل للواقع المتغيِّر عربيًا وعالميًا.
اكتُشف غرامشي في العالم العربي بعد هزيمة عام 1967، حيث ظهر حينها بوصفه صاحب أفكارٍ جديدة توفر إدراكًا أفضل للواقع
وعلى الرغم من أن حركة نقل مؤلفات المفكر الإيطالي إلى العربية بدأت مطلع سبعينيات القرن الفائت، إلا أن اكتشافه وتداول اسمه يعود إلى سياقات هزيمة حزيران/ يونيو 1967، حيث ظهر حينها بوصفه صاحب أفكارٍ جديدة وبديلة قادرة على توفير إجاباتٍ للأسئلة التي خلَّفتها الهزيمة، إضافةً إلى تلك المتعلقة بأزمات المنطقة العربية، ومنها الأنظمة الأمنية وممارساتها القمعية، وانسداد أُفق العمل الثوري والسياسي، وتنامي الشعور بالخيبة والإحباط.
اقرأ/ي أيضًا: تُرجم قديمًا: جنة عدن
مثَّلت أفكار أنطونيو غرامشي آنذاك بديلًا عن الأفكار المتصدعة والمفاهيم السائدة، التي فشلت في مجاراة التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتسارعة والتعبير عنها أيضًا. وضمن هذه الأجواء، تبلورت الحاجة إلى ترجمة أعماله ونقلها إلى اللغة العربية، بالإضافة إلى الأعمال التي اتخذت منه ومن منجزه موضوعًا لها، لتبدأ إثر هذه الحاجة مشروعات ترجمة مختلفة لمؤلفاته التي صدرت تباعًا منذ السبعينيات وحتى الآن.
"فكر غرامشي: مختارات"، هو عنوان الكتاب الصادر عن "دار الفارابي" في العاصمة اللبنانية بيروت بين عامي 1976 و1978، ترجمة تحسين الشيخ علي. وفيه، يجمع كارلو سالنياري وماريو سبينيلا مختارات مختلفة من مُنجز المناضل الإيطالي الراحل، الذي يضم مقالاته المنشورة في صحفٍ ومجلاتٍ محلية وعالمية عديدة، إضافةً إلى ملاحظاته التي دوِّنها في سجنه حول مواضيع متنوعة، ورسائله إلى أمه وزوجته وأصدقائه.
اتبع سالنياري وسبينيلا في اختيارهما لمضمون الكتاب، منهجية تأخذ على عاتقها التعريف بفكر مؤلف "قضايا المادية التاريخية"، وفقًا لما جاء في مقدمته التي أشارت إلى أن المختارات التي يضمها: "تصلح كمدخل للتعرف إلى فكر أنطونيو غرامشي بشكلٍ شامل يمكن للقارئ الانطلاق منه للتعرف، في خطوة تالية، إلى أنطونيو غرامشي وكتاباته وأفكاره بشكلٍ أعمق، والدخول في بحر فكره الفلسفي الشيوعي العميق".
وأضافت المقدمة أنه: "رغم أن الالتزام السياسي كان، عند غرامشي، هو العنصر المسيطر في حياته، فقد ترافق هذا الالتزام باهتمام عميق بالثقافة، والبحث، والإبداع، والاعتقاد بأن التحول الثوري للمجتمع يتطلب – لكي يكون تحولًا ثوريًا حقيقيًا – إصلاحًا فكريًا وأخلاقيًا، كما يقول هو نفسه في إحدى مقالاته.
ضم الجزء الأول من الكتاب الموزع على 266 صفحة، 22 فصلًا، يضيء الأول منها على أهم مراحل حياة غرامشي منذ ولادته في 23 كانون الثاني/ يناير 1891، وحتى وفاته في 27 نيسان/ أبريل عام 1937. فيما يتحدث في الفصل الثاني عن ثورة تشرين الأول/ أكتوبر البلشفية، وفي الرابع عن الحركة التورينية للمجالس العمالية، بوصفها حدثًا عظيمًا في تاريخ البروليتاريا لا الإيطالية فقط، بل والأوروبية أيضًا.
ونقرأ في بقية فصول الكتاب، آراء غرامشي وأفكاره حيال قضايا مختلفة، منها ما يتعلق بأحوال العمال والفلاحين، ومسـألة تجديد الحزب الاشتراكي وسُبل تحقيق ذلك، وأحوال الأحزاب والحركات الشيوعية، وعمال المصانع، والدولة العمالية، وروسيا والأممية، بالإضافة إلى "مؤتمر ليفورنو" الذي شهد انشقاق الحزب الاشتراكي في إيطاليا، وتأسيس الحزب الشيوعي الإيطالي في كانون الثاني/ يناير عام 1921.
ويتناول الفصول الأخيرة من الجزء الأول، مسائل القوة والهيبة، وولادة الحزب الشيوعي الإيطالي، وعلاقة الشيوعيون بالانتخابات، والاتحاد النقابي الدولي في أمستردام، وطبيعة العلاقة بين الجماهير والزعماء، إلى جانب الحرية وما تنطوي عليه من معاني تختلف بحسب السياق الذي ترِدُ فيه، قبل الانتقال إلى الفصل الأخير المخصص لرسائله إلى أصدقائه ورفاقه.
مثَّلت أفكار أنطونيو غرامشي، بديلًا عن الأفكار المتصدعة والمفاهيم السائدة التي فشلت في مجاراة التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعبير عنها
تفتَتِح الجزء الثاني من الكتاب مقالة حملت عنوان "ضد التشاؤم"، يتبعها مباشرةً مقالة بعنوان "الحزب السياسي" قدَّم فيه أنطونيو غرامشي ملاحظاته حول مكيافيلي، والسياسة، والدولة الحديثة، وهي أيضًا مواضيع مقالته "التوقع والمنظور"، التي تليها مقالة تستعرض مظاهر صراع الطبقات في إيطاليا، ومشكلة القيادة السياسية في تشكل ونمو الأمة والدولة الحديثة.
اقرأ/ي أيضًا: تُرجم قديمًا: تاريخ الفكر الأوروبي الحديث
واختُتِم "فكر غرامشي: مختارات"، بمجموعة مقالات تناولت المسألة الجنوبية وما يتصل بها، وتكوين المفكرين، والمادية التاريخية، وفلسفة الكاتب والمؤرخ الإيطالي بينيديتو كروتشي، بالإضافة إلى علاقة الفلسفة بالتاريخ والأدب والحياة القومية، والفن والثقافة ودورهما في نضال البشر من أجل حضارة جديدة، عدا عن المفهوم الوطني – الشعبي.
اقرأ/ي أيضًا: