1
التَّفاؤلُ التّاريخيّ مِحنةُ المُقاتِل الأعزَل، لكنْ لا حذرَ أبدًا معَ المُستقبَلِ، سوى في ضرورة مُحارَبة المُسَبَّقات التي تُهاجِمُ بتصميمٍ هادِرٍ كي تُوقِفَ الارتحالَ الحُرَّ المَفتوح.
2
لا تنتصِرُ ثورةٌ إنْ لم تخُنْ نفسَها بثوراتٍ مُتجدِّدة، ولا يخمدُ الانفصالُ المُتناثِرُ باستمرار عن كُلِّ يقينٍ يُظَنُّ أنَّهُ قد تحقَّقَ واستقرَّ:
/الثَّورةُ الأمّ تأتي دائمًا بعدَ الثَّورات، لا بوصفِها امتدادًا خطِّيًّا للثَّورة الأُولى؛ إنَّما بوصفِها استمرارًا تكراريًّا اختلافيًّا -وبالتَّحديد شاقوليًّا- للانبثاقات والتَّشظِّيات المَسعورة في الخلايا التي أطلَقَتْ بدايةَ انفتاحِ فَجوةِ التَّغيير/.
3
قلَّةٌ همُ الرِّجالُ الذينَ يُعارِكونَ نَمِرَ التّاريخ الأرعَن.
قلّةٌ من يَستسيغونَ خُدوشَ مَخالِبِهِ المُوقِظَة.
لنْ تصيرَ الأجوبةُ مجّانيّة يومًا، ولنْ يكونَ هُناكَ أجوبة أصلًا، ومن يُريدُ الكمالَ النّاقِصَ، عليهِ أنْ يخونَ الأسئلةَ، بأسئلةٍ أُخرى.
مَنْ يلفُّ الأسئلةَ على خَصْرِهِ كحزامٍ ناسِف هوَ الانتحاريّ الكونيّ الذي ينبغي الاحتفاء بثورتِهِ.
4
لا دلالات موجودة تحتَ اليد لبسطِ الطُّمأنينة.
لا شيءَ يُعوَّلُ عليهِ سوى شُكوكٍ تتوالَدُ كمَراحِبَ مُتناثِرة في كُلِّ اتّجاه.
نَمِرُ التّاريخ أخونا في رِضاعةِ التَّبعثُر والرَّشاقة:
/لا هوَ يُدجَّنُ، ولا نحنُ؛ ما دامَ التَّوحُّشُ جَمال أنْ تكونَ الحُرِّيّةُ في الأحضانِ القاتِلة، وأنْ تأكُلَ الفَضاءاتُ الرَّحبةُ أولادَها في كُلِّ لحظةٍ قُرباناً للتَّجدُّد/.
5
أيَّتُها الولاداتُ الخاطِئة،
هذا هوَ الصَّوابُ الأصيل.
6
الحداثةُ عُرْيٌ دائِمٌ.
مرآةُ ما بعدَ الحداثة لا تُوارِبُ في عكس تجاعيد الجسَد.
الحداثةُ ليسَتْ حقبة تتلوها ما بعدَ الحداثة: الحداثةُ تهشيمٌ للأوهام التي ظنَّتْ أنَّها فتكَتْ بالأوهام وحسَمَتِ الاعتقادَ بتعيُّناتِها..؟!!
ما بعدَ الحداثة معبَرٌ عنيفٌ لإعادة كشف الحداثة للوغوسِها وأيروسِها.
ثوراتُ الرَّبيع العربيّ أبناءٌ غير شرعيِّين للحداثة المُحطَّمة، ويُنسَبونَ في دائِرةِ نُفوس التّاريخ إلى ما بعدَ الحداثة.
7
شِعريّة الثَّورات تقولُ: كُلُّ خِطابٍ حاسِمٍ خِطابٌ آثِمٌ.
8
النَّهارُ كمانٌ مُستعارٌ من شمعة
وأنا شاهِدٌ على الغيبوبةِ الزَّرقاء
تدخلُ الرّيحُ في عَقدِها الجديد
ويزدادُ الأوكسجينُ نُدرةً وجُنونًا
مِزاجُ الضَّوءِ ساعةٌ بلا ترقيمٍ
أو أغنيةٌ تُهَدْهِدُ عصافيرَها على غُصْنٍ مُهدَّدٍ بالتَّقصُّف
الزَّمنُ مُكابَدةُ رجُلٍ يقفزُ بعكّازيْنِ من خطَر
والإرادةُ زراعةُ فُلّةٍ في الفَراغ.
9
ثقافةُ المُنتصِر هيَ نفسها ثقافة المَهزوم.
/المجدُ فقط لحركيّة الانتصار، وللمُلتحقينَ بها/.
10
المُنتصِرُ والمَهزومُ وَحدةُ تشظٍّ وتباعُدٍ واختلاف.
هذهِ هيَ الأخلاقُ الثَّوريّة الصَّلدة.
ثقافةُ المُنتصِر هيَ نتاجُ تدمير بِنية الكراهيّة بعدَ إعلاءِ شأنِها.
الانبثاقُ من الكراهيّة خطأٌ وجوديٌّ مَرغوب: أحياناً ينبغي أنْ نكرَه كي نُحِبَّ، وأحيانًا ينبغي أنْ نكرَه كي نكرَه: على هذا النَّحو يُعادُ اكتشاف مَساحات خصبة للدَّلالة.
11
ثمَّةَ إبستمولوجيا لأخلاقٍ مُغايِرة ينبغي أنْ نبحَثَ عنها باستمرار، وفي أشدِّ العُصورِ حِلْكَةً.
12
لُعبةُ الصَّيرورة محفَلٌ كونيٌّ لكُلِّيّات الاتّصالِ والانفصالِ، حيثُ كُلُّ قطيعةٍ تُشَرِّحُ نفسَها مرّاتٍ عديدةٍ في السّاعة خِشيةَ القَبْليّاتِ المَريرة، ولا تَبْرَأُ من احتمال الإصابةِ برصاصِ الماضي العشوائيِّ مُطلَقًا، لكنَّها لا تكفُّ عن المُحاوَلة: هُناكَ من يُشيرُ بسبّابتِهِ المَجازيّة دائِمًا إلى شِقٍّ فاتِحٍ للآفاق.
13
في قبري الصَّغير
؛ أي في الغُرفة المُسمّاة: قلبي
أو في البيت المُسمَّى: وطني
أمدُّ رأسي من النّافذة
تماماً مثلما أنظُرُ المَرايا
وأُقنِعُ نفْسي أنَّني أرى
وأرى كثيرًا، ولا أرى
مُلاحِقًا نملةَ العدالةِ
التي مهما انعطَفَتْ
لنْ تحظى بِجُحْرٍ
وهيَ العمياءُ
التي
أبصَرَتْ طريقًا آخَر.
14
العدالةُ الانتقاليّة تحويليّة.
أو لأقُل:
تحريريّة.
15
لا بُدَّ من تحرير البشر من كُلّ تفكيرٍ رغبويّ.
المُسَبَّقات موجودة دائمًا، والعِبرة في التَّمزيقِ:
التَّمزيقُ يُفضي تلقائيّاً إلى إدخال الأفكار والقرارات وسذاجات الصَّواب إلى غُرفة إنعاش حيويّ دائِمة.
16
المُوالون ديناصورات في طور التَّضخُّم.
الانقراضُ القادِمُ قد لا يكونُ فيزيولوجيًّا؛ إنَّما نِسْيَاقيًّا.
17
أعرفُ أنَّ التَّغييرَ مُرعِبٌ للبشر، وأعي أنَّ استقرارَ القُبورِ هوَ النَّخْرُ الأشدُّ إيلامًا الذي أقنَعَ بهِ أُخطبوطُ الاستبداد رعاياهُ القاصرين.
التَّحدِّي الأعظَم: الرَّعويّة كُتلةُ شَعْرٍ تحتَ جِلْدِ الحياة الرَّحبة، والاستئصالُ هُوَّةُ كفاحٍ دَؤوبٍ –نحوَ- المُواطَنة.
18
المُواطَنةُ اقتراحٌ مَفتوحٌ على المُساءَلاتِ التي تطرَأُ في كُلِّ لحظة: المُواطَنةُ استعارةٌ تبحَثُ عن مُتلقٍّ يفطنُ إلى مُجاوَزةِ أيِّ اهتراءٍ قد يتسلَّلُ إلى النِّسْيَاق التَّخارُجيّ الجديد:
/النِّسْيَاق زورقُ النَّجاةِ من أمواجِ الثُّنائيّات/.
الثَّورةُ ليستْ طرَفاً ضدَّ طرَفٍ: الثَّورةُ العرض النّادِر في سُوقِ التّاريخ لانفتاح كينونة الكُلِّيّ.
19
لا تُربة ساكِنة لأيِّ تشبيهٍ يخصُّ الغِياب
وهذا ما يقسمُ ظَهْرَ الكلمات
المَعاني تتكلَّسُ إنْ لم ترتوِ بالمُتخيَّلِ
يتجمَّعُ الوقائعيُّ في لمسةِ انفجارٍ واحِدة
ويُعادُ إعمارُ الدَّلالات
هذهِ هيَ نفسُها يوتوبيا البلاد القادِمة
لا شيءَ يُرغِمُ الغدَ على الوُضوحِ
المَطلوبُ فقط زيَغانُ العمَلِ والبِناء.
الإيديولوجيّاتُ كمَنَتْ أيضًا ببراعة
والحلُّ ليسَ في الانسحاب
ثمَّةَ اقتصاد جَماليّ للتَّحوُّل والتَّغيير
ولا داعيَ أبداً لكتمِ أسرارِ الماء
إذا كانَ لابُدَّ من الفيضان فليكُن.
السَّواعِدُ العِصاميّة للشَّعب جاهِزة دائِمًا لإعادة إعمار الرُّموز والأجنحة والكيانات.
وهذا –أيضًا- يبدَأُ من فنجانِ قهوةِ الصَّباح
ولَوْ تناولناهُ مُجبَرينَ على أنقاضِ قُرىً ومُدُنٍ وأحياء مُدمَّرة.
20
لا تَسَلْنِي يا صديقي عن الكيان السِّياسيّ؟
لا عن سوريّا، ولا عن غيرِها؟
لا تقل: هل ستصمُد، أم ستتفكَّك؟
ليسَ لأنَّني عاجزٌ عن استدعاء جوابٍ أسدُّ بهِ رَمَقَ قلَقِكَ الطَّيِّب الحنون؛ بل لأنَّني لا أُؤمِنُ بالمَظلوميّات نهائيًّا: كُلُّ الحُدودِ أكاذيب، والحضاراتُ تقلبُ الطّاوِلات وتكشفُ ما نما طويلًا تحتَها: لكنْ شرط الحضارات إطلاقُ الصِّراع، والصِّراعُ ثورٌ هائِج لا ينبغي ترويضَهُ، ولا تحاشيهِ، إنَّما علينا الالتحاق فقط بحلبة الصِّراع، والاشتغال من داخِلِها على تفتيتِ قُوَّةِ الثَّور، ثُمَّ سلقِهِ أو شيِّهِ بالحوار والثَّقافة ونزع الأُلفة والحُرِّيّة والمُجاوَزات.
21
العمَلُ أُسُّ الحضارة، والحضارة قاضِمةُ الجغرافيا العظيمة: في حُدودِ هذهِ المُعادَلة يختطِفُ التّاريخُ أميرتَهُ/الإرادة، ويتَّحشدُ كُلُّ خارجٍ بوجدانِ الدّاخِلِ الجميل.
سوريّا غير قابلة للتَّقسيم، لأنَّ العالَم أصلًا غير قابل للتَّقسيم: هل فهمتَني يا صديقي..؟!!
22
ظلُّ الغَيْمَةِ
قطارُ الدَّهشةِ البرتقاليِّ
ينفصِلُ عنها
ويلوذُ بمحطَّةٍ لا مكانَ لها
ولا رحلات تصِلُ إليها
أو تنطلِقُ منها
محطّةٌ في غَرابةِ التَّصميمِ على الغَرابة
ربَّما يبدأُ الوطنُ من هذا الوهم الأعزَل:
_ تحتَ شجرةِ الزَّنزلخت
في حارتي القديمة
يوجدُ تفسيرٌ كامِلٌ لما أرمي إليهِ هُنا.
23
ثورةُ ما بعدَ الثَّورة وُلِدَتْ سواء أكانَتْ الثَّورةُ الأُولى قد حقَّقَتْ انتصارًا كامِلًا أم جُزئيًّا: التّغييرُ تمَّ وجودًا بالقُوَّة، وحتّى يصيرَ وجودًا بالفعل لا بُدَّ من مَدِّهِ بالكِفاحِ والماءِ الصَّبورِ وطاقاتِ الأحلام المُتمدِّدة.
24
التَّغييرُ الأصيلُ هجومُ الحُرِّيّةِ الدّائِمِ بلا هوادة على أيّ وهْمٍ تمركزيٍّ للثَّورة:
/كُلَّما كادَتِ الثَّورةُ أنْ تغفوَ ينبغي إيقاظُها بصدماتٍ عنيفة من كهرباء الحياة والجُنون والتَّأفُّف/.
اقرأ/ي أيضًا: