17-أكتوبر-2024
جواسيس روسيا

(Getty) روسيا تتجهز لتنفيذ خطةً ثورية للتخريب والحرق والاغتيال في أوروبا وأميركا وجميع أنحاء العالم

تنفّذ روسيا خطة ثورية للتخريب والحرق والاغتيال في أوروبا وأميركا وجميع أنحاء العالم، وذلك لضرب الغرب والضغط على حلف شمال الأطلسي (الناتو) دون إثارة حربٍ مباشرة، لأنها عرفت من خلال تجربة أوكرانيا تكاليف الحرب المباشرة، وذلك حسب مجلة "إيكونوميست" البريطانية.

وللتّدليل على صحّة فرضيتها، نقلت مجلة إيكونوميست عن كين ماكالوم، رئيس جهاز الأمن الداخلي والاستخبارات المضادة في بريطانيا "إم آي 5" قوله: "إن أجهزة الاستخبارات الروسية باتت وحشيةً، فلقد رأينا حرائق وتخريبًا وأكثر من ذلك، تتم أعمال خطيرة بتهور متزايد. إن وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية على وجه الخصوص تعمل على تنفيذ مهمة مستمرة، لتوليد الفوضى في الشوارع البريطانية والأوروبية".

كما استندت إيكونوميست في استنتاجاتها إلى شهادة العميل الروسي المزدوج، سيرغي سكريبال، التي أدلى بها إلاثنين الماضي، وبيّنت، حسب واشنطن بوست، الخطر الذي تشكله النشاطات الروسية التي زادت ضراوتها بعد غزو أوكرانيا، بهدف نشر التخريب حول العالم.

لا تدخر روسيا جهدًا لإضعاف خصومها وتصفيتهم، بل تنفذ خطة ثورية للتخريب والحرق والاغتيال في أوروبا وأميركا وجميع أنحاء العالم حسب مجلة "إيكونوميست"

وتضيف إيكونوميست أنّ الحرب الروسية في أوكرانيا صحبتها أعمال عدوان وتخريب وتدخّلٍ في أماكن أخرى، كما "نما ـ بالتزامن مع ذلك ـ مستوى التخريب الروسي في أوروبا بشكل كبير" حسب الصحيفة البريطانية.

هجمات روسية متعددة

طردت روسيا منافسيها الغربيين من عدة دول إفريقية، وحاول قراصنة روسيا شلّ بولندا في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وبثوا دعايةً للتضليل في جميع أنحاء العالم، وأنّ القوات المسلحة الروسية تسعى لوضع سلاح نووي في المدار.

وتضيف إيكونوميست أنّ جواسيس ألمانيا ألقوا القبض على مواطنيَن أحدهما ألماني والآخر روسي، للاشتباه في تخطيطهما لشن هجمات على منشآت عسكرية أميركية وأهداف أخرى نيابةً عن الاستخبارات العسكرية الروسية، كما ألقت بولندا القبض على رجل كان يستعد لنقل معلومات المخابرات العسكرية في مطار رزيسزو - وهو مركز للأسلحة - إلى روسيا.

واتهمت المملكة المتحدة عدة عناصر لهم علاقة بمجموعة فاغنر، بهجومٍ متعمد على شركة لوجيستية مملوكة لأوكرانيا في لندن، كما اعتقلت فرنسا مواطنًا روسيا أوكرانيا أصيب بجروح، بعد محاولته صنع قنبلة في غرفته بفندق في باريس.

وتؤكّد إيكونوميست، في ذات الصدد، أنّ روسيا خطّطت لقتل أرمين بابيرغر، رئيس شركة راينميتال، أكبر شركة أسلحة في ألمانيا، وتسببت في إغلاق الحركة الجوية في مطار أرلاندا في ستوكهولم لأكثر من ساعتين، بعد رصد مسيرات فوق مدارج الطائرات. فضلًا عن ذلك يحذر المسؤولون الأميركيون من أن السفن الروسية تستكشف الكابلات تحت الماء بهدف تخريبها.

صناعة الفوضى بأساليب وطرق مختلفة:

لا تقتصر الأنشطة الروسية على نشر العنف فقط في الدول التي تستهدفها، فلدى موسكو طرق أخرى لبث الفوضى. ويشار في هذا الصدد إلى أنّ دول البلطيق ألقت القبض على عدد من الأشخاص، بسبب ما تقول إنها استفزازات برعاية روسية. ومن بين تلك الأساليب الاستفزازية ما أورده مسؤولو المخابرات الفرنسية من أن روسيا وضعت في حزيران/يونيو الماضي في برج إيفل توابيت ملفوفة بالعلم الفرنسي، تحمل رسالة تقول: "جنود فرنسيون من أوكرانيا"، وذلك لتأجيج المعارضة لتقديم المساعدات لأوكرانيا، وتوسيع الانقسامات في المجتمع من جميع الشرائح.

كما ذكرت فرنسا أيضًا أنّ روسيا كانت وراء رسم 250 نجمة داوود على الجدران في باريس في تشرين الثاني/نوفمبر العام الماضي، وذلك في محاولة منها "لتأجيج معاداة السامية".

كما طالت الأنشطة الروسية المعادية التلاعب بأنظمة التحكّم لمحطات المياه في أميركا وبولندا، والهجمات الإلكترونية التي نفذتها الوحدة "29155" التابعة للاستخبارات العسكرية الروسية ضد أميركا وبريطانيا وأوكرانيا، والعديد من الدول الأخرى.

ويشتبه في قيام الوحدة "29155" باغتيالاتٍ في أوروبا، بما في ذلك محاولة فاشلة لتسميم سيرغي سكريبال، ضابط المخابرات الروسي السابق. ولم تكن الجهود السيبرانية التي تبذلها هذه الوحدة تهدف فقط إلى التجسس، ولكن أيضًا "الإضرار بالسمعة" من خلال سرقة المعلومات وتسريبها و"التخريب المنهجي" من خلال تدمير البيانات، وفقًا للمحور الغربي.

وتعليقًا على هذه الاستهدافات تقول فيونا هيل، المسؤولة السابقة في مجلس الأمن القومي الأميركي، إن "ما يحاول بوتين فعله هو ضربنا في كل مكان، ففي إفريقيا، على سبيل المثال، استخدمت روسيا المرتزقة لتحل محل النفوذ الفرنسي والأميركي في أعقاب الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر".

إيكونوميست: حملات التضليل ليست جديدة على روسيا، بل الجديد حقًا هو أنه بينما كانت العمليات الخاصة تدعم السياسة الخارجية في السابق، فإن العمليات الخاصة اليوم هي السياسة الخارجية".

وبالمناسبة، ترى إيكونوميست أن التدخل الروسي في الولايات المتحدة يأخذ شكلًا مختلفًا جدًا، حيث تصف أفريل هينز، مديرة المخابرات الوطنية الأميركية، روسيا بأنها "التهديد الأجنبي الأكثر نشاطًا لانتخاباتنا أكثر من الصين أو إيران"، مضيفةً أنّ "الأمر لم يكن محاولةً لتشكيل السياسة الأميركية بشأن أوكرانيا، بل من المرجح أن تنظر موسكو إلى مثل هذه العمليات على أنها وسيلة لهدم الولايات المتحدة باعتبارها خصمها الأساسي".

وتستنتج الإيكونوميست مما سبق أن الجهود الروسية "خام وغير فعالة، لكنها غزيرة ومكثفة ومبتكرة في بعض الأحيان". وتنقل عن مؤرخ السياسة الخارجية الروسية سيرغي رادشينكو قوله: "إن حملات التضليل ليست جديدة على روسيا، بل الجديد حقًا هو أنه بينما كانت العمليات الخاصة تدعم السياسة الخارجية في السابق، فإن العمليات الخاصة اليوم هي السياسة الخارجية".

وبشأن السياسة الخارجية الروسية تشير إيكونوميست إلى أن "استراتيجية السياسة الخارجية الروسية، التي نشرت في عام 2023، تحاول بث الطمأنينة، إذ نصت على أنها لا تعتبر نفسها عدوًّا للغرب وليس لديها نوايا سيئة". لكن إيكونوميست أوضحت أن ثمة إضافةً سرية حصلت عليها صحيفة واشنطن بوست من جهاز استخباراتٍ أوروبي أشارت إلى خلاف ذلك. فقد نصت هذه الاستراتيجية على "حملاتٍ شاملة ضد تحالفٍ من الدول غير الصديقة بقيادة أميركا. ويشمل ذلك حملةً إعلامية هجومية من بين أعمال أخرى في المجالات العسكرية والسياسية والتجارية والاقتصادية والإعلامية والنفسية". والهدف النهائي الذي تريد روسيا تحقيقه من أنشطتها تلك هو "إضعاف خصومها" قدر الإمكان.