سعت واشنطن جاهدةً إلى إعطاء قمة حلف شمال الأطلسي التي تستضيفها الزخم الضروي والقوة الكافية لتبديد الشكوك التي حامت حولها، بالتزامن مع قرب انطلاقها، فجاءت المواقف في أول يومين للقمة قويةً ومتحديةً لاسيما لروسيا والصين.
دعمٌ قوي لأوكرانيا
أعلن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في اليوم الثاني للقمة، التي تخلد الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس حلف شمال الأطلسي، أنّ طائرات "إف-16" المقاتلة باتت "في طريقها إلى أوكرانيا من الدانمارك وهولندا". محدّدًا فترة الصيف الحالي كموعد لتحليق تلك الطائرات في سماء أوكرانيا، وذلك في وقتٍ طمأنت فيه كييف حلفاءها بأن القوات الروسية "لم تسيطر على ياسنوبروديفكا في منطقة دونيتسك".
كما وعد بلينكن بحزمة مساعدات نوعية للغاية لصالح أوكرانيا، سيتم الكشف عنها في اليومين المقبلين، مؤكدًا أن الحزمة التي سيُعلن عنها "ستبني جسرًا واضحًا وقويًّا لانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي".
وفي هذا السياق، أظهرت الدول الأعضاء، وعددها 32 دولةً، اتفاقًا على أن كييف "تسلك طريقًا لا عودة عنه نحو انضمامها الى الحلف"، وهي نغمةٌ اعتادت أوكرانيا على سماعها من برلين وواشنطن، وكانت تنتظر تجسيدها واقعًا ملموسًا في القمة الحالية، فهل سيفاجئ الحلفاء أوكرانيا بضمها للنادي الشمال أطلسي خلال ما تبقى من القمة؟ ذلك سؤالٌ يبقى معلّقًا حتى آخر دقيقة من الأيام الثلاثة للقمة.
انضمام أوكرانيا للحلف قد يفتح جبهة عسكرية لا مفر منها مع روسيا، حيث يعتبر أي هجوم على أحد أعضاء الناتو هجومًا على الجميع
في البيان المشترك الذي ينتظِر توقيع القادة عليه جاء ما نصّه: "نواصل دعم أوكرانيا في مسارها الذي لا عودة عنه نحو اندماج يورو-متوسطي كاملٍ، يشمل انضمامًا إلى حلف شمال الأطلسي".
وسيكون انضمام أوكرانيا للحلف أكبر هدية تقدّم إليها، لكنه سيفتح جبهةً عسكريةً لا مفرّ منها مع روسيا القوة النووية، حيث ينص البند الخامس من اتفاقية إنشاء الحلف على اعتبار "أي هجومٍ على أحد أعضائه بمنزلة هجومٍ على الجميع".
وكان حلف شمال الأطلسي قد توسّع بانضمام السويد وقبلها فنلندا إليه، ويُبدي الأعضاء الجدد حماسًا فيما يخص التصدي لروسيا، وفي هذا الصدد اعتبر الرئيس الفنلندي، ألكسندر ستاب، أن "لهجة قمة واشنطن تبعث على الارتياح الشديد"، نظرًا لأنها "خاطبت بوتين بما يفهم وهو القوة"، ولا بد أن يرى بوتين، بحسب ستاب، "سقوط أحد أهداف غزوه المتمثل في وقف توسع الناتو، لكن بدلًا من ذلك ستصبح أوكرانيا عضوًا في الناتو".
استمدّ رئيس فنلندا ارتياحه الشديد من كلمة الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي ألقى خطابًا اتسم بالقوة والتحدي، وهو أمرٌ كان ضروريًا لبايدن نفسه قبل الناتو نظرًا للموقف الضعيف الذي ظهر به في المناظرة الرئاسية التي جمعته بترامب. فقد أكد بايدن في كلمته، على أن حلف شمال الأطلسي أصبح حاليًا "أكثر قوةً من أي وقتٍ مضى مع اجتماع 32 دولةً معًا"، منتهزًا الفرصة لإعلان "تزويد كييف بنظام الدفاع الجوي الجديد من باتريوت الأميركي".
كما قال بايدن إن بلاده وحلفاءها "سيزودون أوكرانيا بأنظمة دفاعٍ تكتيكيةٍ في الفترة القليلة القادمة".
واعتبر بايدن أن ما وصفها بـ"الهبة التاريخية" المتمثلة في تزويد أوكرانيا بالأنظمة الدفاعية المتطورة تصبّ في بوتقة جهود الحلف المبذولة منذ 3 سنوات "لحماية أوكرانيا من الهجمات الجوية الروسية".
وكانت عدة دولٍ أعضاء في الحلف قد تعهدت بمنح أنظمة دفاعية لكييف، هي رومانيا وألمانيا وإيطاليا وهولندا.
وكان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، قد قال مع انطلاق قمة الحلف أن عليه "إظهار نفس الحزم الذي أظهره في لحظاتٍ مهمة أخرى من تاريخه"، معتبرًا أنه "لا توجد خياراتٌ مجانيةٌ مع روسيا العدوانية كجارة" على حد تعبيره.
وأضاف ستولتنبرغ: "التكلفة الكبرى والمخاطرة الكبرى ستكون إذا انتصرت روسيا في أوكرانيا، لا يمكننا أن نسمح بحدوث ذلك".
التوسع شرقًا ومخاوف التنين الصيني
أحد البنود الرئيسية في قمة حلف الناتو بواشنطن يتمثل في الاستمرار في تعزيز الشراكات العالمية لحلف شمال الأطلسي، خاصةً في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث المنافسة مع الصين وروسيا على أشدّها.
ويعني التوسع شرقًا وتعزيز شراكات الحلف مع دول مثل كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا ونيوزيلندا، "توسيع القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة ونشر المزيد من الأنظمة الدفاعية، على غرار منظومة ثاد المضادة للصواريخ التي تم نشرها في الأراضي الكورية الجنوبية عام 2017، وتسببت بخلافات حادة بين بكين وسيول".
ومن بين اللقاءات الحساسة بالنسبة لروسيا والصين تلك التي سيعقدها زعماء الحلف مع الدول الأربعة في منطقة المحيطين الهادئ والهندي (اليابان وأستراليا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية)، حيث تناقش الاجتماعات "التهديدات التي تشكلها الصين والوضع الأمني في منطقة المحيطين الهادئ والهندي. وتشمل هذه المسائل حسب متابعين: سلوك بكين في بحر الصين الجنوبي والنزاعات البحرية مع جيرانها، بالإضافة إلى التوترات في مضيق تايوان، والقضية النووية الكورية الشمالية".
وكان رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، قد قال في حديثٍ لوكالة رويترز قبل يوم أمس الثلاثاء: "إن التعاون الذي أصبح أعمق بين روسيا وكوريا الشمالية قد أكد حاجة اليابان لتعميق العلاقات مع حلف الناتو".
#الناتو يتعهد بمبلغ 40 مليار يورو لمساعدة #أوكرانيا@hamidalnazir pic.twitter.com/LeOdrLfFpg
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) July 11, 2024
وأضاف كيشيدا: "التحديات الأمنية في منطقة اليورو – أطلسية، وفي منطقة الهادئ الهندي، تتقاطع، ولا يمكن فصل بعضها عن بعض، وأن عدوان روسيا على أوكرانيا وتعاونها مع كوريا الشمالية يذكّران دوماً بذلك".
بدوره قال مايكل كاربنتر، المدير الأول لشؤون أوروبا في مجلس الأمن القومي الأميركي والذي يعمل مساعدًا خاصًا لبايدن أيضًا: "من المؤكد أن هناك المزيد من الشركاء الذين يشكلون قيمةً كبيرةً لحلف شمال الأطلسي، وسنسعى إلى توسع الحلف وضم شركاء آخرين في المستقبل"، معتبرً أنّ شركاء الحلف في منطقة المحيطين الهادئ والهندي "مهمون بشكل لا يوصف".
وأضاف كاربنتر: "هذا وقتٌ مهم للتعاون في قضايا مثل الأمن السيبراني، ومحاربة التضليل، وبناء قواعدنا الصناعية الدفاعية، لأن حلف شمال الأطلسي وحلفاءه في منطقة المحيطين الهادئ والهندي لديهم الكثير من المصالح المشتركة". لافتًا إلى أن توسع حلف شمال الأطلسي "لا يجري في منطقة المحيطين، لأن قدرات الدفاع والردع تقع جميعها في المناطق الأوروبية الأطلسية".
وحول التهديد الصيني الروسي قال كاربنتر: "يتعين علينا أن نتعاون، وأن نتحدث قدر الإمكان، وأن نتقاسم تصورات التهديد. ومن المؤكد أن روسيا تشكل تهديدًا أساسيًا لحلفاء الناتو. كما أن جمهورية الصين الشعبية تقدم الدعم المباشر للقاعدة الصناعية الدفاعية الروسية". مؤكدًا على أنّ "مساعدات بكين لموسكو تشكل مصدر قلقٍ كبيرٍ ليس فقط لدول حلف شمال الأطلسي، بل ولشركائها في منطقة المحيطين الهادئ والهندي أيضا، لذا أتخيل أننا سنجري محادثةً قويةً حول هذا الأمر".
يشار إلى أن اليابان وقّعت في وقت سابق اتفاقيةً أمنيةً ثنائية مع أوكرانيا. وتدرس كوريا الجنوبية القيام بنفس الخطوة، حسب مصادر أميركية. وهو ما يزيد من مخاوف الصين التي أصدرت "تحذيرًا صارمًا" قالت فيه إن توسع حلف شمال الأطلسي وخرقه لحدوده، "كانا المصدر الحقيقي للمخاطر التي تهدد السلام والاستقرار العالميين".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، في إحاطة إعلامية بالتزامن مع انعقاد قمة حلف شمال الأطلسي بواشنطن إنه "يتعين على حلف الأطلسي أن يظل ضمن دوره تحالفًا دفاعيًا إقليميًا، وأن يتوقف عن خلق التوترات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وأن يتوقف عن الترويج لعقلية الحرب الباردة والمواجهة بين الكتل. ولا ينبغي لحلف شمال الأطلسي أن يحاول زعزعة استقرار منطقة آسيا والمحيط الهادئ بعدما فعل ذلك في أوروبا" وفق المسؤول الصيني.