في عام 1976 أصبح جون آشبري (1927 - 2017) الشاعر الأمريكي الوحيد الذي حاز على ثلاث من الجوائز الأدبية الأكثر أهميةً في عام واحد وهي: جائزة "البوليتزر"، وجائزة "الكتاب القومي"، وجائزة "حلقة النقاد"، وذلك عن ديوانه "صورة ذاتية في مرآة محدبة" الذي يعتبر أهم مجموعة شعرية أمريكية في النصف الثاني من القرن العشرين.
وجون آشبري واحد من أهم الشعراء الأمريكيين في القرن العشرين. وعنه يقول الناقد هارولد بلوم: "هو الأدعى للنجاة في امتحان الزمن بين كتّاب الشعر بالإنجليزية كافة".
أخذنا قصيدة "سوناتا زرقاء" من كتاب "صورة ذاتيّة في مرآة محدّبة وقصائد أخرى" الذي ترجمه الشاعر غسان الخنيزي وصدر عن دار روايات.
قديمًا كان الماضي آخذًا في التشكل على هيئة "الآن"
و"الآن" ليس إلا الانطلاقة في طريقٍ جديدٍ
وبلا معالم. إذ إن "الآن"، الذي شوهد مرةً
من البعيد، هو قدرُنا
أيًّا كان ما يجري علينا. إنه الماضي
الماثلُ أمامنا الذي منه جُبلت ملامحنا
وظنوننا. نكون النِصفَ منه ولا
نكترث لبقيتِه. نحن
نرى أمامنا ما يكفي من المسافة لكي تظل بقيتُنا مضمرةً في الجوار الذي هو ساعةُ الغلس.
نحن نعرف أن هذه الآونة من النهار تأتي كل يوم ونشعر بها، إذ هي جديرةٌ بذلك، كما
هو جديرٌ بنا أن نظهر على طبيعتنا في هذا الشوط الذي نحن فيه وليس في يومٍ آخر، أو
مكانٍ آخر. الوقت توائمنا
خُيلائُه، طالما
لا نتزحزح عن موقفنا، وعن نفَس
التحوّل، قبل أن يُرى التحولُ،
أو يتخذ كل المظاهرِ التي يدلّ عليها، الآن.
الأشياء التي كانت موضعَ حديثٍ
قد أتَتْ وأفَلَتْ ولمّا تزل قيد التذكّر
باعتبارها معاصرةً. هنالك ذرةٌ من الفضول
في أساس شيءٍ جديدٍ ما، يكشف عن
علامة الاستفهام خاصته، كموجةٍ جديدةٍ على الساحل.
في شروعنا لأن نعطي، لأن نتخلَّى عمّا مَلَكْنا،
أدركنا أننا قد اكتسبنا أو تم اكتسابنا
من قِبَلِ ما كان يشقُّ طريقه، مزدهيًا بلمعة
الأشياء المنسيّة والمستعادة حديثًا.
كل صورةٍ تأخذ مكانها، بطمأنينةِ
أننا لا نملك الكثير، نملك ما يكفي فحسب.
نحن نحيا في تنهيدة حاضرنا.
لو كان ذلك هو كل ما يمكن أن نتحصّله
لاستطعنا أن نعيد تخيُّلَ النصف الآخر، نستنتجه
من هيئة ما يُشاهد، وبذا
يتمّ أخذه في حسبان
خطوتنا التالية. سيكون مأساويًا أن نستقر
في الفراغ الناشئ عن كوننا لم نصل بعد،
كي نتفوه بالخطاب الذي ينتمي إلى هناك،
لأن التقدم يطرأ من إعادة اختراع
هذه الكلمات عبر تذكرنا الضبابي لها،
ومن انتهاك ذلك الفراغ بطريقةٍ
تتركه على حاله. لكننا في النهاية
ننتمي إلى هذا المكان، فقد تنقّلنا لمسافةٍ
مُعتبرةٍ؛ ومسيرتنا هي واجهةٌ ظاهرية.
غير أن تفهمنا لذلك لهو أمرٌ مبرر.