هذا مقال للكاتب كلايف ايرفينغ نشرته الصانداي تايمز ويتحدث عن جيرترود بيل، الباحثة وعالمة الآثار والجاسوسة البريطانية، التي قامت بتعريف الحدود العراقية المعروفة اليوم بناء على دراستها للمنطقة وشؤون العشائر والمصلحة الاستعمارية في بدايات القرن العشرين. إنها قصة عميلة المخابرات البريطانية التي زوّرت الانتخابات، ونصبت ملكًا مواليًا للبريطانيين، ورسمت حدودًا جديدة، ومنحت العالم بلدًا صعب المراس.
جاءت إلى بغداد رفقة عصبة من الرجال، بعد أشهر قضتها في واحدة من أكثر الصحاري وعورة في العالم. هي امرأة إنجليزية ضعيفة البنية تبلغ من العمر 45 عامًا، قامت مجموعة من اللصوص باحتجازها تحت تهديد السلاح عند مرورها بشكل غير قانوني عبر مجموعة من الأراضي، لتُؤخذ أسيرة في إحدى المدن بحيث لم يرها أي غربي لمدة 20 سنة.
ستعود جيرترود بيل إلى بغداد لتزوير الانتخابات، وتنصيب ملك موالٍ للبريطانيين، وإعادة تشكيل الحكومة، ورسم الحدود على خريطة عراق جديد
كان ذلك قبل مائة عام من الآن، أي قبل أشهر قليلة من اندلاع الحرب العالمية الأولى، كانت بغداد حينها تحت نظام موالٍ للأتراك العثمانيين، وقد رخَّصت السلطات التركية في القسطنطينية على مضض للمرأة المثابرة الشروع في ملحمتها الصحراوية، مُعتبرة إياها أثريّة وعالمة عربية، إضافة إلى كونها مستكشفة إنجليزية من النوع المجنون الذي تعوّدوا عليه، مع أنها كانت جاسوسة في الواقع، أخبرها سادتها البريطانيّون أنهم سيتنصّلون من أيّة مسؤولية عنها في حال ما إذا وقعت في ورطة.
اقرأ/ي أيضًا: أمبرتو إيكو: الحروب المقدسة.. بين الانفعال والعقل
وبعد أقل من 10 سنوات، ستعود جيرترود بيل إلى بغداد لتزوير الانتخابات، وتنصيب ملك موالٍ للبريطانيين، وإعادة تشكيل الحكومة، ورسم الحدود على خريطة عراق جديد. وأكثر من أي شخص، يمكن القول إن جيرترود بيل قسمت البلاد بحيث لا يمكن لأي كان أن يجعله يعمل كدولة لفترة طويلة جدًا، ليس أكثر مما هي عليه الآن.
كان الشرق الأوسط كما نعرفه إلى حد كبير اليوم يعني، وفقًا للتعريف الذي وضعه الإغريق لأول مرة، كل ما يقع شرق البحر الأبيض المتوسط عندما تقدم الاسكندر الأكبر للاستيلاء عليه، وهي الفكرة التي تبنتها زمرة قليلة من الرجال مؤلفة من علماء بريطانيين، وعلماء آثار وضباط عسكريين ومسؤولين استعماريين يطلق عليهم اسم المستشرقين.
وقد كان هؤلاء المستشرقون وعلى مدى عقود، ابتداءً من منتصف القرن التاسع عشر، يستكشفون الصحراء ليجدوا فيها آثار القوى العظمى في العالم القديم: مصر، وآشور، وبابل، وبلاد فارس. وكشفوا من خلال علم الآثار عن هذه الروائع للعالم الحديث، ومن حفرياتهم أثّثوا المتاحف الغربية بغنائم مثل "بوابة عشتار" المطلية بالألوان المتعددة، والتي انتقلت إلى متحف "بيرغامون" في برلين، أو "أسطوانة قورش" التي تحتوي على العقيدة الجديدة في الحكم للملك الفارسي قورش عندما غزى بابل، والتي تمّ شحنها بدوها إلى المتحف البريطاني.
من كان يعرف هذه المدن العظيمة؟ بالنسبة إلى هؤلاء إذا ما أخذ العرب هذه القطع الأثريّة، فإن الأمر سيكون عملية نهب طائشًة، وبالتالي فإن شحنها من قبل العلماء الغربيين إلى بلادهم- وغالبًا في شحنات كبيرة - هو بغرض حفظها للأجيال القادمة.
كانت رحلة بيل الصحراوية الملحمية ما بين 1913 - 1914 أسطورية بالفعل، كان هدفها مدينة حائل التي لم يصل إليها أي أوروبي منذ عام 1893
كان العثمانيون آنذاك يحكمون الجزيرة العربية من خلال نظام لامركزي من المحافظات يُطلق عليها اسم "الأيالات"، يديرها حكام يقومون بتعيينهم بأنفسهم، غير أن النزاعات القبلية والطائفية والإقليمية جعلت المنطقة مكانًا مضطربًا باستمرار على الرغم من مطرقة الحكم العثماني. وحتى في ظل نظام أكثر مركزية، كانت المنطقة غير قابلة للحكم، ولهذا لم يستسغ الأتراك مطلقًا الفكرة الغربية الخاصة ببناء الدولة، لقد كان ذلك كل ما باستطاعتهم فعله للحفاظ على ما يشبه النظام.
اقرأ/ي أيضًا: ما القصة الحقيقية لحازوقة تشرتشل والحدود الاستعمارية؟
أما المستشرقون فقد كانوا يفكرون بشكل مختلف، إذ كانت الفكرة الغربية في بناء الدولة هي مستقبل الجزيرة العربية في نظرهم، ومع اقتراب الحرب العالمية الأولى من نهايتها وانهيار الإمبراطورية العثمانية، رأى المستشرقون فرصة لجلب نوع من التماسك الحديث إلى الصحراء من خلال فرض ممالك جديدة يقومون بتقسيمها، طالما أن ملوكها سيكونون متوافقين مع المصالح الاستراتيجية للإمبراطورية البريطانية.
ومن بين هؤلاء المُدبِّرين جاء اثنان من المنشقين وكلاهما من العلماء، يتحدثان العربية بطلاقة، بقامة قصيرة، وهشاشة نفسيّة، وكلاهما قادر على إنجاز أعمال استثنائية في استكشاف الصحراء، الأوّل شاب يدعى ادوارد توماس لورنس، والثانية جيرترود بيل التي كانت أكثر خبرة وتمرسًا في الحياة الصحراوية. وقد تم تجنيدهما قبل الحرب العالمية الأولى لجمع معلومات استخبارية عن العثمانيين، وكان من الصعب استيعابهما ضمن آلة عسكرية ودبلوماسية عادية، وبالتالي انتهى الأمر بهما بالعمل في جماعة سرية في القاهرة تدعى المكتب العربي، والذي كان أكثر إدراكًا بمزاياهما الفريدة، وأكثر تسامحًا مع عاداتهما.
كانت رحلة بيل الصحراوية الملحمية ما بين 1913 - 1914 أسطورية بالفعل، كان هدفها مدينة تسمى حائل والتي لم يصل إليها أي أوروبي منذ عام 1893، وتحت غطاء البحث الأثري كان هدفها الحقيقي تقييم قوة عائلة من السفّاحين تسمى آل رشيد، وكانت عاصمتها حائل. وقد تمَّ طردها من الرياض من قِبل الشاب عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، والمعروف باسم ابن سعود، الذي سيصبح مؤسس المملكة العربية السعودية.
كانت بيل على الرغم من قسوة التضاريس، متقبلة للنداء الروحي للصحراء تمامًا كمواطنها الشاب لورنس، وكتبت في ذلك "كنت أذهب في بعض الأحيان للنوم بقلب مثقل إلى درجة أنني اعتقدت أنني لا أستطيع حمله في اليوم التالي... ثم يأتي الفجر، الناعم الرحيم، ليغمر السهل الممتد وأسفل المنحدرات الطويلة للتجويفات الصغيرة، ويغمر قلبي في النهاية أيضًا".
عندما وصلت بيل إلى حائل، اشتبه بأمرها آل رشيد، فقاموا بوضعها تحت ما يمكن اعتباره إقامة جبرية في المجمع الملكي
عندما وصلت بيل إلى حائل، اشتبه بأمرها آل رشيد، فقاموا بوضعها تحت ما يمكن اعتباره إقامة جبرية في المجمع الملكي. لكن بيل باعتبارها امرأة تمتعت بامتيازات إيجابية أكثر من زملائها الذكور، وهو ما جعلها تُوظف في العديد من المهام: ذلك أن التحرش بالنساء أو إيذائهن يتعارض مع قواعد السلوك الصحراوية، حتى في عائلة مهووسة بالقتل مثل آل رشيد.
اقرأ/ي أيضًا: من ديوان العراق
ظلت بيل، لمدة أسبوع أو نحو ذلك، تتمتع باحتفاء حار من قبل نساء هذا المجتمع المتعدد الزوجات، وكانت ثرثرة النساء توفر لها مصدرًا غنيًا للاستخبار حول مكائد القصر الكثيرة. ومن هنا كانت بيل قادرة على رؤية ما يقدره مرافقوها البريطانيون: أن آل رشيد أصبحوا رجالًا من الماضي، وأن آل سعود سيكونون على الأرجح قوة هائلة ومستقلة في الجزيرة العربية. أطلق آل رشيد سراحها، لتذهب إلى بغداد ودمشق ثم تعود إلى بيتها في لندن.
وضعتها معرفتها بما يحدث في الداخل في مكانة مؤثرة عندما انتهت الحرب وقررت القوى الأوروبية تحديد كيفية تقسيم الجزيرة العربية، سخّر لورنس نفسه لأمراء القبيلة الهاشمية، ولا سيما فيصل الذين حارب معهم ضد الأتراك، ووعدهم بدمشق، إلا أن صفقة سرية لم يطلع عليها لورانس كانت قد أبرمت مع الفرنسيين، الذين أرادوا السيطرة على شرق البحر المتوسط وكانوا سيصلون دمشق، بينما كان البريطانيون يملؤون الفراغ الذي خلفه انهيار الإمبراطورية العثمانية بإعادة رسم خريطة الجزيرة العربية.
كان البريطانيون أكثر وعيًا من الفرنسيين بالأهمية التي سيمثلها النفط، فسوريا المستعمرة الفرنسية الجديدة، لم تكن منطقة واعدة باحتمال وجود النفط. في حين بدأ أول حقل نفطي شرق أوسطي في الضخ في بلاد فارس على رأس الخليج الفارسي عام 1911 تحت السيطرة البريطانية، واشتبه الجيولوجيون، وكانوا محقّين، في أن احتياطيات النفط الهائلة تقع في كل من بلاد فارس والعراق. وبينما غادر لورنس مؤتمر باريس للسلام في عام 1919 وشعور بالذنب يساوره بسبب الخيانة البريطانية للعرب الذين يحبهم، والتي لم يكن طرفًا فيها، أُرسلت بيل إلى بغداد، أين حصل فيصل على مكافأته وهي عرش العراق الجديد.
بالإضافة إلى احتمال وجود احتياطيات نفطية ضخم، كان هذا العراق الجديد حاسمًا بالنسبة لخطوط الاتصال بالجوهرة العظيمة للإمبراطورية البريطانية، أي الهند. وكان الدبلوماسيون وجنرالات الإدارة الهندية هم الذين يديرون المشهد في بغداد في ظاهر الأمر، غير أنهم كانوا يعتمدون على بيل كخبيرة ومفاوضة، تجيد اللغة العربية ومتعوّدة على الانشقاقات والقلائل في المنطقة، وفي الواقع فإن العديد من الاجتماعات الحاسمة التي تمّت في الوقت الذي كان فيه البريطانيون يكافحون لإنشاء حكومة مؤقتة عقدت في منزل بيل الخاص.
كان العراق الجديد حاسمًا بالنسبة لخطوط الاتصال بالجوهرة العظيمة للإمبراطورية البريطانية، أي الهند
في 23 آب/أغسطس 1921 في حفل أقيم في وسط بغداد، تم تنصيب فيصل عاهلًا للعراق، على الرغم من عدم وجود أي جذور قبلية له في البلاد لتدعم شرعيته، وكتبت بيل بارتياح: "لقد توجنا ملكنا"، مدّعية بشأن هذه الانتخابات التي تردد صداها عقودًا فيما بعد من طرف صدام حسين، بأن فيصل قد حظي بتأييد 96 في المائة من الشعب، على الرغم من أنه كان المرشح الوحيد وأن غالبية السكان كانوا أميّين. وكانت بيل في الواقع قد ذهبت بعيدًا بثقتها في الدولة التي ساهمت في إنشائها حتى أنّها صاحت: "أتطلع لرؤية فيصل يحكم من الحدود الفارسية إلى البحر الأبيض المتوسط قبل أن أموت."
اقرأ/ي أيضًا: كتاب "الحكومة العربية في دمشق".. الذكرى المئوية الأولى للدولة العربية
بشكل عملي فإنّ الحدود العراقيّة قد تمَّ رسمها وإهمالها بشكل اعتباطي لمدة 2000 عام من الاحتلال القبلي والطائفي والبدوي، وكانت الحدود الفارسية هي الحدود الوحيدة المحددة بحزم وتؤكدها الجبال. أمّا خارج بغداد، فقد كان الخط الفاصل بين سوريا – التي أصبحت الآن مملوكة لفرنسا- والعراق موجودًا على الخريطة أكثر منه على المستوى الانثروبولوجي. لا شيء يرّد الأعمال العدائية الفطرية للشيعة في الجنوب، والذين لم يكونوا (على عكس الصورة الزائفة الحالية في بغداد) مُمَثلين فعليًا في التجمُّع الجديد لبيل، مثلهم مثل السنة في الشمال، وكذا الأكراد والأرمن والأتراك كل مع احتلاله الخاص.. احتجّ لورنس في الواقع بأن ضم الأكراد كان خطأ، كما أن الحدود الصحراوية في الجنوب على حد تعبير بيل كانت "غير محددة بعد".
لقد كان ابن سعود هو السبب، كتبت بيل في رسالة إلى والدها "لقد كنت أضع على الخريطة ما أعتقد أنه حدودنا الصحراوية"، وفي النهاية كان هذا الخط هو الذي استقر عليه آل سعود الذين كان محاربوهم الوهابيون القوة الأكبر في الصحراء، والذين توقعوا ما توقعه عرب آخرون كثر في تلك الفترة: أن العراق كان عبارة عن بناء غربي يتحدى آلاف السنين من التاريخ، مع ملك دمية وأجنبي لن يصمد طويلًا، وقوى داخلية غير متماسكة.
لفترة من زمن، كانت بيل الوجه المألوف والمحبوب للكتيبة البريطانية في بغداد، أبهجها زائر أمريكي بتسميتها "أول مواطن عراقي"، كما أطلق عليها العرب اسم "الخاتون" والتي تعني امرأة نبيلة حصلت على الاحترام. كانت تذهب للسباحة والركض كل يوم، وما قلل إلى حد ما من فوائد ذلك تدخينها في الأماكن العامة، ولم تكن تخف حقيقة أنها كانت ملحدة، يبدو أنها كانت أكثر راحة في رفقة العرب مما كانت عليه بين أقرانها في القاهرة، فقد كان لورنس على سبيل المثال، على الرغم من احترامه لمنحتها الدراسية، يعتقد أنها "لم تكن تتمتّع بعمق كبير في التفكير" وأن أحكامها على الناس من الناحية السياسية كانت خاطئة، و"تُغيِّر الاتجاه كأنه رياح جوية". كما وصفها السيد مارك سايكس، الدبلوماسي الصارم الذي تواطأ مع الفرنسيين لمنحهم دمشق -والذي كان يكره النساء- بأنها "حقيبة رياح، ثرثارة سخيفة، كاذبة شيطانية، وحمار مغرور يهز أردافه ويتدفق، يهتز، ويهذي".
وقد كشفت بيل أحيانًا عن معرفة مظلمة بذاتها، ففي عام 1923 كتبت إلى والدها: "في الجزء الخلفي من ذهني أرى أننا، نحن شعب الحرب، لا يمكن أبدًا أن نعود إلى قوانا العقلية الكاملة... كانت الصدمة عظيمة، نحن غير متوازنين. أدرك أنني شخصيًا لدي سيطرة أقل بكثير على عواطفي الخاصة مما اعتدت عليه". في ذلك الوقت لم يكن لديها سوى ثلاثة أعوام للعيش، فقد أصيبت بالوهن نتيجة العمل الشاق، ووصفت روتينها في رسالة قائلة: "أستيقظ في الساعة 5:30، وأمارس التمارين حتى الساعة 5:45، وأتمشى في الحديقة حتى السادسة أو بعدها بقليل، أقطف الزهور، كل ما ينمو الآن هو زهرتي ياسمين مزدوجتان جميلتان، لديّ طاسات منها ممتلئة كل يوم، وزهور الزينة الضارة والنافعة، أتناول الافطار في الساعة 6:40 صباحًا على بيضة وبعض الفاكهة... وأغادر إلى المكتب بالسيارة في الساعة 6:55 وأصل في الساعة 7".
وصف مارك سايكس الذي كان يكره النساء جيرترود بيل بأنها "حقيبة رياح، ثرثارة سخيفة، كاذبة شيطانية"
اقرأ/ي أيضًا: سرقات الآثار الكبرى في مصر.. تسريب التاريخ
كانت بيل، إلى جانب إدارتها بطريقة المسؤول الاستعماري، تتصرف في كثير من الأحيان وكأنها نائب الملك، تستقبل مجموعة من شيوخ القبائل، والمسؤولين العرب، أو مواطنين بسطاء يشتكون من المظالم. كان لابد من تسيير شؤون الملك في حين يجلس هو في حديقته "في ثوب عربي كامل، باللون الأبيض والذهبي لأمراء مكة"، ولم يثنها ذلك عن تكريس معظم وقتها لشغفها الشخصي وهو إنشاء متحف العراق في بغداد، أين جمعت مجموعة لا تقدر بثمن من الكنوز من معالم العصور القديمة يذكُّرها ويذكِّر الشعب العراقي كيف ازدهرت الحضارات الأولى حول دجلة والفرات.
ورغم ذلك كان في الجانب الآخر من حياة بيل، مظاهر حب آخر، يكشف زيف مظهر العانس الجافة المدمنة على العمل، فقد عاشت على ذكرى علاقتين عاطفيتين رومنسيتين فشلتا معًا.
في الرابعة والعشرين من عمرها، تقدّم لخطبتها دبلوماسي شاب، لكن والدها الصناعي الثري اعتبره زواجًا غير متكافئ فأنهت بيل ذلك بطريقة فكتورية مناسبة. أما علاقتها الثانية فقد كانت أعمق بكثير، ومأساوية وأبدية في آثارها، فقد وقعت في حب الكولونيل تشارلز دوتي ويلي، وهو جندي لديه سجل حافل بالبطولات، وبملامح أقرب لنجم سينمائي غير أنه كان متزوجًا، وطالما شغلتهما الحرب معًا إلا أنهما لم يتمكنا من إيجاد مخرج. ومع ذلك، كانت بيل مسلوبة العقل تمامًا، كتبت إليه، "لا أستطيع النوم، لا أستطيع النوم، إنها الواحدة صباح الأحد. حاولت النوم، ولكن ذلك يصبح غير ممكن يوما بعد... أنت وأنت وأنت بيني وبين أي راحة. ولكن بعيدًا عن ذراعيك لا أجد الراحة. أيتها الحياة، سميتني الحياة، واللهب. أنا أحترق.. أنا مستنزفة". وأجابها بلطف: "لقد منحتني عالمًا جديدًا جيرترود، لقد أحببت النساء غالبًا كأي كرجل يحبهم، بشكل جيد وسيّئ، قليلًا وكثيرًا، لأن الدم أخذني... أو لمجرد المغامرة لمعرفة ما حدث، ولكني تجاوزت ذلك كله معك".
توفي دوتي ويلي في الهجوم البري والبحري على الأتراك عام 1916 في جاليبولي الذي اعتبره وينستون تشرشل محاولة لضرب نقطة ضعف الإمبراطورية العثمانية.
كانت بيل، إلى جانب إدارتها بطريقة المسؤول الاستعماري، تتصرف في كثير من الأحيان وكأنها نائب الملك، تستقبل مجموعة من شيوخ القبائل، والمسؤولين العرب
توفيت بيل في منزلها على نهر دجلة في بغداد في تموز/يوليو 1926 عن عمر يناهز 57 عامًا. بعد أن تناولت جرعة زائدة من حمض الباربيتورات، سواء كان ذلك عن قصد أو عن غير قصد فإنه كان من المستحيل الاخبار بذلك. وفي ذلك الوقت، كان لورنس منعزلًا في رحلة يتقاسمها مع الصحفي الأمريكي لويل توماس الذي حوّله إلى لورنس العرب، أشهر رجل على وجه الأرض، رغم أنه وصف تستحقه في الحقيقة جيرترود بيل، التي لم تكن شخصية عامة على الإطلاق، لكنها تركت الأثر الأكبر في الشرق الأوسط، للأفضل أو للأسوأ.
اقرأ/ي أيضًا: سكة الحديد العثمانية.. تواصل عربي عبر فلسطين على هامش مصالح الإمبراطورية
توفي الملك فيصل، الذي كان يعاني من المرض لفترة من الزمن، في سويسرا عام 1933، عن عمر يناهز 48 عامًا، ليخلفه ابنه الأمير غازي. وقد تمَّ إسقاط النظام الملكي بانقلاب عسكري موالٍ لبريطانيا في عام 1938 (خطأ من الأصل، فقد سقط النظام الملكي عام 1958)، وهو النظام الذي تحول في نهاية المطاف إلى نظام صدام حسين في عام 1979.
اقرأ/ي أيضًا:
فواز طرابلسي.. ما لم تقله خرائط سايكس بيكو
"مملكة الحجاز".. وثائقي التلفزيون العربي عن نهاية الحكم الهاشمي ونشأة السعودية