كراهية تتجاوز المنطق. الكلمة مرفوضة، والصورة ممنوعة، والمواقع محجوبة، والكاتب مستهدف بالاعتقال والسجن. صحفيون مصريون لم يتمكنوا بالأمس من الاحتفال باليوم العالمي للصحافة في 3 أيار/ مايو من كل عام، بعضهم في السجون مقيد الحرية، فيما لم يحي الصحفيون المصريون خارج السجن الذكرى الثانية لاقتحام قوات الأمن للنقابة، في الأول من آذار/ مايو 2016، للقبض على عمرو بدر ومحمود السقا على خلفية مقالات وأخبار حول رفض التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح المملكة العربية السعودية، ويخشى الكثير من الصحفيين المصريين السجن، فالقضايا جاهزة والاتهامات معلبة؛ "انتماء للإخوان" حتى لأكثر الصحفيين رفضًا للإخوان المسلمين وحكمهم.
العام الحالي كان الأكثر حدة ضد الصحفيين، وشهدت الشهور الأربعة الأولى من 2018 عشرات الانتهاكات
خمسة أعوام من الظلام تعيشها الصحافة المصرية تمكن فيها عبد الفتاح السيسي ونظامه من السيطرة الكاملة وإخضاع المؤسسات القومية والخاصة لرقابته ورقابة رجاله، سواء بالمال أو بممارسة الضغوط على أصحابها. خمسة أعوام من عمر حكم السيسي تقتل الصحافة وتلقي بها إلى قاع الجب.
اقرأ/ي أيضًا: عام على اجتماع 4 مايو.. السيسي يحكم قبضته على الصحافة المصرية
اخر انتهاكات السيسي
برصد بسيط وسريع لحالة الصحافة المصرية منذ صعود عبد الفتاح السيسي، الرئيس المصري القادم من الخلفية العسكرية، فسيجد المطلع أنها محاصرة في أزمات متكررة تتصاعد وتهدأ، ولكن العام الحالي كان أكثرها حدة وإثارة. وشهدت الشهور الأربعة الأولى من 2018 عشرات الانتهاكات التي تستهدف الصحافة المصرية. وعقب انتهاء التصويت في الانتخابات الرئاسية المصرية التي جرت في آذار/مارس الماضي، استهدف المجلس الأعلى للإعلام بقيادة محمد أحمد، القريب من الأجهزة الأمنية، كل من جريدة "المصري اليوم" وموقع "مصر العربية" لخروجهم عن السيطرة والقيام بعمل صحفي لا يرضي الأجهزة الأمنية.
نشر المصري اليوم في الطبعة الأولى في اليوم الثالث للانتخابات في صدر الصفحة الأولى، تقريرًا بعنوان "الدولة تحشد المواطنين"، أما موقع مصر العربية فقام فقط بترجمة تقرير عن صحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان "المصريون يزحفون للانتخابات من أجل 3 دولارات".
الأعلى للإعلام، اعتبر تلك العناوين إهانة للدولة المصرية وفرض غرامة مالية على المصري ومصر العربية، ولكن الأزمة لم تنته عند هذا الحد، وبفعل الضغوط ، قرر مجلس إدارة المصري اليوم إعلان إنهاء تكليف محمد السيد صالح رئيس تحرير الجريدة، وتعيين حمدي رزق الصحفي المقرب من الأجهزة الأمنية أيضًا، بدلًا منه. أما موقع مصر العربية فكان العقاب أكبر من الغرامة والإقالة ووصل الأمر لاقتحام السلطات الأمنية المصرية مقر الموقع في نيسان/إبريل الماضي، واعتقال رئيس تحريره عادل صبري، الذي تم إيداعه سجن القناطر، وتجديد حبسه، بتهمة الانتماء للإخوان المسلمين ونشر أخبار كاذبة، وللتذكير بالأزمة واعتقال صبري رئيس تحرير الموقع، أصدر محررو مصر العربية أمس، بيانًا صحفيًا، بمناسبة اليوم العالمي للصحافة تحت عنوان "أقلامنا مقيدة".
تستمر الانتهاكات منذ سنوات ولكنها تصاعدت قبل انتخابات الرئاسة المصرية، واستهدف عناصر الأجهزة الأمنية عددًا من النشطاء والصحفيين اختفى بعضهم قسريًا لعدة أيام، كان على رأسهم الزميل الصحفي مصطفى الأعصر والصحفي بموقع الشروق حسن البنا، واعتقل البنا والأعصر منذ 4 شباط/فبراير الماضي، ولم تعرف أسرهم مكانهما حتى ظهرا بعد 14 يومًا من الاختفاء القسري، في نيابة أمن الدولة العليا، على ذمة القضية 441 لسنة 2018 حصر أمن دولة وهي نفس القضية التي انضم لها في منتصف شباط/فبراير الزميل الصحفي معتز ودنان، صاحب الحوار الشهير مع المستشار هشام جنينة، وتضم القضية زملاء صحفيين آخرين، وتدور الاتهامات في القضية حول نشر أخبار كاذبة من شأنها التأثير على الأمن القومي للبلاد، والانضمام لجماعة أسست خلافا لأحكام القانون والدستور.
تستمر الانتهاكات منذ سنوات ولكنها تصاعدت قبل انتخابات الرئاسة المصرية
الحديث عن عشرات الصحفيين في السجون يطول، وهناك حالات خاصة تعاني من تجاوز مدة الاعتقال وحالات أخرى عانت من الاختفاء القسري لبضعة شهور وأخرى تعاني من أمراض وترفض الجهات القضائية علاجها بشكل آدمي، وعلى رأسهم الكاتب الصحفي والباحث هشام جعفر، والمصورة الصحفية علياء عواد المتهمة في قضية "كتائب حلوان"، والتي تعاني من ورم في الرحم، ويرفض القاضي رغم خطورة حالتها إخلاء سبيلها أو نقلها لمستشفى أكثر تطورًا من مستشفى السجن. وكذلك الصحفي والباحث إسماعيل الإسكندراني وحسام السويفي وأحمد عبدالعزيز وحسام الوكيل المدير السابق لمكتب جريدة الدستور في محافظة الإسكندرية، والذي اختفى لأكثر من 100 يوم قبل أن يظهر في نيسان/أبريل الماضي وتوجه له تهمة الانضمام لجماعة محظورة ونشر أخبار كاذبة.
الانتهاكات دوليًا
تشير البيانات والإحصائيات الدولية إلي أن مصر من أسوأ الدول تعاملًا مع الصحافة والصحفيين، ووفقًا لتقرير صادر في كانون الأول/ديسمبر الماضي عن لجنة حماية الصحفيين الدولية ومقرها نيويورك، فإن مصر تأتي في المرتبة الثالثة عالميًا من حيث عدد الصحفيين السجناء فيها، بنحو 20 صحفيًا معتقلا حاليًا، ومن بين الصحفيين المصريين العشرين المعتقلين، 12 لم تتم إدانتهم أو تصدر بحقهم أحكام.
لا تتوقف تجاوزات النظام المصري على النشطاء والصحفيين المعارضين فقط، ولكنها أيضا تطول رجاله
وتأتي مصر في المركز 161 من بين 180 دولة في مؤشر عام 2018 لمنظمة مراسلون بلا حدود، حيث حجبت مصر نحو 500 موقع إلكتروني، أغلبيتها مواقع صحفية وإعلامية. كما تشير المنظمة إلى أن الحرب ضد الإرهاب، بات السلاح الأساسي للنظام لقمع الصحفيين، ويمكن اتهام أي وسيلة إعلامية بالإرهاب، إذا ما أقدمت على تغطيات تغضب الحكومة، وبحسب المنظمة فهناك ما لا يقل عن 30 صحفيًا معتقلًا في مصر بسبب تقاريرهم الصحفية، بتهم غامضة من قبيل الانتماء إلى جماعة إرهابية أو نشر أخبار كاذبة، على رأسهم المصور الصحفي محمود شوكان.
وجاء فوز محمود شوكان بجائزة "يونيسكو/غييرمو كانو" لحرية الصحافة التي تمنحها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، مفاجئًا للنظام المصري الذي يبدو أنه شعر بلطمة شديدة وخابت جميع محاولات الدبلوماسية والتهديد التي خاضتها وزارة الخارجية، لإثناء المنظمة الأممية عن منح شوكان الجائزة. واعتقلت قوات الشرطة شوكان في أب/أغسطس 2013 عقب فض اعتصامي رابعة العدوية، وما يزال لليوم في السجن بالرغم من تقديم عشرات الأوراق التي تثبت تواجده في رابعة للتصوير الصحفي.
اقرأ/ي أيضًا: بعد جولة من إخفائهما قسريًا.. ظهور الأعصر والبنا في نيابة أمن الدولة
الاعتقال لمن يجري حوارًا
جديد التضييق على الإعلام والصحافة في عهد السيسي أنه لا يتوقف عند العاملين في المجال فقط، لكنه يمتد للمصادر التي تجري الحوارات، في محاولة لمنع الحوارات المعارضة من الأساس، كما حدث مع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وكذلك المستشار هشام جنينة ووالدة زبيدة.
وقضت محكمة عسكرية مصرية في 24 نيسان/ أبريل، بحبس المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق لخمسة سنوات، بتهمة إذاعة إشاعات كاذبة ومغرضة حول الأوضاع الداخلية للبلاد، والإضرار بالمصالح القومية، على أثر حوار صحفي سابق نشره موقع "هاف بوست عربي" أجراه معتز ودنان. وكانت التصريحات المثيرة للجدل هو ما ادعاه جنينة عن امتلاك الفريق سامي عنان وثائق هامة، بها ما يدين قيادات سابقة في الجيش، في إشارة للسيسي. وكانت قضية اعتقال الفريق سامي عنان، رئيس الأركان الأسبق، من أبرز القضايا التي شهدت انتهاكات متكررة لحرية الرأي وتداول المعلومات. فعقب اعتقال رئيس الأركان السابق صدر قرار من المدعي العسكري بحظر النشر في القضية التي اتهم فيها عنان بإعلان الترشح أمام السيسي، دون الحصول على إذن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وسجن المستشار هشام جنينة واعتقل بسبب حوار عن القضية مع الصحفي معتز ودنان.
جديد التضييق على الإعلام والصحافة في عهد السيسي أنه لا يتوقف عند العاملين في المجال فقط
وكان عبد المنعم أبو الفتوح المرشح الرئاسي الأسبق ورئيس حزب مصر القوية، أيضًا من ضحايا إجراء الحوارات، إذ اعتقل عقب حوار أجراه في لندن مع قناة الجزيرة، منتصف شباط/فبراير الماضي، انتقد فيه طريقة إدارة السيسي للدولة، ما أثار عاصفة من الانتقادات ضده ليتقدم محام مشهور بالبلاغات الكيدية، ببلاغ ضد أبو الفتوح، وتقوم على الفور قوة أمنية بمهاجمة منزله واعتقاله. أصدرت بعدها النيابة قرارها بحبس أبو الفتوح بتهمة تولي قيادة جماعة إرهابية ونشر أخبار داخل وخارج البلاد من شأنها إثارة البلبلة وإحداث الفتن. والمثال الثالث خلال الأشهر الأربع السابقة كانت منى محمود محمد والمعروفة إعلاميًا باسم "أم زبيدة"، تلك السيدة التي ظهرت في فيلم تسجيلي لـBBC حول الاختفاء القسري، للحديث عن اختفاء ابنتها "زبيدة"، ولكن الأمن المصري وبعض القنوات الفضائية المقربة من الأجهزة سارعت لنفي القصة وتصوير زبيدة نفسها في أحد أقسام الشرطة لتنفي رواية الأم، وفقًا للإعلامي عمرو أديب، ثم سارعت قوات الأمن باعتقال الأم بتهمة نشر الأخبار الكاذبة، وكذلك محاميها الناشط القانوني عزت غنيم.
اقرأ/ي أيضًا: الهيئة المصرية للصحافة.. سيف الأمن على رقبة أهل المهنة
انتهاكات ضد رجال النظام
لا تتوقف تجاوزات النظام المصري على النشطاء والصحفيين المعارضين فقط، ولكنها أيضًا تطول رجاله، وفي نيسان/أبريل الماضي أصدر مجلس إدارة المصري اليوم برئاسة عبدالمنعم سعيد، عقب أزمة مانشيت المصري اليوم "الدولة تحشد"، قرارًا بوقف مقال الكاتب الصحفي عبدالناصر سلامة رئيس تحرير جريدة الأهرام الأسبق. وأشارت بعض المصادر إلى أن ذلك جاء بطلب من مكرم محمد أحمد بنفسه. وفي كانون الثاني/يناير منعت جريدة الوطن مقالات حافظ أبو سعدة وعماد جاد بحجة وجود أزمة مالية، وفي نفس الشهر قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إحاله الكاتب الصحفي عمرو الشوبكي للتحقيق بعد كتابته مقالاً بعنوان "فيديو الإرهابي"، وقد نشر الكاتب توضيحاً، وأصدرت الهيئة الوطنية للصحافة قرارًا بضرورة حصول الصحفيين على موافقة مسبقة من الهيئة في حالة السفر لبعض الدول، وهو ما اعتبره البعض قرارًا أمنيًا بامتياز.
أكثر رجال النظام المتضررين من الانتهاكات كان الإعلامي خيري رمضان في شباط/ فبراير الماضي، عقب نشر رسالة عن معاناة زوجة رجل شرطة في مصر، وهو ما أثار انتقادات كثيرة من أنصار السيسي ضد رمضان، وقُدم بعدها بيوم للنيابة للتحقيق معه، التي قررت بدورها حبس رمضان 4 أيام على ذمة التحقيقات بتهمة الإساءة إلى الشرطة، في إحدى حلقات برنامجه. وحُبس رمضان ليوم واحد، قبل أن يقرر قاضي المعارضات إخلاء سبيله بكفالة 10 آلاف جنية. وعقب إخلاء سبيل رمضان وظهوره على شاشة التلفزيون، قال إن " السجن مثل القبر، أنت وحدك أمام الله". كلمات رمضان في وقتها أثارت جدلًا بين النشطاء والصحفيين والحقوقيين وتذكر البعض عشرات الصحفيين في السجون الذين لم يتذكرهم رمضان من قبل.
اقرأ/ي أيضًا: