يقولون إن النبيّ ترك شيئًا من روحه في مسجد "الحسين" بالقاهرة، يكفي إنّ قطعة من حفيده مدفونة هناك. الوعي المصري يعتقد أن نزول الرسالة في شبه الجزيرة العربية خطأ وسوء تقدير دون أن يُصرح بذلك، فالأصح أن يأتي "محمد" برسالته إلى القاهرة.. ليس فقط لأن هذه أرض تعشقه، إنما لأنها "مجهّزة لاستقباله".
المصريون شعب لديه نزعة صوفية خفية يعبرون عنها في تعاملاتهم اليوميّة
سيدة مصرية زارت قبره في مكة، وعاملها أمن الحرم بخشونة، فألقت السلام على قبره، وقالت: "مش كنت تيجي عندنا أحسن.. هنكرم ضيوفك آخر كرم". يضاف إلى عظمة مسجد "الحسين" -ومحيطه من الأزهر والغورية- وصول مقتنيات الرسول إلى غرفة سرية به، قطعة من قميصه الكتان الذي أهدته له زوجته مارية القبطية، وسيفه الخاص، وأربع شعيرات من شعره المبارك، ومكحلته والمرود التي كان يستخدمها في تكحيل عينه، ورأس عصاه التي حملته وحملها عند فتح مكة، وهدم بها أصنام قريش.
اقرأ/ أيضًا: الرابطة المجتمعية: تكاتُف أم انقياد؟
يشعر المصريون أن نزول الرسالة في القاهرة كان سيضيف لها، وتضيف إليه.. ووجهة النظر التي تؤيد ذلك تؤكد أنه لولا أهمية مصر بالنسبة للدعوة ما لجأت السعودية إليها لصناعة كسوة الكعبة، والمصريون -أيضًا- بنوا الكعبة بعد انهيارها في عهد محمد علي باشا.
هنا شيء من عطر النبي ونسله المبارك لا يغادرنا، ولا نريد أن نغادره، ولذلك يكتسب "الحسين" -المسجد والحفيد- كراماته، التي تجبر الجميع على التبرك به، والذهاب إليه طلبًا للشفاء، والشفاعة، والوصال، والجنة. والذين يقولون إن رأس الحسين لم تدفن هنا، يعرفون أن دراسات وأبحاث التاريخ التي تثبت ذلك بالوثائق والشواهد والمشاهد والروايات -إن صحَّت- لن يصدقها أحد، فلا أحد على استعداد لتصديق أن الحسين لم يمرّ من هنا، وبركات الرسول نفسه لم تروِ أرض القاهرة المقدّسة.
من يذهب إلى ضريح حفيد الرسول لا ينتظر ورقة وخريطة وخط سير يثبت أن رأسه تدحرج إلى شارع المعز، ربما لا يعرف أن الرأس الكريم هو المدفون هنا من الأساس، يعرف فقط أن الضريح ذا الشبابيك على اسم "الحسين"، شقيق الحسن، ونجل الإمام عليّ، حبيب رسول الله.. هذا يكفيهم.
اقرأ/ أيضًا: لماذا علينا ألا نثق بالمجتمع الدولي؟
أهل القاهرة يعتقدون أن الرسول وسيرته العطرة وأحفاده وصلواته ملكية خاصة، ولدوا جميعًا في الحجاز لكي يصلوا إلى هنا
أهل القاهرة يعتقدون أن الرسول وسيرته العطرة وأحفاده وصلواته ملكية خاصة، ولدوا جميعًا في الحجاز لكي يصلوا إلى هنا.. كان ميلادهم هناك وسيلة.. وليس الغاية والعنوان ومحل الإقامة النهائي. الحنين إلى عطر النبي يأخذ الجميع إلى مسجد الحسين.. كم مرة قبض أهل الله على عراقي أو إيراني يشعل شمعة على شباك الضريح، يلطم وتدمع عيناه تزلفًا إلى الله، وطلبًا للقرب من حفيد الرسول، وسلَّموه إلى قسم الشرطة.. لأنه شيعي.
يواجه إمام مسجد "الحسين" الهيام عشقًا في حفيد الرسول بمديح أبي بكر وعمر، يخاف من أن يتحول الضريح إلى حضرة شيعية، أو لحظة صوفية، أو طلّة إيرانية، ينقذ بمديح الصحابيين الجليلين المسجد من الشبهات فيزيده نورًا بزيارة خاصة إلى أصحاب النبيّ.
في رمضان يتناول المصريون إفطارهم هناك، يطلبون القرب من الإمام الغائب، الذي دفع حياته ثمنًا لفكرته وفضل أن يموت بين سبعين من مريديه في مواجهة جيش جرار -ضلَّ سبيل الله- ليصنع مريدين جددًا غير معجبين بسيرة حياته إنما بسيرة موته أيضًا.. ويتطهّرون بدمه.. فالمصريون لديهم نزعة صوفية خفية يعبرون عنها في تعاملاتهم اليوميّة.. والصلاة هناك ليست لله وحده.. إنما لمسة للنبي، ومسحة على ضريح حفيده، وتسبيحة بين أحضان الإمام عليّ.
اقرأ/ أيضًا: