لا يزال معظم المصريين، ومعهم العرب، ممن عايشوا فترة حكم أنور السادات يتذكرون بغصة وغضب زيارة الرئيس المصري إلى الكنيست الإسرائيلي في 1977 كبادرة لبدء اتفاقية السلام، التي وقعت بعد سنة من تاريخ تلك الزيارة، حيث كانت علامة فارقة في تاريخ انهزام الروح العربية أمام دكتاتورية حكامهم ونهمهم للسلطة دون رادع، إلا أن قيام السادات بتلك الخطوة المشؤومة لا يصل المسافات التي قطعها السيسي وأعوانه في بتر أهمية القضية الفلسطينية في المحيط العربي، بل والتآمر عليها بوصف من يعملون بها بالإرهابيين تارة، والمخربين تارة أخرى.
المسافات التي قطعها السيسي وأعوانه في ضرب القضية الفلسطينية تتفوق على ما فعله السادات
مناسبة هذه الكلمات هو تصريح وزير الداخلية المصري مجدي عبد الغفار، قبل أيام، في ما يخص قضية اغتيال النائب العام هشام بركات قبل نحو عام، حيث أكد ضلوع جماعة الإخوان المسلمين في الحادثة وتلقيهم الدعم والتدريب من حماس، أتت تلك التصريحات بعد توارد الأخبار عن تقارب محتمل بين الفصيل الفلسطيني والقيادة المصرية، حيث صرح صلاح البردويل عن نية وفد من حماس زيارة القاهرة، قبل أن تأتي كلمات وزير الخارجية المصري لتقضي على ضوء الشمعة في نفق العلاقات المظلمة بين الطرفين، ولكن ما الذي حذا بعبد الغفار لهذا القول؟ ولماذا صرح في هذا التوقيت؟ وهل لتطورات الإقليم دور في هذه الاتهامات الخطيرة؟
اقرأ/ي أيضًا: السيسي كمسجّل خطر
ثمة تحولات كبيرة جرت وتجري في مصر والإقليم لا يمكننا التغاضي عنها، إذا ما أردنا قراءة الموقف المصري الحالي تجاه حماس، وتجاه السعودية والمسألة السورية.
أولى تلك الأحداث وأهمها هو الوضع الاقتصادي المصري المتدهور، حيث انخفض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار إلى مستويات قياسية دفعت البنك المركزي لتعويم صرفه، أضف إلى ذلك تراجع احتياطي العملات الأجنبية وتراجع الحوالات من الخارج، وضرب سوق السياحة التي تعد الرافد الأهم في الاقتصاد المصري بعد هجمات تنظيم الدولة على الطائرة الروسية وفي سيناء.
ولكن ما علاقة الوضع الاقتصادي السيئ للقاهرة باتهام حماس في هذه الأوقات؟ الإجابة تكمن في تحركات السيسي وكيانه، حيث استقبلت القاهرة وفدًا من "حزب الله" أتى للتعزية بالصحافي الراحل محمد حسنين هيكل، في رسالة بدت واضحة عن التقارب الحاصل بين مصر وروسيا وإيران حول الملف السوري وطرق حله، ناهيك عن زيارة الرئيس المصري إلى موسكو لإقناع بوتين بضرورة إرجاع السياح الروس إلى أرض الفراعنة في أقرب وقت ممكن، ولعل تلك الخطوات لا تكتمل إلا باتهام حماس والبعد عن المحور السعودي التركي.
اقرأ/ي أيضًا: من فرانكو إلى السيسي.. الدكتاتورية حظوظ!
ثاني الأسباب يكمن في معرفة السيسي، وأركان الحرس القديم لمبارك، أهمية رضا الكيان الصهيوني لديمومة الاستمرار في الحكم، خصوصًا في هذا الظرف الاقتصادي الصعب، فكما فعل السادات قديمًا بذهابه بعد ثورة الخبز في بداية 1977 إلى إسرائيل، ها هو السيسي يتهم حماس بالإرهاب ودعم الإخوان في الداخل، ليحوز تأييد الكيان له وبالتالي ضمان بقاء الولايات المتحدة الأمريكية في صف العسكر والانقلابين.
يكمن اتهام حماس باغتيال هشام بركات خلف معرفة السيسي أهمية رضا الكيان الصهيوني لديمومة الاستمرار في الحكم
لعل السبب الثالث أكثر جدلية، ويتلخص بانزعاج المصريين من التقارب السعودي التركي القطري، الذي يبدو أنه غير موقف السعودية من الإخوان أولًا، ومن علاقته بالقاهرة ثانيًا، وهو ما بدا واضحًا من اتهام حماس بعد أيام قليلة من وضع حزب الله على قائمة الإرهاب العربية، وكأنما تقول القاهرة أنا على الحياد بين المتصارعين الإقليمين، وما تفعله السعودية في الإقليم لا نتبناه في مصر، بل إن القاهرة بدت وكأنها تساوم المملكة في مواقفها تجاه الإخوان وتركيا.
مخطئ من يعتقد أن السعودية ستنتهج أسلوب العقوبات مع مصر كما فعلت مع لبنان قبل عدة أسابيع، ذلك أن مصر مختلفة تمامًا عن لبنان من حيث الثقل والتأثير، ناهيك عن عدم رغبة السعودية بزيادة عدد الأعداء أو الحياديين لسياستها، التي تتبع أجندة الولايات المتحدة في المنطقة، وهذا يعني بقاء حالة الاستقطاب بين محاور دولنا العربية، ولكن يعني أيضًا استمرار التغاضي عن أن النظام في مصر ما هو إلا انقلاب عسكري.
وعليه يعلم قادة الانقلاب في مصر أن هذا الاتهام الصريح لحماس سيطيل عمر دولة العسكر، وسيخنق قطاع غزة ويعمق مأساة الصراع الفلسطيني الداخلي، وسيزيد كذلك من فرص النجاة للوضع الاقتصادي المتدهور، إلا أنه من المؤكد أن لا أحد منهم يقيم وزنًا أو بالًا للمواطن المصري أو الفلسطيني.
اقرأ/ي أيضًا: