مُنح فنان الكاريكاتير الأردني عماد حجّاج "جائزة محمود كحيل" لإنجازات العمر في الكاريكاتير والفنون البصرية، التي تسلمها خلال حفل أقيم في العاصمة اللبنانية في السابع والعشرين من نيسان/ أبريل الفائت.
تأتي الجائزة التي يمنحها "مركز رادا ومعتز الصواف لدراسات الشرائط المصورة" بالجامعة الأمريكية في بيروت تكريمًا لإنجازات حجّاج في فن الكاريكاتير، الذي يُعتبر من أبرز رواده في العالم العربي، حيث أمضى نحو 3 عقود في العمل بهذه المهنة في أهم الصحف والمواقع الإلكترونية العربية، التي نشر على صفحاتها الكثير من الرسومات السياسية والاجتماعية الساخرة والجريئة، التي عانى الكثير بسبب الجدل الذي أثاره بعضها، وقد وصل الأمر حد اعتقاله قبل عامين لبضعة أيام بسبب إحدى رسوماته.
نال حجّاج "جائزة محمود كحيل" تكريمًا لإنجازاته في فن الكاريكاتير الذي يُعتبر من أبرز رواده في العالم العربي
تُضاف "جائرة محمود كحيل" إلى جوائز أخرى عديدة نالها حجّاج الذي قدّم، على مدار 30 عامًا، رسومات توثق أحوال الدول العربية بأسلوب يجمع بين السخرية والتهكم والنقد، وتناهض كذلك الفساد والاستبداد والقمع بجرأة، وتعبّر عن قضايا الشعوب العربية، وفي مقدمتها فلسطين، وتطلعاتها نحو الحرية والعدالة.
وبمناسبة فوزه بالجائزة، كان لنا في "ألترا صوت" وقفة حوارية مع حجّاج، حول بداياته وتجربته ومواضيع أخرى عديدة تتعلق بفن الكاريكاتير.
- ما الذي يعنيه لك الفوز بهذه الجائزة؟ وكيف استقبلت خبر الفوز بها؟
الفوز بهذه الجائزة يعني لي الكثير. أنا أعمل في مجال الكاريكاتير السياسي منذ نحو 30 عامًا عملت خلالها في العديد من الصحف المحلية والعربية، وابتكرت فيها أيضًا شخصية أبو محجوب. ورغم فوزي بالعديد من الجوائز، إلا أن ثمة خصوصية لهذه الجائزة تكمن في أنها مخصصة لتكريم إنجازات العمر، لتكريم التجربة بأكملها. ناهيك عن كونها من أرقى الجوائز العربية المخصصة لمجالي الكوميكس والكاريكاتير. إنها بالنسبة لي حجر زاوية مهمًا في مسيرتي الفنية أعتز به.
- تقول إنه لو لم تكن هناك صحيفة تنشر لك رسوماتك، لكنت رسمت الكاريكاتير طلبًا للاستقرار النفسي أولًا. وهذا يدفعنا إلى سؤالك عن بداية علاقتك بهذا الفن، هلّا حدثتنا عنها؟
بدأت موهبتي بشكل فطري. لا أذكر صدقًا كم كان عمري عندما بدأت بالخربشة والرسم. تقول والدتي إنني كنت أرسم وأخربش على الجدران في سن مبكرة، حوالي 4 سنوات. وما أذكره أنا، من نتف الذاكرة البعيدة، أنني كنت أشاهد أفلام الرسوم المتحركة، بالأبيض والأسود، من نافذة بيت الجيران في أحد أحياء عمّان الفقيرة. وكنت أتأثر بهذه المشاهد وأرسمها وأستخدم أحيانًا قطع الحجارة والفحم لرسمها على الجدران.
حجّاج: الرسم بالنسبة لي حاجة نفسية، إنه وسيلة لتفريغ مشاعري كإنسان عربي أشعر بالغضب والكبت والانزعاج من عدم القدرة على تغيير الواقع
هذه بدايات موهبتي بالرسم. وفي المدرسة، في الصفوف الابتدائية تحديدًا، لاحظت إحدى المعلمات وجود هذه الموهبة لدي واهتمت بها، وهي الأستاذة حنان تفاحة التي أعتبرها من أوائل الناس الذين أثّروا في موهبتي، وشجعوني على الاستمرار وكان لهم أثر كبير في حياتي.
الرسم بالنسبة لي حاجة نفسية فعلًا، وأنا أمارسه سواءً كعمل أو غير ذلك. إنه وسيلة لتفريغ مشاعري كإنسان عربي أشعر كأي إنسان آخر، بالغضب والكبت والانزعاج من عدم القدرة على تغيير الواقع. لذلك فهو متنفس مهم جدًا بالنسبة لي، علمًا أن العديد من الرسومات التي أرسمها لا أستطيع نشرها، خاصةً تلك التي تتعلق بالتابوهات العربية السائدة. لكنني، مع ذلك، أرسمها لأمارس حقي في التعبير عما يجول في خاطري، ولدي أرشيف كامل أخفيه ولا أستطيع نشره، وأستخدمه استخدامات شخصية فقط.
- بعد 30 عامًا من العمل في هذه المهنة، هل تغيّرت نظرتك إليها مقارنةً بما كانت عليه في البدايات؟ ولماذا؟
اختلفت نظرتي بكل تأكيد إلى موهبتي وعملي كرسام كاريكاتير عما كانت عليه قبل 30 عامًا. ففي بداياتي، وتحديدًا أثناء عملي في الصحف الأسبوعية بالأردن خلال تسعينيات القرن الماضي، كنت محلّقًا أكثر، أو حالمًا أكثر، ولم تكن لدي حسابات من أي نوع، مثالي جدًا في التعبير عما أريد قوله، كما أن السخرية لدي كانت لاذعة وعدمية أكثر.
أما الآن، بعد 30 عامًا، فقد اختلفت الأمور عما كانت عليه في السابق، إذ أصبحت أكثر تعقّلًا، وأصبحت السخرية بمفهومها الهادف تطغى على رسوماتي التي باتت بدورها أكثر عمقًا أيضًا.
شمل الاختلاف الشكل أيضًا، فأنا بدأت الرسم بالطرق التقليدية باستخدام الحبر الصيني والورق العادي وأقلام الرصاص وتقنيات الطباعة الأوفست، ثم أصبحت بالتدريج رسّامًا رائدًا في مجال الرسم الرقمي. فمنذ أواسط تسعينيات القرن الماضي، بدأت بتوظيف الكومبيوتر والسكانر وصولًا إلى الرسم الرقمي الكامل باستخدام الأجهزة اللوحية والكمبيوتر وتقنيات الذكاء الاصطناعي أحيانًا، في إنجاز رسوم الكاريكاتير التي يراها الناس الآن. وبالتأكيد، غيّرت مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات الإعلام الجديد خارطة الكاريكاتير، وطريقة تفاعل الرسام مع الموضوع والجمهور كذلك.
- كيف تقيّم الدور الذي لعبه فن الكاريكاتير خلال سنوات الربيع العربي وما تبعها؟
أعتقد أن الكاريكاتير العربي كان، على مر السنين، فنًّا قريبًا من الجماهير يُعبّر عن نبض الشارع. كما كان نجومه، في كل الوطن العربي، قريبين من الناس، ويمكن اعتبارهم ضميرًا حقيقيًا يمثّل الشارع، والأمثلة هنا تطول: الفلسطيني ناجي العلي، والمصري مصطفى حسين، والليبي محمد الزواوي، والمغربي العربي الصبان، والكثير الكثير من الأسماء المهمة التي جعلت الكاريكاتير قريبًا من نبض الشارع العربي.
مع ذلك، دخل الكاريكاتير العربي، منذ تسعينيات القرن الماضي ولغاية عام 2011، في متاهة ودوامة. وأعتقد أن معظم رسامي الكاريكاتير العرب كانوا يرسمون بنوع من العدمية، ذلك أننا كنا نعتقد، في عالم التسعينيات الحافل بالتحولات، خاصةً في أوروبا الشرقية التي أصبحت دولها ديمقراطيات، فيما ظل المشهد في العالم العربي على حاله؛ أننا خارج منطق الجغرافيا والتاريخ، وأننا محكومون بديكتاتوريات أبدية وواقع لن يتغير. ولكن ثورات الربيع العربي عام 2011 فاجأت الجميع.
أعتقد أن ثورات عام 2011 كانت نقطة تحول في عالم الكاريكاتير العربي، خاصةً من حيث السقف، إذ انغمس العديد من رسامي الكاريكاتير العرب، وأتشرف بأنني كنت واحدًا منهم، في هذه الثورات التي رسمنا لها بكل ما أوتينا من قوة حتى خارج الصحف الرسمية التي لم تكترث لإنتاجاتنا في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث حاولنا تشجيع هذه الثورات التي حلمنا بها لأجيال، وهذا واضح في الكثير من رسوماتي منذ عام 2011 وحتى بداية التحول الدموي للربيع العربي الذي أحبط الجميع.
كانت البدايات حالمة، وكان الربيع العربي بالنسبة لنا حلمًا يتحقق، وكنا حينها نرسم ونفتخر بأن يحمل رسوماتنا المتظاهرون في تونس والقاهرة ودمشق وغيرها من المدن العربية. وهناك جيلٌ كامل من رسامي الكاريكاتير الشباب الذين لم يُتح لهم أن يُعبّروا عن أنفسهم، قد نشأوا وولدوا مع ثورات الربيع العربي. حتى فن الكوميكس والغرافيتي والعديد من الفنون البصرية الأخرى التي لم تحظ بالكثير من الحضور، تفجّرت وظهر نجومها ما بعد عام 2011 في مصر ولبنان وسوريا والأردن والعديد من الدول العربية الأخرى.
حجّاج: الكاريكاتير جزءٌ من الصحافة، والصحافة مهنة المتاعب، ولذلك فهو خطيرٌ في جانب منه
هذه هي أهمية الربيع العربي، على الأقل في مجال الكاريكاتير والرسوم البصرية، إذ نعتبره نقطة تحوّل فجّرت العديد من المواهب، وأخرجت الكثير مما في صندوق الكاريكاتير والكوميكس إلى العلن. ورغم أن الربيع العربي لم يعد كما كان بسبب الثورات المضادة والردّة عن الديمقراطية التي جعلت منه مشهدًا دمويًا، لكن الفن لا يزال باقيًا، والأمل كذلك.
- كيف تفسّر أن هذه المهنة لا تزال، رغم كل ما حدث في العالم العربي، مهنة خطيرة من الناحية السياسية؟
الكاريكاتير جزءٌ من الصحافة، والصحافة مهنة المتاعب، ولذلك فهو في جانب منه خطير. وأقصد هنا الكاريكاتير الذي ينحاز للناس ولا يجامل السلطة. والكثير من الحكومات العربية لا تحب هذا الفن الساخر الذي يُفقد أصحابها هيبتهم، ويُعطي الجماهير فرصة أن النظر بصورة مختلفة إلى أنصاف الآلهة التي تحكمهم. لذلك هو فن مشاغب يزدهر مثله مثل النكتة السياسية المهربة عند الشعوب التي ترزح تحت حكم الأنظمة القمعية.