التكيف مع متطلبات السوق ومنتجي الأعمال الدرامية مهمة غير سهلة بالنسبة للمخرجين، لأنهم في الوقت ذاته يسعون إلى الحفاظ على معايير فنية عالية. من الصعوبة بمكان إرضاء منتجي العمل، وإرضاء الذات الفنية، والتوفيق بين نوعين من الأعمال الدرامية، لذا فهناك صعوبات تكمن في إنتاج فيلم فني وجماهيري تجاري في نفس الوقت.
هل نجح المخرج والممثل والكاتب السوري رافي وهبي في أن يدمج السينما الجماهيرية مع السينما المستقلة الفنية خاصة في تعاونه عام 2019 مع شركة "فالكون فيلمز" حيث كتب وأخرج فيلم "بلا هيبة" وهو فيلم كوميدي من انتاج وتمثيل لبناني؟ والفيلم لم يخلُ من عناصر فنية وجمالية واضحة، والأهم من ذلك، وجود نص قوي يحمل رسائل سياسية واجتماعية عدة، وقد حصد إيرادات عالية محافظًا في نفس ذاته على قيمة فنية ومبتعدًا عن الكليشيه المبتذل.
في هذا الحوار الخاص مع "ألترا صوت"، يجيب وهبي عن بعض التساؤلات المتعلقة بالدراما اللبنانية والسورية بشكل خاص. وكيف يرى ويوصَف وهبي الدراما في لبنان وسوريا؟
- هل هناك فهم خاطئ للكوميديا؟ إن وجد هذا الفهم الخاطئ فما أشكاله وأبعاده في انتاج الأعمال الدرامية؟
اليوم هناك فهم لموضوع الفيلم التجاري بأنه فيلم أولويته الأساسية الترفيه، ويتم فهم الترفيه على أنه الكوميديا وكل ما يثير الضحك، مما يدفع صناع الدراما إلى البحث عن مجموعة من المؤثرات والنكات والمواقف والشخصيات المضحكة، وتجميع كل ما يعتقدون أنه مثير للضحك ووضعه ضمن خانة الكوميديا، ويلي ذلك عملية بناء حكاية الفيلم بناء على المعطيات التي تم تجميعها من هنا ومن هناك.
رافي وهبي: التفكك طال السلعة الدرامية كوسيلة لمشاركته في الخليج ومصر ولبنان، كون المصنع الأساسي يعاني من مشاكل سياسية واقتصادية يستحيل تجاوزها في الوقت الراهن
تبدأ المشكلة من هنا بالتحديد، ذلك أنه يتم تقديم المواقف الكوميدية المجردة والخارجة من أي سياق على أولوية الحكاية المنطقية المنضبطة الجذابة التي تتضمن صراع بين الشخصيات. وهكذا يتم تفويت الكثير من العناصر الأساسية لحساب الترفيه.
اقرأ/ي أيضًا: "بدون قيد".. دراما عن هوية ومصائر السوريين
هناك فهم آخر للكوميديا على أنها ارتجال، وبالتالي يتم العمل وفق ارتجالات الممثلين، وأحيانًا كثيرة يخرج الممثلون عن الحوارات ويبتعدون عما يريد قوله هذا المشهد، وما هي مهمته في السلم الدرامي للعمل الفني.
- ما تعليقك على الفرق بين الجمالية الفنية والصورة التزيينية في الأعمال الدرامية؟
بالطبع، هناك ارتباك في مفهوم الجمال حيث أصبح هناك خلط بين الجمالية الفنية وبين التزيين والصورة الحلوة، لكن هذه الحلاوة بكل أسف تزيينية وليس لها ارتباط بالواقع. على سبيل المثال، صارت تكتب الأعمال الدرامية بناء على طلب الأبطال الذين يريدون ارتداء هذه الماركة وقيادة تلك السيارة في الفيلم بدافع التسويق، مما يؤدي إلى لَيْ عنق الحكاية والعمل الفني ككل خدمة لأغراض تزيينية.
أرى أنه صار هناك انطباع عام أن الأفلام التجارية الكوميدية هي أفلام مصنعة بسرعة لأسباب تتعلق بالربح المادي وشباك التذاكر وإيرادات الفيلم وتخفيض تكاليف الإنتاج، مما يؤثر على نوعية الأفلام، وكما يقال بالعامية الدارجة يتم تصويرها "سلوقة".
- هناك أحاديث كثيرة طالت العلاقة بين الدراما اللبنانية والدراما السورية، كيف تصف هذه العلاقة؟
هناك علاقة شائكة، بالأساس أي شراكة فنية بغض النظر عن دوافعها وأسبابها هي شراكة مردودها إيجابي، لكن إلى الحد الآن، هذه العلاقة لم تذهب إلى ذلك المدى وربما العكس هو ما حصل، فنوع الإنتاجات الدرامية التي انتشرت وأصبحت سائدة التي تعبر عن هذه العلاقة هي انعكاس لسلبيات المهنة عند الطرفين اللبناني والسوري.
هناك أعمال يكون المخرج سوريًّا، والكاتب سوريًّا، وجزء من الفنيين والممثلين سوريين والجزء الآخر لبنانيين، وهذا النوع من الإنتاجات منتشر ويحقق مشاهدات، لكن آلية العلاقة سلبت المخرج السوري والكاتب السوري والممثل السوري مميزاتهم. فالنص السوري واقعي، ومميزات التمثيل السوري واقعية، والإخراج واقعي، وهذه الواقعية فقدت إلى حد ما. فالصانع السوري دخل في صيغة تتلاءم مع الرأسمال اللبناني، مع المنتج اللبناني ورغباته وطريقة تفكيره، لذلك فالعلاقة الآن تستنزف أسوأ ما عند الطرفين، لكن ذلك لا يعني أنه لن يأت الوقت الذي تُنتج فيه دراما حقيقية واقعية أكثر ملاصقة لهموم الناس وتحمل رسائل إيجابية.
رافي وهبي: في هذه المرحلة المستفيد الأكبر من هذه الشراكة هو الطرف اللبناني، لأنه يستفيد من الكادر السوري المدرب منذ فترة طويلة
وتكمن المشكلة غالبًا في كيفية جمع هذه الأقطاب، وفي الأغلب الرأسمال يكون لبنانيًا وله قدرة تسويقية عالية، وفكرة الترفيه والتسلية تسيطر على السلعة دائمًا، وهذا شيء طبيعي في الدراما، لكن أحيانًا يتم جرّ الدراما إلى أن تكون مسطحة أو مفرغة من المعنى والأهداف، وحتى بناؤها الدرامي يكون ركيكًا، والإخراج يستند على مرجعيات مثل أفلام هوليوود أو مسلسلات ناجحة.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "بلاهيبة".. التنمر في بعده السياسي
وطالما أن هذه التجربة بدأت، أقصد تجربة الإنتاجات الدرامية المشتركة بين لبنان وسوريا، فلا بد أن تمر بكافة المراحل الطبيعية لتصل إلى صيغة تستفيد عبرها من أفضل مكونات الدراما السورية والدراما اللبنانية.
- هل هناك استفادة متبادلة من هذه الإنتاجات؟
أعتقد في هذه المرحلة المستفيد الأكبر من هذه الشراكة هو الطرف اللبناني، لأنه يستفيد من الكادر السوري المدرب منذ فترة طويلة، إن كان على مستوى الممثلين ممن لديهم نجومية في الخليج العربي، أو على مستوى الإخراج والنص اللذين صارا معتمدين من قبل المنتج اللبناني بشكل مستمر. ولأن الطرف اللبناني يحقق انتشارًا أكبر للدراما المنتجة في لبنان عبر الاستفادة من مميزات الجانب السوري أيضًا.
في الجهة المقابلة يحصل تفكك عند الطرف السوري، فالدراما السورية تتجه إلى التفكك، أولًا لأن نوعية الإنتاجات الحاصلة في الداخل السوري صارت في الغالب سيئة الصنعة، خاصة أن الإنتاج السوري أصبح خاضعًا لسقف رقابي ضاغط ومحدود جدًا، مما يضطر صناع الدراما إلى التلاعب في الحكاية الدرامية للمنتج سواء كان فيلم أم مسلسل. والنص يخضع للعديد من العقبات فيبنى عليه ما هو على شاكلته.
التفكك طال السلعة الدرامية كوسيلة لمشاركته في الخليج ومصر ولبنان، كون المصنع الأساسي يعاني من مشاكل سياسية واقتصادية يستحيل تجاوزها في الوقت الراهن. وفي كل عام هناك محاولات لتقديم بعض الأعمال الدرامية على قدر عالي من الجودة إن كان على مستوى النص أو الإخراج والتمثيل، والحقيقة أنه نسبة لما كان موجودًا فالمقارنة تثبت الفرق الشاسع بين مستويات الإنتاج قبل الأحداث في سوريا وبين الوقت الراهن.
رافي وهبي: الدراما اللبنانية في معظمها غير مرتبطة بالواقع، والتأثير السوري يكمن في ربطها بالمشاهد وحياته وقضاياه
اقرأ/ي أيضًا: "بدون قيد".. ثلاث قصص سورية تحطم تابوهات الدراما التقليدية
واليوم تقدم الدراما اللبنانية الفرصة للصانع الدرامي السوري إلى أن يتواجد في أعمال تعرض في الخليج وتلاقي رواجًا، وهذا جزء من منفعة العلاقة بين الطرفين، ولكن بالعموم الإنتاج اللبناني هو المستفيد.
- ما المتغيرات التي طالت الدراما اللبنانية بعد دخول العنصر السوري إليها؟
هناك كم كبير من المتغيرات طالت الإنتاجات الدرامية في لبنان لكون الدراما السورية هي دراما واقعية، ولكون الدراما اللبنانية التي كانت سائدة كانت في معظمها غير مرتبطة بالواقع، فكان التأثير السوري لناحية ربط الدراما اللبنانية أكثر بالمشاهد وحياته وقضاياه. وقد رأينا مسلسلات مشتركة واضحة التعبير عن جماعات أو أشخاص في لبنان وبالتالي نشأ الإرتباط بين الدراما وبين الواقع في لبنان. وأعتقد أن الدراما اللبنانية من الناحيتين الكمية والكيفية إلى تحسن.
لكن تجدر الإشارة، أن اليوم، المعيار لنجاح أو فشل العمل الدرامي هي كمية المشاهدات، وهذه إشكالية تتطلب النقاش مطولًا لأنه معيار مهم ولكنه ليس الوحيد، ولا يكفي القول إن هذا المنتج الدرامي ناجح فقط بسبب مشاهداته المرتفعة أو العكس. فالأهم هو مدى التأثير الفعلي للمنتج الدرامي والنقاش الذي يثيره بين المشاهدين وهذا يتجاوز نسب المشاهدة، خاصة أن السعي لتحقيق أرقام مشاهدة عالية أحيانًا يدفع الصانع للاسترخاص بالبحث عن وسائل الجذب، وبالتالي يفقد الموضوع خاصية أساسية وهي العمق، وهذا ما يجب أن تتنبه له الدراما اللبنانية.
- هل يمكن أن يكون لانتفاضة 17 تشرين مفاعيل مستقبلية على الإنتاج الدرامي في لبنان؟
حين تتغير الحياة فالدراما تتغير معها. فالمنعطفات التاريخية على المجتمعات تدفع بتغييرات مماثلة في الدراما. فالدراما السورية بعد 2011 تغيرت، وكذلك أعتقد الدراما اللبنانية بعد 17 تشرين الأول/أكتوبر خاصة بفعل وجود سينمائيين مبدعين في لبنان.
رافي وهبي: المنعطفات التاريخية في حياة المجتمعات تدفع بتغييرات مماثلة في الدراما التلفزيونية
اليوم حين أقول مصطلح "الدراما اللبنانية" في الوقت الذي يكون النص سوريًا والمخرج سوريًا فإنني أضع المصطلح بين قوسين، حتى ولو كان معظم الممثلين لبنانيين، فلا أعرف كيف يمكن تسميتها دراما لبنانية حينها! أعتقد ستصير الدراما اللبنانية واعدة عندما تخلق مخرجين ومؤلفين لبنانيين، وعند هذه المرحلة ستكون النجاحات كبيرة.
اقرأ/ي أيضًا: دراما الثورة السورية (1).. سنعود بعد قليل
خلال تجربتي في لبنان، ليست المشكلة في المخرجين والكتاب لأن المبدعين اللبنانيين في هذه المجالات كثر، لكن آلية الإنتاج الموجودة اليوم لا تسمح لهم بالدخول والفعالية، فلا توافق بين ما يطمح إليه الشباب المبدعون وبين مزاج المنتج اللبناني. وبالتأكيد فإن 17 تشرين الأول/أوكتوبر نقطة تحول جديرة بالتقاطها لإيجاد المخرج والكاتب اللبناني صيغ جديدة ومختلفة ومبدعة للتعبير الدرامي.