التحق مجيب إبراهيم الرازحي، البالغ من العمر (19) عامًا، بصفوف الجماعات المسلحة في محافظة صعدة شمالي اليمن المعقل الرئيسي للحوثيين وعمره حينها (14) عامًا. استمر مجيب في التدرّب على استخدام السلاح وعمليات القتال لأكثر من خمسين يومًا، قبل أن ينتقل إلى أرض المعركة، حسب ما تحدث لمراسل "الترا صوت".
يعود استفحال هذه الظاهرة في اليمن إلى تركيبة المجتمع القبلية
مجيب واحد من مئات حالات تجنيد الأطفال في اليمن، حيث أجبرته الحالة المعيشية على الانخراط في صفوف المليشيات المسلحة، فحمل "الكلاشنكوف" بدلًا من القلم، وتمترس خلف الحواجز الترابية مصوبًا سلاحه نحو أشخاص لايعرف لماذا يقاتلهم.
الوضع المعيشي دفعني للالتحاق بالمليشات
في حديث لـ"الترا صوت"، يقول مجيب، الذي تم أخيرًا إدراجه في صفوف الجيش اليمني، بعد اجتياح العاصمة صنعاء والسيطرة عليها من قبل الحوثيين، أن تجنيده في سن مبكر كان الخيار الوحيد أمامه لكي يعيش هو وأسرته، "كان هناك أشخاص في محافظة صعدة يقدمون عروضًا مغرية لمن أراد الإلتحاق في صفوفهم كمرتب يصل لأربعمئة دولار أميركي، مما دفعني لترك المنزل والذهاب إلى القتال من أجل لقمة العيش، في بداية الأمر انتقلت إلى منطقة" حرف سفيان، الواقعة في محافظة صعدة، وتمركزت في إحدى نقاط التفتيش مع عدد من الأفراد المسلحين غير العسكريين، واستمريت فيها لأكثر من أحد عشر شهرًا قبل أن يتم نقلي إلى أكثر من جهة، ثم إلى منطقة دماج لقتال الجماعات السلفية. انتقلت أخيرًا إلى صنعاء وتم اعتمادي كجندي في صفوف الجيش ضمن الإتفاق الذي أبرم بين الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، والحوثيين في 21 أيلول - سبتمبر من العام الماضي، في إطار إتفاق السلم والشراكة التي نص على ضم مئة وعشرين ألف مسلح إلى الجيش".
التركيبة القبلية في اليمن سبب للتجنيد
يرى أستاذ اللغة الإنجليزية في جامعة عدن، سلطان القباطي، في حديث خاص لـ "الترا صوت"، أن ظاهرة تجنيد اﻷطفال في اليمن من الظواهر السلبية الخطيرة التي تطرقت لها العديد من المنظمات المحلية والدولية، المهتمة بهذا الشأن. ويضيف أنّ هذا الموضوع ليس بجديد في اليمن ولكن نظراً للصراعات والعنف المسلح والحروب الداخلية التي تشهدها اليمن، خصوصًا في السنوات القليلة المنصرمة، فقد ازداد انتشار هذه الظاهرة بشكل ملحوظ.
واعتبر قباطي أن سبب استفحال هذه الظاهرة في المجتمع اليمني، يعود إلى تركيبته القبلية، حيث أن طبيعة الصراعات عادة ما تأخذ منحىً قبليًا أو مناطقيًّا. حتى الصراع بين القوى السياسية يتم شحنه بمفاهيم عقائدية أو طائفية أو مذهبية أو مناطقية، الأمر الذي يدفع القوى أو الجماعات المتصارعة إلى الزج باﻷطفال في صراعاتهم من منطلق الضرورة أو الوجوب أحيانًا. ذلك أنّه على خلفيات تعبوية كتلك، تعتبر مشاركة الجميع في القتال، بما فيهم اﻷطفال، أمرًا واجبًا تفرضه اﻷعراف السائدة في المجتمع أو المعتقدات الدينية الخاطئة لدى بعض القوى والجماعات المتناحرة في البلاد.
وأضاف قباطي، أنه بالرغم من اعتراف الجميع بخطورة هذه الظاهرة على اﻷطفال، نظراً للمخاطر المميتة التي يتعرضون لها والضرر النفسي والجسدي الذي يلحق بهم، فإن الجميع متورطون في هذا الخطر المحدق بالمجتمع، الذي لم يحارب الظاهرة، بل ساهم بشكل كبير في استفحالها.
تدني الوعي وتفشي الجهل
من جهته، يرى إبراهيم المجذوب الناشط الحقوقي، أن الحروب والنزاعات المسلحة في اليمن هي السبب الرئيسي لتجنيد الأطفال، مهما كانت دوافع وحاجات الأطراف إلى التجنيد ومهما تعددت أسباب ذلك. ويضيف أن السبب الآخر يرجع إلى تفشي الجهل في المجتمع وتدني المستوى المعيشي للأسرة، وكذلك طبيعة الأطراف المتصارعة وتدني مستوى وعيها وعدم اكتراثها بالتبعات التي تخلفها الحروب وبالذات تجنيد الأطفال وماهي مألآته، وغياب تام لأخلاقيات المتصارعين وتجردهم من كل القيم والأعراف الإنسانية، أضف إلى ذلك غياب المنظومة القانونية الرقابية الدولية منها والمحلية، وضعف أداء المنظمات المعنية (على ندرتها) الرقابي والتوعوي، أو في الضغط على أطراف النزاع.
وتابع المجذوب حديثه لمراسل "الترا صوت" قائلا، "إن الأطراف التي تعمد إلى تجنيد الأطفال في اليمن، هي التي حرصت على زرع العنف والقتل في تكوينها منذ نشأتها الأولى، ورسخت ثقافة الموت في خطاباتها وسلوكياتها، ونلحظ تجنيد الأطفال في صفوف مقاتليها بأعداد مهولة، يتجلى ذلك في أدبياتهم ومناهجهم التي يدرسونها داخل تنظيماتهم، وبلا شك يعتبر هذا أحد أشكال التجنيد المبكّر للأطفال بطرق ممنهجة، فكرية وطائفية بغيضة، وقد قالها صراحةً زعيم إحدى الجماعات في أحد خطاباته: "خلقنا للقتال".
قتل أكثر من ألف ومائة طفل في النزاعات المسلحة منذ عام 2004
الحوثيون والقاعدة والجيش يجندون الأطفال
وأكد المجذوب أنّ مراكز أبحاث عدّة أشارت في تقاريرها إلى جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة واتهمتهم بتجنيد الأطفال، وأوردت أرقاماً لضحايا التجنيد يشيب لها الرأس. ليست جماعة الحوثي وحدها التي تعمد الى تجنيد الاطفال، فهناك جماعات أخرى كأنصار الشريعة والمعروفة بتنظم القاعدة في جزيرة العرب، كما رُصِدت حالات تجنيد أطفال في صفوف الجيش الحكومي، وقدم بعض قادة الجيش بادرة حسنة وأعلنوا عن تسريح عشرات المجندين الأطفال من الخدمة العسكرية، وذلك بحضور منطمات مدنية وحقوقية، على إثر ضغوطات منظمات محلية ودولية مستمرة منذ نحو عامين.
أكثر من 1200 طفل في صفوف المليشيات
رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة، أحمد القرشي، تحدث لمراسل "الترا صوت"، قائلاً "بين عامي 2004 و2011 رُصدت خمسمئة وستون حالة قتل أطفال، من الذين جرى تجنيدهم وقتلوا خلال النزاعات المسلحة، لكن بعدها حصلت أعمال عنف كبيرة جداً، وللأسف الشديد لم تكن سياج موجودة لتوثقيها، ولا توجد مؤسسة معينة تقوم برصد وتوثيق العنف ضد الأطفال سوى منظمة سياج، التي أغلقت بعد ذلك بسبب افتقاد الدعم المالي". وأضاف القرشي، أن النزاعات المسلحة تفاقمت في اليمن، حيث قتل أكثر من ألف ومئة طفل بسبب النزاعات المسلحة منذ عام 2004 وحتى العام 2013، كمجندين وأطفال غير مشتركين في القتال (مدنيين)، بالإضافة إلى إصابة أكثر من ألف وخمسمئة طفل، بينهم إعاقات دائمة تمنعهم من الحركة.
وبحسب القرشي، هناك ما يزيد عن ألف ومئتي طفل مجندين في صفوف الجماعات المسلحة، مثل الحوثيين وتنظيم القاعدة أو ما يعرف بأنصار الشريعة، بل وفي القوات النظامية كالفرقة الأولى المدرعة، ولا توجد حتى الآن تدابير وإجراءات لمنع تجنيدهم.
اليونيسف تحذر
هذا الوضع الكارثي دفع اليونيسيف للتحذير من خطورة استمراره، وذلك على لسان ممثلتها في اليمن، جوليان هارنيس، التي أشارت إلى تفاقم ظاهرة تجنيد الأطفال في اليمن، وبحسب الأرقام الصادرة عن اليونيسف، فقد تم تجنيد ثلائمئة وثمانية عشر طفلًا في صفوف الميليشيات المسلحة هذا العام مقابل مئة وستة وخمسين العام الماضي. أمام هذا الازدياد المطّرد في حالات تجنيدهم، وانتهاك حقوقهم في الحياة، هل سيجد أطفال اليمن منقذًا لهم؟