لازالت المناطق المنكوبة، بفعل الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، تنزف حصيلةً داميةً، قدرت حتى الآن بأكثر من 19 ألف قتيل، متجاوزةً كارثة فوكوشيما اليابانية، وعدد إصابات تجاوز 70 ألفًا. هذا بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المباني المدمرة، بشكلٍ كامل أو جزئي، مما شرَّد ملايين الأشخاص خصوصًا في ولايات جنوب شرقي تركيا والشمال السوري المنكوب قبلاً بفعل قمع النظام السوري للثورة.
في الواقع التنبؤ بالزلازل عملية صعبة، وعملية -إلى حدٍّ ما- في الوقت الحاضر متعثرة
وضرب زلزال الحدود التركية- السورية، فجر يوم الإثنين، بلغت قوته 7.7 درجات، وكانت بؤرته الأولى ولاية قهرمان مرعش التركية، أعقبه زلزال آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجات، وأكثر من 1000 هزة ارتدادية حتى الآن.
ومع وقوع الزلزال، انتشرت العشرات من الأخبار والتقارير، حول إمكانية التنبؤ بالزلازل عمومًا، وأخرى عن الهزات الارتدادية، أو عن تحرك تركيا عدة أمتار، نتيجة الزلزال، وغيرها من الأخبار والمعلومات المتضاربة، بالإضافة للحديث حول كيفية حدوث الزلازل. وحول ذلك، نستضيف في "ألترا صوت" الدكتور نجيب أبو كركي، أستاذ الجيوفيزياء وعلم الزلازل في الجامعة الأردنية والرئيس السابق لجامعة الحسين بن طلال.
- ألترا صوت: بدايةً، كيف تحدث الزلازل؟
تحصل الزلازل نتيجة حركات الصفائح الأرضية؛ والصفائح الأرضية هي قطع على سطح الأرض، تتحرك كل واحدة بالنسبة للأخرى. وما يحركها، في الواقع، هو تفاوت درجات الحرارة مع الأعماق في باطن الأرض، حيث أن الصخور الساخنة تصبح أقل كثافة، فتميل إلى أن ترتفع إلى الأعلى، وإذا ارتفعت تحل محلها الصخور الباردة، وبهذا تسبب إجهادات وضغوط تكسر الصخور.
- ألترا صوت: بالنسبة لزلزال تركيا وسوريا، هل يمكن أن تشرح لنا ماذا حصل بالضبط في باطن الأرض في قهرمان مرعش؟
الحدود مابين سوريا وتركيا هي حدود صفائح تصادمية؛ الصفائح تتصادم وبالتالي تبني الضغوط بشكلٍ سريع، وهو ما يفسر حدوث الزلازل هناك بشكلٍ متكرر وعلى فترات متقاربة نسبيًا، مقارنةً بمناطق أخرى من العالم، وغالبًا ما تكون من أعنف أنواع الزلازل.
هذا هو النوع الذي نسميه حدودًا تصادمية، أي عندما تتقارب الصفائح من بعضها، وتدخل في صدام مع بعض، وهذا هو الحال على حدود تركيا وسوريا، وهي حدود تصادم مابين الصفيحة الأوروبية-الآسيوية، ومنها تركيا وإيران والقوقاز، والصفيحة العربية التي تشمل عمليًا جزيرة العرب، وهذا ما حصل هناك حيث تم تفريغ هذه الطاقة عمليًا.
الآن، عندما تنتهي الهزات الارتدادية، يبدأ بناء إجهادات جديدة وضغوطات جديدة، وزلزال قادم بعد فترة لا نستطيع توقعها، وبالتأكيد قد تقاس بالسنوات أو عشرات السنوات في تلك المنطقة.
- "ألترا صوت": تم تداول أخبار حول أن الزلزال الأخير حرّك تركيا ثلاثة أمتار نحو الغرب، ما مدى مصداقية هذا القول؟
معروف علميًا، ومن القياسات -قياسات الـ GPS وغيره- بأن تركيا تزاح نحو الغرب، وإيران تزاح نحو الشرق، نتيجة تقدم الصفيحة العربية نحو الشمال. إنما بمناسبة هذا الزلزال حصلت هذه الإزاحة بثلاثة أمتار، وهي إزاحة معقولة بالنسبة لزلزال قوته 7.8 على مقياس ريختر.
طبعا إزاحة الزلازل تتراوح بين ملمترات أو أقل، أيّ شيء لا يمكن تمييزه، إلى حدود 15 متر كحدٍّ أقصى تقريبًا؛ وهذا الذي حصل أثناء زلزال التشيلي، في 22 أيار/ مايو 1969، إذ تحركت الصفائح في الحدود ما بين أمريكا الجنوبية والمجاورة لها بحدود 15 مترًا. وبالتالي فإن إزاحةً بمقدار ثلاثة أمتار هي نتيجة طبيعية، وهي خلاصة التشوهات التي حصلت، واختزنتها الصخور وأطلقتها في النهاية خلال هذا الزلزال.
- "ألترا صوت": مع وقوع الزلزال تم تداول أخبار عن خبير أوروبي "تنبأ" بالزلزال انطلاقًا من حركة الكواكب، ما مدى مصداقية هذا الرأي؟ وهل هناك معطيات علمية تربط بين الزلازل وحركة الكواكب؟
لا يحظى هذا، في نظري، بأي نوع من أنواع المصداقية، وهو ليس تنبؤًا، وهو موقف ضعيف جدًا. التصريح أنه "عاجلًا أم آجلًا سيحصل زلزال"، هذا يستطيع أي شخص أن يقوله، عن أيّ صدع في العالم، وعندما يحصل الزلزال عليه، هل سيجرؤ أن يقول بأنه تنبأ به قبل حدوثه؟
في الواقع التنبؤ بالزلازل عملية صعبة، وعملية -إلى حدِّ ما- في الوقت الحاضر متعثرة، لأن العوامل التي تلعب في هذا الموضوع كثيرة جدًا؛ مثل حالة الصخور ووضع الضغط وسرعة الصفائح وعوامل أخرى عديدة لا يعلمها الإنسان لأنها موجودة تحت سطح الأرض، لذلك التنبؤ بالزلازل صعب حتى الآن.
وأعتقد أن ما ذكره الشخص الهولندي الذي يتم تداول مقاطعه المصورة، أمّا هي إشاعة، أو مهووس يريد الحصول على شهرة فقط، وكثيرون [غيره] يتبعون هذه الأساليب كي يحصلوا على هذه الشهرة. لا أوافق على ما يذكرون، ولا أعتقد أن لموضوع الأجرام السماوية والجاذبيات دور يذكر في استشراف الزلازل بتاتًا.
- "ألترا صوت": ما هي المناطق الأكثر تهديدًا بالنشاط الزلزالي في عالمنا العربي؟
عالمنا العربي عمومًا الزلازل به معتدلة نسبيًا، بالنسبة للمناطق الأخرى من العالم، ولا يوجد فيه أيّ بلد به بنفس الخطورة الموجودة في تركيا أو إيران مثلًا. لكن هنالك مناطق من المحتمل أن يحصل بها زلازل وتكون مؤثرة؛ أولها، الشمال الجزائري، وهو نطاق تصادم بين الصفيحة الأفريقية والصفيحة الأوروبية- الآسيوية بنفس الطريقة تقريبًا التي حصل بها زلزال، فجر الإثنين، لكن بزخم أقل مما يحصل في تركيا.
كما لدينا إمكانية أن تحصل الزلازل في المغرب، ونتذكر زلزال آكادير الذي كان فريدًا تمامًا من نوعه، فقد كان زلزالًا صغيرًا نسبيًا من حيث القوة، حيث سجل 5.7 على مقياس ريختر، لكنه بسبب الشدة في مركز الزلزال، نتج عنه دمار شامل في مناطق من مدينة آكاريد، وحوالي 15 ألف قتيل في عام 1960.
عالمنا العربي عمومًا الزلازل به معتدلة نسبيًا بالنسبة للمناطق الأخرى من العالم
كما يوجد مناطق أخرى مهددة، هي كذلك المجاورة لحدود الصفائح، ومنها؛ سوريا ولبنان والأردن وفلسطين وصحراء سيناء وحواف البحر الأحمر، ولكن تأثير الزلزال عليها هو أقل مما هو عليه في تركيا.
